احتساء اللهب بكأس من جمر مقاطع من كتاب
بقلم : لطفية الدليمي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

1

تقولون لي اكتبيها قبل أن ...؟ قبل الموت أو بعد النجاة ؟ هل ترونا نجونا؟؟ لا.. ليس بيننا من ناجين أبدا .. فالذين لم يموتوا هم الضحايا الحقيقية للحروب والاقتتال المستديم ، الموتى هم الناجون بامتياز راحتهم الأبدية.

سأكتبها ، وهذا يعني استعادة تاريخ الألم وعيشه مضاعفا كل آونة، سأحاول رؤية العالم بعيني امرأةٍ وأمٍ عاشت ألف عام فاكتسبت مناعة ضد الصمت والموالاة والتواطؤ، سأحتسي اللهب بكأس من جمر وأحاول كتابة الحرب كمثلِ من يعاني موته ألف مرة ويعاد تكريسه قربانا لعذابات البلاد..

كيف سأحصي خسائرنا ؟؟كم حربا مرت على تضاريس أرواحنا وشعاب قلوبنا ؟ كم ابنا ابتلعته المتاهة ؟ كم عاشقا تناهبته الحرائق؟ وكم أمّاً افترستها ورضيعها المفخخات ؟؟ وكم أبا أذلوه تعذيبا في المعتقلات وتجويعا في مهانة الحصار ؟؟ كم ديكتاتورا وكم قاتلا مرّغوا أيامنا بالدم والرماد؟ كم من فتىً تبدد في حروبهم اللعينة ؟؟ وكم من أرواح سلبتها وحشية سادة الإبادة وتُركت في التيه الرملي بلا أمل ولا ملاذ ؟؟ كم من أحلامِ بناتٍ عاشقات تهاوت على إيقاع مارشات الموت الزائد عن حاجة الحياة؟

هل تعلق الأمهات أرواحهن قرابين فداءٍ على نصب الحرية ليتوقف سيل الدم في بلادنا ؟ ماذا علينا أن نفعل ؟ هل نصمت ونختم أفواهنا بشمعِ الإنكار ونتباهى بحياتنا والجموع تساق إلى الحتوف ؟ كيف سأدّون أوجاعاً تحجبني عن العقل وتطيح بالوعي في بئر الجنون ؟؟

بعض الذين لم يشهدوا الحروب الثلاث والانقلابات الغبية والجنون العقائدي ودوغما القطيع يحرضونني على استعادة أوجاعي بتدوينها ناسين أنها ماثلة في رجفة الدم وذكريات المعتقلات وجروح الفقدان وأن تدوينها يعني استحضار صور قياصرة القتل وطغاة الزمن وأرتال الموتى الطويلة ومأتم المكتبات والفتك بالجمال وبيع السبايا واغتصاب البنات ، وعليّ استعادة الكوارث دونما شهود يسندون مهمتي القاسية ، وهذا شبيه بنزوع مازوشي يقترفه المختلون إزاء انفسهم.

قلت لنفسي : دعك أيتها المحذوفة من نعيم الموتى ، لا تدوّني الحرب حتى تموت الحروب فلست في النهاية سوى امرأة تكتب ، امرأة سلبوا زمنها وبيتها وأمنها فأقامت في برزخ التيه ، ماذا بوسع امرأة لا تجيد سوى خرق الكراهية بنيازك الحب أن تفعل ؟؟ كيف لي أن أدون ملحمة إبادتنا في حروب القتلة وإرهاب الدول وتنازع المصالح ؟؟هاهي سلطة الموت لاتزال مقيمة على عرش البلاد الحزينة حيث يتبرعم الحزن في حدائقنا بدل الزهور وتولد الفاجعة في موسيقى موكب عرس وتفخخ المدن بالكراهية والخراب ، فالموت لم يقفل مزاداته بعد وصرخات الضحايا تتصادى في عظامنا ومع ذلك قد يكون ممكنا إقامة وليمة للدموع في كتاب عن الحرب..

كيف سأدون كوارثنا والطبيب البَطِر ينصحني :إن شئت النجاة من ترنحك وكوابيسك فعليك تعاطي أقراص المحو وأسأله :ماهي أقراص المحو ؟

-عقارٌ يوقف نشاط الذاكرة ويشلّها ، وأفزع من اقتراحهِ المروّع : وماذا يتبقى من المرء حين يخون الذاكرة؟

يضحك الطبيب : يتبقى له النسيان فيحيا سعيدا كطفل يلعب ويأكل ولايبالي بشيء .

لايعرف الطبيب الطائش أن عار الحرب تسلل الى خلايانا من الباب الخلفي للتاريخ وسمم حياتنا عندما فتحه الطاغية ثم دخل منه رجل الدين والمرابون وباعة الأرواح في غفلة من وعينا ،لايعلم أننا لم نغتسل بعد من عار ذلك التاريخ وننتظر طوفانا عظيما ليطهر ترابنا من بذور الخراب.

 يتبع

  كتب بتأريخ :  السبت 25-10-2014     عدد القراء :  2694       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced