يقول الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر في كتابه «فلسفتنا» الصادر في العام 1959 انه لا يعرف غريز عند الانسان اعم واقدم من غريزة «حب الذات» التي هي «من صميم طبيعته» و»القوة المحركة الرئيسة» لسلوكه وتصرفاته ومواقفه. وتعبر غريزة «حب الذات» عن نفسها من خلال «حب اللذة» و»بغض الالم».
وحب المال من فروع هذه الغريزة. وسجل القران الكريم ذلك بقوله:»وتحبون المال حبا جما». وحب المال يوقع بين الاخ واخيه والصديق وصديقه. ولطالما نشبت حروب ومعارك ونزاعات عائلية ووظيفية واجتماعية بسبب شهوة حب المال المدمرة.
لذلك صرفت الاديان والفلسفات وقتا كثيرا وجهدا كبيرا في التوفيق بين حب الذات وحب المجموع، او المصلحة الخاصة والمصلحة العامة، او الخير الخاص والخير العام ومنع التضاد بينهما والتعارض.
تتلخص هذه الجهود في الاعتراف بحب الذات او المصلحة الذاتية، لكن دون السماح لها بتدمير حب الجماعة والمصلحة العامة. وهناك من البشر من ينجح في التوفيق بين الامرين، وهناك من يفشل فيسقط في مطب تفضيل المصلحة الذاتية على المصلحة العامة، وينطلق في تحديد مواقفه وتصرفاته وسلوكياته في الشأن العام من الرؤية الضيقة جدا لمصلحته الخاصة والذاتية. وهذا هو السقوط الاخلاقي بعينه.
يحكم مثل هؤلاء على شأن عام انطلاقاً من مصالحهم الذاتية التي قد تتلخص بامور تافهة صغيرة، مثل الحصول على منفعة مالية بسيطة جراء صفقة، او الحصول على وظيفة متواضعة لأحد ابنائه او بناته، او تمرير ايفاد او ما شابه. فان لم يتحقق له ما اراد في صغائر الامور هذه، انطلق كالحريق يدق برجليه افئدة الطريق، يعرقل هذا، ويشوه ذاك، ويبث الاشاعات والاكاذيب انتقاما لما تم حرمانه منه من منفعة ذاتية في غير موضعها، ما يعني المزيد من الانغماس في وحل السقوط الاخلاقي.
يعاني بلدنا ومجتمعنا من الكثير من هؤلاء الذين حققوا سقوطهم الاخلاقي بامتياز كبير. وهؤلاء هم سبب كل اشكال الفساد المالي والاداري والسياسي عندنا. يقوم هؤلاء بخلط الاوراق، وتسميم الاجواء، ومنع الخير العام، ثأرا لانفسهم ممن منعهم من استغلال مواقعهم الوظيفية لخدمة نوازعهم الشخصية والذاتية المريضة. هؤلاء يعيقون الان عمليات التنمية والاصلاح والتقدم والانتاج في عموم مؤسسات البلد الذي كان عليه ان يتحول الى ورشة عمل منذ سقوط النظام الصدامي قبل 10 سنوات، لكن هذا لم يحصل بسبب هذه الطفيليات التي تعتاش على جهد غيرها وتأكل السحت الحرام. هؤلاء كالسرطان لا تنفع معهم المسكنات والعلاجات الموضعية. لا بد ان يتم اقتلاع هؤلاء من الجذور وتنظيف البلد ومؤسساته منهم. فخطورة هؤلاء لا تقل عن خطورة الارهابيين.
الصباح
كتب بتأريخ : الثلاثاء 25-06-2013
عدد القراء : 1457
عدد التعليقات : 0