وهل من حرمة لحياة من لا ينطق بالشهادتين؟
بقلم : ضياء الشكرجي
العودة الى صفحة المقالات

سمعت ذلك الشيعي المصري الذي نجا من مجزرة زاوية أبو مسلم في محافظة الجيزة المصرية، سمعته من على إحدى الفضائيات المصرية، التي أدانت المجزرة وتعاطفت مع ضحاياها، سمعته يتحدث عن ظلامة شيعة مصر، ويستصرخ الضمير (المسلم)، وكانت تتعاطف معه مقدمة البرنامج بصدق لما لها من نزعة إنسانية، هي من لوازم كل إنسان سوي، حتى إنها كادت لا تتمالك نفسها من ذرف الدموع، وبحق إن ما حصل يستحق التعاطف، والتضامن، وذرف الدموع، والاستنكار والإدانة والاستقباح، وفي سياق انفعال الرجل، وهو محق في انفعاله، وفي ارتفاع صوته بالشكوى والتظلم، وهو محق في شكواه، ظل يؤكد مرة بعد أخرى، أنهم، أي شيعة مصر، مسلمون، وهم حقا لمسلمون، وإنهم يشهدون بالشهادتين، وهم حقا ليشهدون بالشهادتين، وإن كانوا يضيفون إليهما شهادة ثالثة استحبابا لا وجوبا، وكان يستشهد بالأحاديث النبوية بحرمة حياة ودم المسلم، بمجرد أن ينطق بالشهادتين، وهم من أهل هاتين الشهادين. نعم وهناك الروايات التي تؤكد ذلك، حيث استنكر نبي المسلمين قتل أحد المسلمين لأحد مشركي قريش، رغم أنه قبل قتله إياه قد نطق بالشهادتين طلبا للحياة وحق دمه، معتبرا أي المسلم ذلك نفاقا منه لإنقاذ حياته، فكان جواب محمد بما مضمونه: وهل شققت صدره؟ مستنكرا قتله لذلك المشرك القريشي الذي، أعلن إسلامه الظاهري بالنطق بالشهادتين. لكن النبي لم يقم الحد على هذا القاتل.

هناك بحث في المنطق تعلمناه، هو بحث المنطوق والمفهوم، فهناك من التعبيرات اللغوية ما لها معنيان، المعنى المنطوق للعبارة، أي ما تعبر به عنه بنفس الكلمات التي تنطق بها، وهناك معنى مفهوم، أي مستنتج من تلك العبارة، وإن كانت لم تنطق به بشكل مباشر. وهذا في الواقع ما يدركه كل شخص، دون الحاجة إلى أن يكون ممن درس المنطق، لأن كل إنسان سوي ذي ذكاء متوسط، يستخدم أدوات المنطق في فهم الأشياء بالفطرة. فإذا قيل لك أحضر إما الكرسي الأسود وإما الكرسي الأبيض، فمن المفهوم أن الكرسي الثالث، ذا اللون الأحمر مثلا، إن وجد، غير معني برغبة الإحضار، فلو أحضرته بدلا عن الاثنين، رغم وجودهما، أو وجود أحدهما، واستُنكر عليك ذلك، لا تستطيع الرد على صاحب الطلب بكونه لم يقل لك أن لا تحضر الكرسي الأحمر.

وبالتالي يكون المفهوم مما مر ذكر أعلاه، إن حياة من لا ينطق بالشهادتين ليس لها حرمة، ودماءه غير محقونة، من حيث المبدأ، أي بالعنوان الأولي للحكم الشرعي، كما يعبر بلغة المتشرعة. ومع هذا فعقلاء ومعتدلوا فقهاء المسلمين لا يفتون ولحسن الحظ بقتل بقية الناس، أي غير المسلمين، لأن ذلك خلاف الحكمة، وشبه محال لكثرة غير المسلمين في العالم، ولأن فيه ضررا على الإسلام، وعلى سمعة الإسلام، وإعاقة لمهمة الدعوة إلى الإسلام «بالحكمة والموعظة الحسنة». وإلا فالمسيحي ليس محقون الدم، وهكذا هو كل من ينتمي إلى دين آخر غير دين الإسلام، من صابئة وإيزيديين وزرادشتيين وبهائيين وغيرهم، ومن قبيل الأولى يكون الملحد (اللاإلهي) غير محقون الدم، بل حتى الإلهي والموحد اللاديني، أي الناطق بالشهادة الأولى «أشهد ألا إله إلا الله»، دون الشهادة الثانية «أشهد أن محمدا رسول الله»، غير محقون الدم، وبكل تأكيد المرتد عن الإسلام غير محقون الدم، فبعض الفتاوى تقول إن المرتد الذمي، أي من كان مسيحيا أو يهوديا فأسلم ثم ارتدّ عن الإسلام، فيُستتاب، فإلم يتب يقتل، بينما المرتد الفطري يقتل ولا يستتاب، بل يقتل حتى لو تاب وحسن إسلامه. ولكن الحمد لله الذي جعل أكثر الفقهاء لا يعملون بهذا الحكم الشرعي، لا لعدم جواز العمل به من حيث المبدأ، بل للأضرار الكبيرة التي تترتب عليه. وأكثر النصوص التي لا تقول بوجوب الكافر أي غير المسلم، لا تقول أيضا بحرمة قتله، يعني هو بمستوى (لا ينبغي)، وليس بمستوى (لا يجوز)، أو (يحرم). ولي بحث مفصل عن مصطلحي «الذين آمنوا»، و«الذين كفروا»، بالمعنى القرآني، والموقف منهما دنيويا، ومصرهما أخرويا، وكذلك بحث مفصل عن القتل، والقتال، يأتي وقتهما.

وهذا الحكم، أي حرمة حياة المسلم بشكل خاص، ليس خاصا بالإسلام، فكذلك اليهودية التي تعتمد الوصايا العشر لموسى، والتي أولها «لا تقتل»، نجد حرمة القتل عندها خاصة حصرا وحصرا باليهود، وهذا ما ذكره مفكرون لادينيون ذووا خلفية اجتماعية يهودية، وللقرب الكبير بين أحكام اليهودية وأحكام الإسلام، أكثر مما هو القرب بين الإسلام والمسيحية، من حيث كثرة وكثافة وشمولية الأحكام الشرعية، ومن حيث محرمات الطعام، وحتى الصلوات اليومية، ولكن أيضا من حيث مركزية القتال في كل من الدينين ضد أتباع العقائد الأخرى، بحسب ما نجده في كل من التراث اليهودي، والتراث الإسلامي.

لكن الحمد لله هناك نصوص في مقابل نصوص جواز أو وجوب قتل غير المسلم، تؤسس للتعايش الجميل، وإن كانت قليلة جدا، قياسا على الكم الهائل من نصوص مقاتلة غير المسلمين، أهمها نصان قرآنيان في غاية الجمال والإنسانية، والتعبير عن الرغبة في التعايش بسلام، وعلى أساس مبدأ العدل، هما «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن [تـ]تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون»، والنص الآخر «لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى، واتقوا الله، إن الله خبير بما تعملون». لكن في نفس الوقت هناك النصوص التي يكتظ بها القرآن من قبيل «قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون»، و«إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها، أولئك هم شر البرية»، وأكتفي بهذين المثالين من الكم الهائل من النصوص بهذ المعنى. ولكن بما أن من عقلاء ومعتدلي وإنسانيي فقهاء المسلمين من يعتبر الأصل في النصوص التي تدعو للسلام والعدل، بالرغم من ندرتها قياسا على الكم الهائل من النصوص الداعية لقتال غير المسلمين، واحتقارهم، وإهانتهم، وعدم مساواتهم بالمسلمين، لكون - عند هذا الفريق من الفقهاء والمفسرين - تلك النصوص المسالمة والإنسانية والعادلة هي التي تمثل جوهر الدين الثابت، بينما تلك التي تشكل الكثرة الغالبة إنما تمثل الشكل المتحرك من الأحكام الخاضعة لتحولات الزمان والمكان.

ونحن نقول دائما، بسبب هذا الاختلاف، وإلى حد التناقض في كثير من الأحيان، بين فتاوى المفتين، واجتهادات المجتهدين، واستنباطات المستنبطين، وفقه الفقهاء، وتفسيرات المفسرين، وتأويلات المؤولين، وفكر المفكرين الإسلاميين، وأوجه الحمل لحمّالي القرآن (حمال الأوجه) على أوجهه المتعددة والمحتلفة، وبما أن بعض الرؤى وبعض صور الفهم وبعض الأحكام المستنبطة تلتقي مع من يعتمد مثلنا نحن العلمانيين مرجعية العقل، وتطور التجربة الإنسانية، ومبادئ الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والمساواة، والمواطنة، والحداثة، إذن دعونا يا إخواننا في الأوطان وإخواننا في الإنسانية، على الأقل فيما هي الدولة والسياسية والشأن الاجتماعي العام، نعتمد المرجعيات التي ذكرناها، وتبقى مرجعية النص الديني، والفتوى، والفقه، والتفسير القرآني، حصرا في الشأن الشخصي الخاص في حياة الإنسان المتدين، دون أن يعممها على المجتمع ويلزم المجتمع بها.

عندها يكون المتدين، سنيا كان، أو شيعيا، أو ما سوى ذلك، على تدينه، ويبقى المؤمن بالله اللاديني على إيمانه، وهكذا المؤمن المسيحي، والمؤمن بدينه، أيا كان دينه، والملحد غير المؤمن بالله لكن المؤمن بالقيم الإنسانية وحقوق الإنسان والعقلانية، على إلحاده وعقلانيته وإنسانيته، مع إن العقلانية والإنسانية هما اللذان ينبغي أن يمثلا القاعدة المشتركة التي يلتقي عليها الجميع. وإياك إياك أيها المتدين أن تكفّرني، أو أن تساءلني، وتستجوبني عن ديني وعقيدتي، إلا بمقدار ما أحب أنا أن أفصح عنه، على أن يملك كل منا الحق الكامل في الإفصاح عن عقيدته، ونقد العقائد الأخرى، ونقد التاريخ، فلا يكون هناك تاريخ مقدس لا ينتقد.

وهنا لي وقفة أريد أن أعترض فيها على قناعتي كإنسان يقدس الحرية، ويتمنى أن لا تكون هناك ممنوعات في نقد ونقض أي عقيدة دينية أو غير دينية، وفي نقد أي شخصية، حتى لو كان نبيا عند من يعتقد بنبوته، أو خليفة نبي، أو صِدّيقا، أو قـِدّيسا، أو إماما عادلا غير معصوم، أو إماما معصوما منصوبا من الله حسب من يعتقد بذلك، أو صحابيا، أو تابعيا، أو إمام مذهب من مذاهب المسلمين، أو إمام طريقة صوفية، أو وليا، أو مرجعا دينيا من المراجع العظام، أو كانت قِدّيسة، أو ابنة نبي معصومة، أو زوجة نبي وواحدة من أمهات المؤمنين. لكن هل يمكن هذا في مجتمعاتنا؟ أم إنه سيكون إعلانا لحرب طائفية ودينية، لها أول وليس لها آخر، تحرق الأخضر قبل اليابس؟ إذن دعونا إلى حين ما نكبر، وتكبر عقولنا، ويكتمل رشدنا، وتنبت لنا أسنان العقل، ولا يكون كل ما ذكر سببا للعداء والتكفير والاقتتال، كما هو الحال عند العقلاء، دعونا نلتزم بالتزامات ملزمة للجميع. هل نستطيع أن نقول: يا شيعة كفاكم تعرضا لعائشة وأبي بكر وعمر وأبي سفيان، وإذا تعرضتم لهم، فاقبلوا أن يُتعرَّض لفاطمة وعلي وأبي طالب والحسن والحسين. اتركوا قصة كسر الضلع وإسقاط الجنين، واتركوا ذكر رزية الخميس وذكر من قال عن نبيه إن الرجل ليهجر. لكن هل سيلتزمون بذلك؟ أو هل سيلتزمون كلهم أو أكثرهم به؟ وهل نستطيع أن نقول: يا سنة اتركوا تكفير من لا يقول بعدالة الخلفاء والصحابة وأمهات المسلمين، ويا وهابيين دعوا المسلمين يزورون قبر نبيهم والشيعة يزورون قبور أئمتهم وغيرهم يزورون من يشاءون، ولا تقولوا زيارة القبور شرك وبدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. هل نستطيع لقارئ القرآن أن نقول لا تقرأ الآيات التي تكفر المسيحيين كآية «لقد كفر الذين قالوا إن الله المسيح ابن مريم»، أو آية «لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة»؟ هل يمكننا أن نقول له اترك قراءة الآيات التي تصف اليهود بـ«القردة والخنازير» وتصف غير المسلمين بأنهم «كالأنعام بل هم أضل»، أو تصفهم، سواء كانوا مشركين أو من أهل الكتاب بأنهم «شر البرية»؟

حرت والله، هل أقول أطلقوا الحرية بلا حدود، كمبدأ أؤمن به، وفينا الملايين المهووسين بهوس التكفير، وملايين المجانين المصابين بجنون العنف والقتل؟ أم نقول ليراع كل منا مشاعر الآخر، وهذا من جهة تقييد للحرية، لا أستطيع أن أقره، والحرية حبيبتي ومقدستي، وهي حرية إنسانية مسؤولة، وليست حرية متوحشة عبثية، ثم حتى لو وضعنا حدودا، من سيلجم أفواه فقهاء التكفير وأصحاب فتاوى القتل؟

ثم هل يكفي أن يراعي السنة مشاعر الشيعة ومقدساتهم، إذا ما افترضنا أنهم أو أن أكثرهم راعوها، وأن يراعي الشيعة مشاعر السنة ومقدساتهم، إذا ما افترضنا أنهم أو أن أكثرهم راعوها؟ ونصوصنا المقدسة تشتم المسيحيين، ومن تسميهم بالمنافقين، أي أولئك الذين ولدوا من أبوين مسلمين، ثم شكوا في إسلامهم، أو ربما ارتدوا عنه، وهم لا يملكون شجاعة الإفصاح عن شكهم، أو عن عقيدتهم التي استجدت عندهم.

هل أقول دعونا ننسى، ونقبل بالأمر الواقع، فلا حل، ولا نهاية قريبة لكل ما نحن فيه، سوى أن نهدئ من الغلواء، ونخفف من الكوارث، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، ونقبل بواقعنا، ونبقى نعيش الأمل بأن عام 2113 سيكون مختلفا كثيرا عن عام 2013؟

لكن من سيضمن ألا يقتل المزيد في العراق، من الشيعة بشكل خاص، كما في الآونة الأخيرة، دون نفي القتل الطائفي للسنة، كما كان في 2006، كرد فعل، أو كفعل طائفي أحيانا، لكن أيضا من المسيحيين، كما حصل في مجزرة كنيسة سيدة النجاة، والصابئة، وغيرهم، وفي مصر، من شيعة مرة أخرى، أو من أقباط، وفي سوريا، من علويين وشيعة ومسيحيين، وفي أفغانستان، وفي پاكستان، وفي ليبيا؟ هنا يقتل الشيعة، وهناك المسيحيون، وهنالك يقتل الناس عشوائيا من غير معرفة بانتماءاتهم، سنة وشيعة وغيرهم.

هل سيسمع صوت العقل؟

هل سيسمع صوت الإنسانية؟

ضياء الشكرجي
dia.alshakarchi_(at)_yahoo.de


Read more: http://www.sotaliraq.com/mobile-item.php?id=137391#ixzz2XhlmvAIA

  كتب بتأريخ :  الأحد 30-06-2013     عدد القراء :  1633       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced