سميرة مزعل .. مناضلة نفخر بها
بقلم : علي محمد
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

في عراقنا الذي ما استقر يوماً ولا استطاع شعبه أن يختار حكومة وطنية حقّة تنهض به وتحقق الديمقراطية والتطور الاجتماعي والاقتصادي، تسلط عليه حكام استبداديون وأدوا الحريات وكبتوا تطلعات الوطنيين الديمقراطيين في بناء وطن حر مزدهر بسواعد أبنائه.

الحديث عن المناضلين العراقيين الذين تركوا أثراً طيباً في ذاكرة الشعب ليس أمراً يسيراً، لا لقلة عددهم أو ضعف منجزهم، بل لصعوبة الاختيار، فهم جميعاً يستحقون الكثير من الضوء على مسيرتهم المشرفة.

والحديث عن المناضلات العراقيات يضاعف المصاعب. وما اختياري بإلقاء حزمة صغيرة من الضوء على تاريخ أحداهن إلا معرفتي الشخصية لها وسهولة الوصول إلى التفصيلات منها أو عبر عدد من الأصدقاء.

من البدهي انخراط الرجال أو الشباب في الكفاح الوطني. ولكن تبعاً للوضع الاجتماعي في العراق، فدخول النساء والصبايا هذا المعترك الصعب المحفوف بالمخاطر الأمنية وعدم القبول الاجتماعي يعد بحد ذاته عملاً شجاعاً يستحق التقدير. وعدد كبير من المناضلات العراقيات دفعهم للانضمام للحركات والتنظيمات السياسية الشعور الوطني الذي ينعشه الحراك الجماهيري الثوري وأخريات جاء بتأثير مزدوج، تُشكل العائلة أو أحد أفرادها العامل المؤثر الآخر.

جرى في دم سميرة مزعل نسغ النضال الذي سقاه لها، منذ الصغر، أخاها الأكبر عبد الرحمن الذي كان من أبرز أصدقائه الشاعر الكبير مظفر النواب والمناضل الشهيد صاحب ملا خصاف (الذي رثاه مظفر باسم التحبب: "صويحب من يموت المنجل يداعي"). ولم يكن والدها بعيدا عن الحراك الوطني ضد الاستبداد والتبعية للاستعمار البريطاني.

ولأنها نشأت في أسرة كادحة مصدر دخلها ما يجود به صندوق الكاميرا الشمسية الذي يقف خلفه أباها مزعل فهد، وقربها من الحراك السياسي الوطني الذي يتأجج في مدينة العمارة وضواحيها، تعمق شعورها الوطني المبكر، فانتظمت في اتحاد الطلبة العام منذ إن كانت في المتوسطة.

وممارستها لمهنة التصوير جلبت إليها أعداد كبيرة من النساء اللواتي يستحي بعضهن الجلوس أمام مصور رجل. وصارت تتعرف على مشاكلهن ومعاناتهن المزدوجة من الواقعين الاقتصادي والاجتماعي، فنما لديها وعي الدفاع عن حقوقهن فانتسبت إلى رابطة المرأة العراقية منذ صباها. كانت رابطة المرأة العراقية في العمارة بقيادة المناضلة الكبيرة فاضلة جاسم عمارة، التي كان لها دور كبير في بلورة وعيها الديمقراطي والسياسي.

ليس المهم أن تكون أول مصورة في العراق، لأنها صارت كذلك بسبب الحاجة، فقد ضعف بصر أبيها فصارت تلازمه وتتعلم منه لتحل محله وهي في الثامنة من عمرها، مكرهة على مغادرة عالم الطفولة لتلج خضم نضال توفير العيش للعائلة الكبيرة.

تصلبت روحها النضالية من قلب المعاناة التي يقاسيها معها معظم أبناء الشعب العراقي. ومن قلب الكفاح الاجتماعي تنور فكرها لتجد طريقها منذ صباها إلى الحركة الثورية التي يقودها الحزب الشيوعي العراقي. وتفتحت موهبتها لتصور محنة الفقراء وبالأخص النساء، وبالتحديد نساء وأطفال الريف والأهوار فجسدتها بلوحات فوتوغرافية مؤثرة، صنعةً وفناً، لتحصد اعجاب الجمهور والمختصين والجوائز التقديرية مما أهلها لدخول عالم الاحتراف الصعب.

ما ذنب المثقفين والمتنورين والمناضلين من أجل حياة أفضل حتى يساموا العذاب في سجون الطغاة الارهابية؟ هل خطيئتهم أن قالوا نريد حياة حرة سعيدة بلا ظلم واستبداد وأن توزع خيرات الوطن على الجميع؟

كان نصيب سميرة مزعل من حقد الطغاة الكثير من العذاب في السجون والمعتقلات.. لم يكتفوا بأحكام السجن الملفقة الجائرة، بل مارسوا معها وباقي المناضلات أقسى صنوف التعذيب والترهيب لترقد المستشفى وهي في حال جسدي مثخن ولكن بروح معنوية نبيلة. فرقدت في ردهة الموقوفين في مستشفى الشعب – سجن النساء سنة 1963.

بعد سنتين أصدر حاكم المجلس العرفي العسكري الثاني ، شاكر مدحت السعود، قراره بحبسها خمس سنوات ونصف. المفارقة لم تحكم في زمن البعث، لأنها كانت رهن الاعتقال، بل بعد رحيلهم المخزي بسنتين، أي في 21-3-1965، لأن انقلاب عبد السلام لم يغير سوى بعض الوجوه البعثية البارزة وأبقى على هيكل السلطة القمعي.

كان عمرها لم يبلغ السابعة عشرة حين استهدفها البعثيون كما غيرها من الشباب الصغار طلبة الثانويات وحتى المتوسطات، ولم يكتفوا بالاعتقال، بل مارسوا أبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي بحقهم.

ولا زالت تتذكر بفخر كيف وصل خبر اعتقالها وعدد آخر من المناضلات إلى مجلس السلم العالمي الذي شجب الممارسات الفاشية للنظام البعثي وطالب بإطلاق سراحهن الفوري، وكان يضم شخصيات عالمية كبيرة من مثل؛ الفيلسوف البريطاني برتراند رسل وانديرا غاندي وشاعر العرب الأكبر الجواهري.

هي تعتبر ذلك الموقف الكبير وساماً وتقديراً مسح عنها ألم العذابات التي عانتها زمن الاعتقالات المتعددة.

وفي عودة البعث الثاني للحكم لم تسلم سميرة من ملاحقتهم لها فتم اعتقالها مرة أخرى في عام 1987 وجرى تعذيبها بقسوة شديدة. وحين أفرج عنها كان في معتقدهم أنهم حطموا روحها التواقة للحرية ومقارعة الظلم.

في مطلع آذار1991 اندلعت الانتفاضة الشعبية العارمة التي هزت عرش صدام وحكومته الاستبدادية التي جرّت على العراق صنوف الدمار بحروبها الاجرامية التي نفذتها بالنيابة عن دول أخرى لا تريد للعراق زمناً مستقراً يعمه الرخاء والتقدم الاجتماعي والاقتصادي.

لم يخطر في بال سميرة البقاء في المنزل وانتظار نتائج الأحداث، بل تحرك داخلها نبض الثورة والتحدي، فخرجت لتكون في صدارة التظاهرات وهي تحفز الشباب على الصمود والتصدي لقوات البعث.

لم ينكسر عودها بل ازداد صلابة. كان الحلم بسقوط حكم الطغاة يزيدها حماساً، لكن فسحة الأمل كانت تمزقها مصالح اللاعبين الكبار الذين يخشون التغيير نحو الأفضل، وقرروا: "عدو ضعيف ومعروف خير من عدو مجهول."

فشلت الانتفاضة لا بالتآمر الخارجي فحسب، بل بعدم وجود تنسيق وتوحيد أهداف ولا منهج للتغير بين قيادات الثوار في المحافظة الواحدة أو في عموم المحافظات المنتفضة.

وبدأت ملاحقة الثائرين بعد سيطرة الجيش على المدينة وتصفية عدد كبير منهم وزج الباقين في أقبية المعتقلات ليساموا العذاب الجهنمي. وكانت سميرة مزعل في مقدمة قائمة المطلوبين.

لم تستطع النجاة حين سافرت متخفية إلى بغداد، ولكن نفوس غادرة وشت بها فجرى اعتقالها في بيت أخيها عبد الرحمن، لتمر في موجة جديدة من العذاب على يد زمرة اجرامية تجردت مما هو انساني وخيّر.

ولم تيأس. وظل كبرياؤها يلاحق المجرمين بلا تردد. فوقفت في عام 2006 شامخة بوجه صدام حسين وجلاوزته وهي تكيل لهم الاتهامات الموثقة عن الجرائم التي اقترفوها بحق ابناء العمارة الأبطال والتي كانت شاهد عيان على بعضها، لأنها كانت في قلب الانتفاضة.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 30-09-2014     عدد القراء :  3516       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced