الحق على الضحايا !
بقلم : عدنان حسين
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

شفاهياً وفي الكتب المدرسية وكتب الأدب والتاريخ، والآن عبر وسائل الإعلام ومدونات العالم الافتراضي أيضاً، لم نزل، نحن العرب، بعد اثني عشر قرناً متتابعة، نتناقل متفاخرين جيلاً بعد جيل، قصة المرأة التي تعرضت للاعتداء في بلدةٍ رومية فاستنجدت بالخليفة العباسي المعتصم بالله: "وامعتصماه".

إحدى الروايات تقول ان الخليفة، عندما وصله خبر صاحبة الصيحة، كان يهم بالشرب من كأسه، فوضع الكأس جانباً وأمر بإعداد جيش كبير لنجدة السيدة المستغيثة خرج هو على رأسه، فكانت حرب عمورية التي دامت أكثر من ستة أشهر وانتهت بنصر مبين خلّده أبو تمام في بائيته الشهيرة:

السيف أصدق إنباءً من الكتبِ

في حدّه الحدّ بين الجدّ واللعبِ

في مبنى مجلس النواب (العراقي) أتت، قبل يومين، امرأة عراقية مفجوعة بفقدان ابنها في قاعدة سبايكر، بما ندر حدوثه على مدى التاريخ، متجاوزة صيحة تلك العربية المستنجدة بالخليفة العباسي.. كانت السيدة العراقية واحدة من نساء ورجال سُمح لهم بمقابلة رئيس مجلس النواب وعدد من ممثلي الكتل البرلمانية، بعدما نظم المئات من أهالي ضحايا سبايكر مظاهرة أمام بوابة مجلس النواب مطالبين بالكشف عن مصائر 1700 من الجنود والضباط الذين قيل ان تنظيم (داعش) نظم مجزرة جماعية رهيبة في حقهم.

السيدة العراقية سحبت غطاء رأسها ورمت به رئيس البرلمان وزملاءه وهم جلوس الى المنصة، وراحت تشدّ شعرها المكشوف.. كان ذلك تعبيراً صارخاً للغاية عن الاحتجاج وعن طلب النجدة.

في الأزمنة الغابرة والماضي غير البعيد ما كان لرجل يعتز بكرامته الشخصية، أمام مشهد قوّي كهذا، أن يجلس الى مائدة طعام أو شراب أو أن يباشر أعماله أو يعاشر زوجته قبل أن يجير المستجير به على هذا النحو، وبالذات إذا كانت امرأة.

الأم العراقية المكلومة ما كانت بالطبع تقصد رئيس مجلس النواب بذاته ولا الذين جلسوا الى يمينه والى يساره.. انها، كما سائر أهالي الضحايا، كانت تستصرخ الطبقة السياسية المتنفذة في الحكم كلها .. فماذا فعل هؤلاء؟

بدلاً من أن تهتز شواربهم ويجفو النوم أعينهم، فيتنادون لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية التي أكلها الفساد ومكّن (داعش) من هزيمتها على نحو لا يمكن تخيله، وبدلاً من أن ينصرفوا الى دراسة الخطط الكفيلة بتصعيد الحرب ضد (داعش)، عاد زعماء الكتل وممثلوها الذين استصرختهم تلك السيدة العراقية الى ساحة صراعاتهم الضارية على المناصب في الحكومة الجديدة ... هذا يتدافع مع الآخرين بالمناكب من أجل منصب نائب رئيس الجمهورية، وذاك يسابق زميله على منصب نائب رئيس الوزراء، وثالث يريد وزارة المالية ورابع وزارة الداخلية.. وفي خضم هذا الصراع تنعقد من تحت الطاولات الصفقات لبيع المناصب وشرائها بملايين الدولارات.

مجلس النواب كان قد عقد جلسة جعلوها سرية تحدث فيها مسؤولون عسكريون عما جرى في قاعدة سبايكر.. المعلومات المتسربة أفادت بان المسؤولين العسكريين انحوا باللائمة على الضحايا انفسهم وحملّوهم مسؤولية موتهم على أيدي (داعش) وحاضنيه .. لا أظن ان الذين كشفت السيدة العراقية لهم عن شعرها ورمتهم بغطاء رأسها سيجبرون خاطرها بشيء.. الأرجح انهم أيضاً سيقولون لها ولعائلات كل الضحايا ما قاله لهم المسؤولون العسكريون الذين لم يحاسبهم أحد عن تقصيرهم وهزيمتهم، ان الحق على أبنائهم .. ثم ينصرفون على عجل الى مناصبهم ومنافعهم!!!

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 27-08-2014     عدد القراء :  2121       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced