الخوف من الحرب
بقلم : محمد غازي الاخرس
العودة الى صفحة المقالات

مزاج الحزن والخوف على بلدي وأهلي لم يتوقف منذ حادثة (الحويجة)، ولذلك سهرت أمس حتى زقزقة العصافير وأنا أقلّب في الفضائيات وأطالع في مواقع التواصل الاجتماعي. والنتيجة أنني لم أجد سوى صخبٍ و(جرش) كلام وتهديدات لا ترجمة فعلية لها في الواقع. أتذكر ما جرى في العام 2005 وكأنه يحدث أمامي الآن، كان الطرفان نشيطين، ولذلك سارعا إلى ولوج الحرب الطائفية على وقع الأهازيج؛ ذات مرة، كنت واقفا في ساحة فإذا بأكثر من عشرين سيارة مليئة بالشبّان تخترق الشارع. وفي لحظة، لاحظت أن أحد المارة صاح بصديق له يركب في سيارة ـ ها.. وين؟ فردّ الشاب وهو يضحك ـ رايحين نتسوك!
لم أفهم العبارة الأخيرة إلى أن أخبرني بها أحدهم. كانت كناية مرعبة عن اصطياد (الأعداء)!
هذه المرة، يبدو العراقيون متعبين من خوض الحروب، غير ميالين لها كعادتهم. والسبب برأيي هي المآسي التي رأوها في فصل الجحيم الأخير، إذ قطف الموت زهرة شبابنا من كلِّ الطوائف والمنحدرات. من (الحويجة) ومدينة الصدر، من النجف والرمادي، من الموصل والبصرة، من الطارمية والأعظمية، من تلعفر ومن (سبع قصور).
نعم، أمس كنت حزينا جدا، لاسيما أنني اكتشفت أن كثيرا من المثقفين خلعوا نظاراتهم، ونزعوا أقنعة فوكو ودريدا وشايغان ليظهروا وهم أشبه بتلك المرأة التي حدثتكم عنها ذات يوم؛ زوجة الشيخ موزان التي دخلت مضيف زوجها وقالت ـ كافي من الهتر ومكالب الفنجان، العركة تريد لمع سيوف يا موزان!
نعم، فبعض الحروب قد تبدأ بأهزوجة أو مقالة أو بيان أو خطبة تافهة. بعضها تشتعل من جمرة تصريح سمج أو تهديد فارغ؛ يتعارك رجلان لغويا فيقول أحدهما للآخر ـ والله إذا تتقرب مني أكسر ظهرك، إذا أنت زلمة تعال. فتكبر الكلمة في عين الخصم، تفور دماؤه ويهجم قائلا لنفسه ـ هي موتة لو موتتين!
احتقار الحياة واسترخاص الروح من أجل فكرة وهمية هما السائدان دائما في مثل هذه الأزمات. ولذا هي لاعقلانية ومجنونة ولا ندري كيف ننجرّ لها. ما تحتاجه غالبا هو هذا؛ شيخ ينزع عقاله، كاتب يقذف بحممه عبر كلمات نارية، أخت تنزع فوطتها وتصيح ـ ها يالاولاد ها!
ذاكرتي اللعينة تحتفظ بكثير من هذه الأمثلة؛ في ثورة العشرين، كان ثمة شيخ اسمه (شراد) قد انكسرت عشيرته في معركة مع الانكليز، فجلس حزينا لا يلوي على شيء. ثم فجأة تخاطبه زوجته، وهي شاعرة من بني حجيم اسمها (ضوية)، قائلة ـ يلما تهز عزمك هزايز، يلنفتخر بيك وننابز، شوف الربع كامت تبارز، وهاي الفعايل الك حافز، انهض لعد خصمك وناجز، وان تنجتل بالخلد فايز!
ثم ما أن سمع (شراد) شعرها حتى انتفض وهو يرتجف، ثم ذهب للانكليز و(هالروحه روحته). لقد قتل بعد معركة خاطفة و(خلد) في ضمير الوطن!
بعضهم يريد أن يتحوّل لصورة (مثقفة) عن تلك المرأة،  وسلاحه، هذه المرة، ليس شعرا يثير الحمية بل مقالات وسيناريوهات حول ما سيجري؛ سوف يتقسم العراق، سوف يتحول إلى سوريا جديدة، سوف نقضي عليهم، سوف يقضون علينا!
لا أريد أن أقول إننا بمنأى عن الخطر، كلا، فالخطر موجود وهو يتلمض في حجرنا كالأفعى، لكنّني أعتقد أن العراقيين متعبون من كثرة الطعنات، ولو جاءت (فدعة) بجلال قدرها وقوة تأثيرها وحرضتهم على القتال، لما التفتوا لها.
ربما سيظلون يتسابون فيما بينهم أو يشمرون الحجارة على بعضهم الآخر أو يتهددون كما في بعض العركات:
ـ عوفني عليه!
ـ لا يمعود خليه لخاطري!
سيظلون هكذا إلى أن يثق بعضهم بالآخر ويجلسوا على الطاولة ويحلوها بالتي هي أحسن (فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌ حميم).
كان بودي أن أحدثكم عن شيء آخر، لكنني حزين منذ حادثة (الحويجة) ومزاجي متعكّر لدرجة أنني أجّلت مقالة عن طور المحمداوي إلى وقت آخر، فانتظروني بارك الله بعقولكم.

  كتب بتأريخ :  الأحد 28-04-2013     عدد القراء :  1529       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced