شتائم وأوصاف دوّنها التأريخ تفنّن باختراعها الرؤساء العرب
بقلم : كوكب السياب
العودة الى صفحة المقالات

أطلقت ما سميت بـ»الثورات العربية» قريحة بعض الرؤساء العرب وإبداعاتهم في وصف خصومهم من المعارضين بأوصاف تباينت من الاستهانة بهم إلى الشتيمة التي وصلت حد التحقير باستخدام أقذع الألفاظ وأبشعها في حق الشعوب التي طالبت بالتغيير بطرق سلمية في بادئ الامر، ثم ما لبث أن تحولت إلى صراع مسلح بعد رفض الرؤساء في الاستماع إلى المعارضين والإغراق في الاستهزاء والسخرية منهم ومن مطالبهم.


غوغاء
في العراق، وتحديدا في العام 1991، بدأت الانتفاضة (الشعبانية) من مدن جنوب العراق وتحديداًً مدينة البصرة بعد انسحاب الجيش من الكويت وتدمير الياته من قبل القوات الأميركية الامر الذي اضطر الجنود العراقيين للعودة سيراً على الاقدام إلى العراق وعلى اثر هذا قام أحد الجنود العراقيين في فجر الثاني من آذار من عام 1991 بإطلاق النار على تمثال صدام حسين وانهال عليه بالشتائم والسباب وكان هذا في ميدان (ساحة سعد) في البصرة لتنطلق شرارة الانتفاضة الشعبية التي سرت بسرعة كبيرة جداً في أنحاء العراق وبحلول الصباح كانت الاحتجاجات تعم محافظة البصرة والهارثة والدير وبدأ الثوار باستهداف مركز الشرطة ومعسكرات الجيش العراقي في المدينة وخلال يومين فقط عمت الانتفاضة أغلبية مناطق العراق الأخرى ومنها ميسان والناصرية والنجف وكربلاء وواسط والمثنى والديوانية وبابل وديالى والأنبار والموصل وسامراء وسرعان ماوصلت إلى مدن شمال العراق دهوك، سليمانية، أربيل وكركوك وفي ظل هذه الأوضاع المتأزمة بدأ النظام باستخدام اساليب القمع كافة لايقاف الانتفاضة واستخدام طائرات الهليكوبتر التي  استخدمها بقصف المدن وايقاف الانتفاضة ووصل الامر بالسلطة لاستعمال الأسلحة الكيمياوية ضد المواطنين.
«غوغاء» أو «صفحة الغدر والخيانة» وغيرها من الأوصاف، ابتدعها رأس النظام المباد في العراق، صدام حسين، بعد الانفجار الذي شهدته مدن الجنوب والفرات الاوسط عقب انكسار الجيش العراقي في حرب الخليج الثانية عام 1991 لكن صدام تصدى له بقسوة غير مسبوقة، وعنف غير مشهود، راح ضحيته مئات من الابرياء ممن كان همهم اسقاط النظام المجرم الذي فتك بالعراقيين، ونهب ثرواتهم وابتلعها.
واطلق على المنتفضين تسمية الغوغاء، أو (صفحة الغدر والخيانة)!


رحل صدام .. فرحلوا معه
لم يمضِ على سقوط الصنم في بغداد سوى سبعة أعوام، حتى بدأت الاصنام العربية تتهاوى واحداً تلو الآخر، وبعد انطلاق الشرارة الأولى لـ»الثورات العربية» في تونس، افتتح رئيسها السابق زين العابدين بن علي هذه الأوصاف والألقاب في خطابه عندما أطلق عليهم «العصابات الملثمة» و»المناوئين المأجورين» التي أقدمت بالاعتداء ليلاً على الشعب، ثم خاطبهم بالعبارة الشهيرة التي تحولت إلى موقف فكاهي ساخر عندما وجه نداء إلى شعبه بوقف التظاهرات وقال «أنا فهمتكم..إيه نعم فهمتكم».
الرئيس المصري السابق حسني مبارك كان أكثر احتراماً لشعبه في مخاطبتهم مقارنة بمن سبقه ومن لحق به، ولكن التسريبات التي سُربت بعد ذلك، كشفت أنه كان يطلق على المتظاهرين بأنهم «شوية عيال تجمعوا على فيسبوك».


قطط وفئران
وفي أحداث ليبيا، وصف العقيد معمر القذافي الشعب الليبي بأنهم ليسوا إلا «جرذان» و»قطط وفئران التي تنقز من شارع إلى شارع في الظلام» ويتناولون حبوب الهلوسة لتخريب البلاد، وسيلاحقهم «بيت بيت وزنقة زنقة»، كما هدد بأنه سيقوم بتسليح الشعب والقبائل الليبية للدفاع عن ليبيا، في تلميح إلى أنه يقاتل أناساً آخرين غير الليبيين، وهو ما درجت عليه العادة في خطابات الرؤساء.
الجدير بالذكر أن خطابات القذافي كانت جدلية وفكاهية، كان الجميع يتندر عليها، لما تحمله من شطحات في المفردات والعبارات، فقد ذكر القذافي في أحد خطاباته أنه ليس رئيس دولة إنما هو «زعيم وقائد ثورة»، ولو أن لديه منصباً لكان استقال و»فر الاستقالة» في وجوه الليبيين، وأضاف أنه أرفع من المناصب التي يتقلدها الرؤساء.
كما ذكر أن ليبيا تقود القارات جميعها، وأن الحقد على الرفاهية التي يعيش فيها الشعب تسببت بما أطلق عليه «تمرد الشباب المهلوس»، وهم في معظمهم من الغرباء ومن تنظيم القاعدة.
وتميزت خطابات القذافي بأنها الأكثر شتماً وسباً للشعب، وكانت مليئة بالأوصاف التي تُحقر من الشعب، بالإضافة إلى الشعارات الطنانة والعبارات المتناقضة التي زادت من احتقان الشارع الليبي وحفزته على المضي في ثورته.


ثورة البلاطجة والتخلف
ولم يترك الرئيس الأسبق لليمن علي عبدالله صالح فرصة إلا وهاجم شعبه فيها، فأطلق على الثورة منذ البداية «ثورة البلاطجة والتخلف»، وأصوات النشاز والإرهابيين، وذهب إلى أبعد من ذلك عندما وصفهم في لقاءاته الصحافية بـ»الثعابين». وقال، إن «الحكم في اليمن كما يرقص الشخص على رؤوس الثعابين»، كما انتشرت في أثناء حكم صالح العبارة التي رددها مخاطباً خصومه في بداية الحراك الشعبي في اليمن وهي «فاتكم القطار»، فأصبحت مثار سخرية الشعب اليمني على كل لسان.
ولم يتنح صالح عن الحكم إلا بعد اعتصامات واحتجاجات أدت إلى تسوية بين الطرفين.
في السودان، لم يكن الشعب السوداني أكثر حظاً من بقية أشقائه العرب بعد أن انطلقت تظاهرات تمت مواجهتها بعنف، وخرج الرئيس السوداني عمر البشير في خطاب مطلقاً على شعبه «شوية شُذّاذ آفاق وناس محرّشين»، وزاد استنفار الشعب حين تحدى البشير المعارضة خلال لقاء جماهيري نهاية العام الماضي وخاطبهم بأن إسقاط نظامه بمنزلة «لحس الكوع»، كما أكد ذلك مساعد رئيس الجمهورية نافع علي نافع بأن من يريد إسقاط النظام فعليه «بلحس كوعه» أولاً.
هذا الحدث استدعى الناشطين السودانيين إلى تنظيم حملات على موقع التواصل الاجتماعي أطلقوا عليها «جمعة لحس الكوع وشذاذ لآفاق» ترافقت بتظاهرات ميدانية.


مندسون ومخربون وجراثيم
وفي سوريا، أطلق الرئيس بشار الأسد على خصومه مختلف المسميات والألقاب، وذلك عند إلقاء خطاباته حيناً أو من خلال لقاءاته المتلفزة، حيث وصف الأسد وأعوانه بدء الحراك بأنه من فعل بعض «المندسين» والمخربين، وأنهم لن ينجحوا في ذلك، لأن الشعب سيقف سداً منيعاً أمام مخططات هؤلاء «المندسين». ورد السوريون على ذلك بإطلاق النكات التي تسخر من هذا الوصف، ثم ما لبث هذا الحراك أن تحول إلى مواجهات بين الجيش الحر والقوات الحكومية، فازدادت حدة الوصف لديه ليصفهم بـ”الجراثيم” التي سيتم تنظيفها من أي جرح بعد استئصال الورم الزائد فيه، مما دعا المعارضين من الشعب السوري إلى بث المزيد من السخرية والنكات واستبدال صورهم على صفحات التواصل الاجتماعي بصور معقمات ومنظفات على اختلاف أسمائها.
ومن جراثيم تحولت «المعارضة السورية» إلى «فقاعات» في أحد خطاباته، مما دعا السوريين المعارضين إلى زيادة الجرعة في إطلاق النكات ونشر مئات الرسوم الكرتونية والكاريكاتورية على هذه الأوصاف، وقاموا باستبدال صورهم في مواقع التواصل الاجتماعي من المنظفات إلى الفقاعات. واتفق جميع الرؤساء في بلدان الثورات على أن الحراك الذي قام به الشعب هو ليس إلا مؤامرة دولية على بلدانهم، وأن هناك من يديره خلف الكواليس غيرة وحسداً من رغد العيش والرفاهية والترف الذي يعيش فيه كل شعب من الدول التي قامت بها الثورات، وأن من قام بذلك ليس إلا المخربون الغرباء.
كما وعد كل رئيس بأنه سيقوم بالإصلاح الذي طالما انتظره الشعب الثائر، على أن يعطيه الفرصة والوقت المناسبين لهذه الإصلاحات.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 25-06-2013     عدد القراء :  1974       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced