رسالة مفتوحة إلى وزيرة شؤون المرأة
بقلم : انتصار الميالي
العودة الى صفحة المقالات

يقول المفكر علي الوردي (( إن زمان السلاطين قد ولّى وحل محله زمان الشعوب. وقد آن الأوان لكي نحدث انقلاباً في أسلوب تفكيرنا . فليس من الجدير بنا، ونحن نعيش في القرن العشرين، أن نفكر على نمط ما كان يفكر به أسلافنا في القرون المظلمة . إن الزمان الجديد يقدم لنا إنذاراً، وعلينا أن نصغي إلى إنذاره قبل فوات الأوان. إنه زاحف علينا بهديره الذي يصمّ الآذان. وليس من المجدي أن نكون إزاءه كالنعامة التي تخفي رأسها في التراب حين تشاهد الصياد . فهي لا تراه وتحسب أنه لا يراها أيضا، الأفكار كالأسلحة تتبدل بتبدل الأيام. والذي يريد أن يبقى على آرائه العتيقة هو كمن يريد أن يحارب الرشاش بسلاح عنترة بن شداد)).
ونحن الآن نعيش القرن الحادي والعشرين الذي يفترض فيه أننا نعيش مرحلة بناء دولة مدنية ديمقراطية دستورية تسودها العدالة الاجتماعية والأمن والسلام وسيادة القانون وحرية التعبير واحترام الرأي والرأي الآخر.
في 8 نيسان 2013 وضعت وزيرة الدولة لشؤون المرأة د. ابتهال الزيدي حجر الأساس لنصب الشهيدة العراقية في منطقة الكاظمية بالقرب من متنزه 14 تموز، خلال مشاركتها في احتفالية وضع حجر الأساس التي نظمتها أمانة بغداد بالتعاون مع منتدى ملتقى الخالدون النسوي في مؤسسة الشهداء.
وقالت الزيدي في كلمتها بالمناسبة " اليوم وبجهود مباركة من مؤسسة الشهداء وأمانة بغداد يوضع حجر الأساس لنصب الشهيدة الذي يضم أسماء الشهيدات المسجلة في مؤسسة الشهداء من ضحايا النظام السابق الذي سيظل صرحاً شامخاً عبر الأجيال يوثق جريمة النظام المستبد ويخلد الدماء الطاهرة التي أنارت طريق الحرية للشعوب، ويكون قدوة للأجيال المتعاقبة لتقرأ التاريخ وتفيد منه في مستقبل حياتها، وليعلم أبناؤنا وبناتنا أن الثبات على المبدأ والعقيدة والدفاع عن الحق هو الذي يخلّد الإنسان".
في اليوم الذي سبق 7 نيسان 2013 أحيت وزارة الدولة لشؤون المرأة الذكرى الثالثة والثلاثين لاستشهاد آمنة الصدر المعروفة ببنت الهدى عبر إقامة حفل تأبين برعاية دولة رئيس الوزراء حمل شعار "دماءٌ أضاءت طريق الحرية"، في فندق المنصور وسط بغداد.
وقالت وزيرة الدولة لشؤون المرأة د. ابتهال كاصد الزيدي في كلمة لها بالمناسبة "في هذا اليوم نستذكر دماءً زكية أضاءت الطريق لحرية الشعوب، نخب صالحة من الرجال والنساء، ومن هذه النخب نستذكر أنموذجاً نسوياً مشرّفاً لكل العراقيات أرهبت قوتها قلوب الطغاة وهزت إرادتها عروشه فاغتالوها غدراً وخيانة".
وبعد مرور أسبوع، تحديداً في 14 نيسان 2013 ، بدأت وزارة الدولة لشؤون المرأة سلسلة ندواتها التـثـقيـفية والتعريفية حول الشهيدة بنت الهدى بإقامة ندوة في محافظة السماوة وستليها ندوات في باقي المحافظات. واستضافت قاعة الشهيد الحساني في كلية العلوم بجامعة المثنى ندوة تضمنت كلمة لوزيرة الدولة لشؤون المرأة د. ابتهال كاصد الزيدي، ألقتها نيابة عنها السيدة وفاء الخالدي عضو مجلس المحافظة، وكلمة لمدير مؤسسة الشهداء في المحافظة، وتم عرض فيلم وثائقي عن حياة الشهيدة وتوزيع مطويات تعريفية، وستقام الندوات اللاحقة في محافظات: الديوانية والبصرة وميسان بالتعاون مع مؤسستي السجناء والشهداء.
وأكدت الزيدي على ضرورة أخذ المرأة دورها بفاعلية أكثر، وانطلاقاً من مبادئ الشهيدة بنت الهدى ومن معها دعت نساء العراق كافة إلى المشاركة بإصرار وعزيمة في الانتخابات، لافتة إلى ضرورة إثبات وجودها وأن تدلي بصوتها وتخضب أصبعها بحناء الكرامة.
أسئلة كثيرة تدور في رأسي لماذا تضع الوزيرة نضال المرأة العراقية في زاوية ضيقة كما يفعل جميع الساسة ممن يتحدثون بالأغلبية عندما يختزلون العملية السياسية في عنق زجاجة بخطاباتهم غير المسؤولة مهددين بالانفجار الطائفي ، ولو أن الشهيدة بنت الهدى رحمها الله موجودة هل كانت سترتضي لنفسها حفلا تأبينيا يلغي ما حفرته الذاكرة من شهيدات سبقْنَها في درب التضحية وحرية الشعب والوطن؟ لماذا تحتفي وزارة الدولة لشؤون المرأة بذكرى وفاة بنت الهدى كرمز للنضال، مع تقديسي لتاريخ هذه المناضلة التي عرفت بتواضعها، دون أن تحتفي بذكرى استشهاد فتاة الجسر التي جسدت أروع الصور البطولية للمرأة العراقية؟ لماذا ترسخ الوزيرة التمييز وهي التي من المفترض أن تمثل جميع نساء العراق بعيداً عن المبدأ والمعتقد الذي تؤمن به؟
وبما أن وزارة الدولة لشؤون المرأة مهتمة بالتثقيف والتوعية بأبرز المناضلات والشهيدات والسجينات، لماذا غاب عنها التوعية بأبرز مناضلات السلام، كالسيدة ( سورما خانم )، وبأول وزيرة في العراق وفي المنطقة العربية والشرق الأوسط هي الدكتورة نزيهة الدليمي ؟ خصوصاً أن أغلب نساء العراق يجهلن ذلك كما يجهلن حقوقهنّ وواجباتهنّ؟ لماذا لم تأخذ على عاتقها متابعة تشييد نصب ( أول وزيرة ) الذي أمر به رئيس الوزراء مع إيقاف التنفيذ؟ لماذا لا تحتفي بذكرى وفاتها وهي الطبيبة المناضلة التي كانت تتبرع بجهودها وراتبها لفقراء العراق وضحّت بسنوات عمرها من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية؟
لقد تفاءلت خيراً بسلسلة الندوات وطباعة المطويات التعريفية وعرض الأفلام الوثائقية، لكن السؤال: هل ستحتضن المؤسسات الحكومية والكليات وتفتح قاعاتها لندوات مماثلة للتوعية الكاملة والحقيقية برموز النضال النسوي العراقي من دون قيود وبعيداً عن التمييز والإقصاء والتهميش؟!
على أي مبدأ وعقيدة استندت الزيدي وهي التي تضع نساء العراق على كف عفريت عندما تنتهج التمييز بعملها؟ لم تكن الشهيدة بنت الهدى المعروفة بنكران الذات وعزوفها عن الشهرة لترضى بذلك وهي التي حملت فكر الزهراء (ع) التي كانت تتبرع بثوبها كي لا تتميز عن باقي القوم والرعية كونها ابنة الرسول (ص) وزوجة علي ابن أبي طالب (ع) .
لماذا مازلنا نساء نعمل بعقل ذكوري ضيّق وطائفي بدلاً من أن نكون نسويات مؤمنات برسالتنا وقضيتنا ، وحاجة المرحلة تدعونا إلى بذل المزيد لتوحيد جهودنا كي لا نبقى ضحايا لهذا وذاك؟
ما أستغربه هو دعوة الوزيرة إلى نساء العراق ليمارسن حقوقهنّ بفعالية وليلعبن دورا رائدا في الانتخابات وهي الأحوج لهذه الدعوة كي تكون جديرة بتمثيل كل نساء العراق على اختلاف انتماءاتهنّ وأفكارهنّ ومعتقداتهنّ وقومياتهنّ.
قد أكون صغيرة لأجهل الكثير من المعلومات لكنني سعيت منذ اخترت طريق العمل في حقوق المرأة لمعرفة تاريخ حركتنا النسوية دون تمييز للاستفادة من تجاربهنّ ، وما محفور في ذاكرتي أسماء لا تنسى، ومن الجريمة أن يهمل ذكرها والقائمة تبدأ بشهيدة الجسر بهيجة في وثبة كانون 1948 وتستمر لتشمل كوكبة بارزة من شهيدات الحركة النسوية : ابتسام الآلوسي، أنوار محمد علي حسين ، خولة عبدالرحمن، إكرام عواد سعدون، فوزية محمد هادي، عبلة عبد زجعول، فريال الأسدي، فريال السامرائي، خيرية الصراف، الأختين وصال وجميلة محمد شلال ، إكرام محمد حسين، ليلى عبد الباقي المنذري، عايدة ياسين، تغريد ألبير الخوري، الأختين خالدة وحرية فعيل، سعاد الموسوي، ثائرة فخري بطرس، زهور حمود اللامي، زينب أحمد حسين الآلوسي، هناء وسناء عبد السادة، نجية عبد حاتم الركابي، صبيحة نوري العبيدي، انتصار خضير موحي، نظيرة عبد الرحمن البناء، شذى البراك، تماضر يوسف ديشا، رسمية جبر، نعيمة عباس الحداد، موناليزا، مريم رؤوف الكاظمي، أم سرباز، وصولاً إلى عروس كردستان عام 1974 .
وتستمر التضحيات والقائمة تطول والحساب يتعب القلب ويدمي العين ،فقائمة الشهيدات تضم الجميع من مختلف العوائل والقوميات والديانات، الوائلي ومتي والأمين والخميسي والصالح والعبايجي والشيخ والشكرجي والموسوي والياسين والعبيدي واللامي والعاني والبياتي والجنابي والدراجي ومئات الآلاف ممن كنّ ضحايا الأنفال والمقابر الجماعية، وصولاً إلى ضحايا ما بعد الدكتاتورية ضحايا العنف والإرهاب والصراع الطائفي وكلهنّ دفعن أرواحهنّ ثمنا لحرية الوطن. ومن المؤلم أن يقتلن مرة أخرى على يد من قاتلن من أجلهم.
لا أريد برسالتي هذه سوى أن ألفت انتباه الوزيرة للكثير من الأمور لتكون وزيرة الجميع لا وزيرة لطائفة معينة، كي لا تُضعف عزيمة النساء ،لأننا بحاجة إلى طراز جديد من العمل ممن يؤمنَّ بنسويتهنّ. إننا بحاجة لامرأة توكل إليها مهمة مداواة جراح كل النساء بلغة مؤنسنة، نعمل من أجل مواصلة النضال ليس بهدف الوصول لمرحلة المساواة ولكن لتحقيق القناعة الذكوريّة بالحقوق النسويّة التي علينا الأيمان بها نحن النساء أولاً .
علينا أن نكون أوفياء لدماء شهيداتنا ورموز النضال بإنصاف النساء وحماية حقوقهنّ المشروعة، وأن نكون أكفاء في الدفاع عن قضاياهنّ، لأن في تاريخ بلدنا نساء جميعهن يستحقنّ الوفاء.
وأختتم بقول الوردي رسالتي هذه كما ابتدأتها " ليس من العجيب أن يختلف الناس في ميولهم وأذواقهم ، ولكن بالأحرى العجب أن يتخاصموا من أجل هذا الاختلاف".

  كتب بتأريخ :  الأحد 28-04-2013     عدد القراء :  1936       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced