المسيحيون العراقيون واشكالية الترهيب الموجَّه
بقلم : فاضل پـولا
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

لا نريد تناول تاريخية وجود المسيحيين على ارض وادي الرافدين بشكل اكاديمي كما لا نبتغـي الإستشهاد بالأدلة والقرائن لتثبيت عَراقتهم وعمق جذورهم ، ليس فقط على هذه القطعة الجغرافية التي اسميت بالدولة العراقية ، بعد تثبيت حدودها وفق معاهدة ساكس بيكو الإنجليزية الفرنسية ، وذلك في عملية تقسيم تركات الدولة العثمانية المهزومة في الحرب الكونية الأولى ، وإنما حتى في المناطق التي اصبحت من ضمن الخارطة التركية وفق نص معاهدة بروكسل سنة 1928 كـ ( منطقـــة حكاري ومنطقة طور عابدين ) اللتين كانتا من ضمن خارطة ( بيت نهرين ) وادي الرافدين .

لما دخلت القوات العربية الإسلامية العراق بقيادة سعد بن ابي وقاص بعد الحاقها الهزيمة بالفرس في معركة القادسية سنة 636 م ، لم تجـد في هذه البلاد سوى كثافة هولاء القــوم ، هــم المسيحيين العراقيـين الذين كانوا يعدون بالملايين ، وكان قد مر على دخولهم المسيحية اربعة قرون ونيف . وبعد انضوائهم تحت لواء الكنيسة وانغمارهم فــي عالم الروحانيات ، انقطع حبلهم السري باجدادهم العظام .. سكان وادي الرافدين القدامى وبناة حضارته العتيدة ، من السومريين والبابليين والآشوريين والكلدان  إذ جرفهم مــد الصراع اللاهوتــي الذي انقــاد اليــه رجالات الكهنوت على حساب التفريط بوحدة الكنيسة ، وتعريضها لإنقسامات تاريخية ، لتسفر النتيجة عن تقسيم الشعب المسيحي الى ولاءات مذهبية . وبفقدان هذا الشعب الرافدي وحدته ، دبَّ فيه الوهن ، وتحول الى رعايا كنائس تحت مسميات متباينة ، شوهت انتماءه التاريخي واصبحت هويته مذهبية صرفة يحددها انتماؤه الكنسي .

اطلق العرب اسم النصارى علــى المسيحيين بشكل عــام . وفــي عهــد الأموييـن والعباسييـن ، راجــت تسميـة رعايــا الكنيســة الشرقيــة القديمــة فــي العــراق بــ ( بالنساطرة . وفي منتصف القرن السادس عشر ، بعد انتقال العدد الأكبر من النساطرة اتباع الكنيسة الشرقية القديمة الى كنيسة روما الكاثوليكية ، تأسست لهم  كنيسة حاملة اسم الكلدانية . وبعد ثلاثة قرون تقريبا من ذلك التاريخ ، تكنَّت الكنيسة الشرقية القديمة بالآثورية .

وهكذا تجزأ هذا الشعب وتشوهت امامه ـ جيل بعد جيل ـ الصورة التاريخية الناطقة بهويته الرافدية واسمه القومي الذي يؤكد عراقته في وطنه . واصبح معظم تاريخه مشروع استشهاد على مختلف الحقب التي مرت في العراق ، منذ الحكم الفارسي الأخميني ومروراً بالعهد الساساني والعربي ومن ثم عهد المغول والسلاجقة وبالتحديد على يد تيمورلنك وكذلك على يد العثمانيين أبان الحرب العالمية الأولى .

وإذا كان ثمة مبرر لعمليات الإبادة التي تعرض لها هذا القوم ، هو مسيحيته فقط . لأن تاريخه بعد دخوله المسيحية ، لم يشهد له اية مقاومة لأي حاكم في تاريخ العراق ولا اية مؤامرة او اي عمل مخالف يشرّع انزال به ذلك العقاب .

وبعد تحرير العراق من الحكم العثماني البغيض على يد بريطانيا وفرنسا وقيام دولة العراق الدستورية ، لم يُكفَل للمسيحيين العراقيين حقوقهم بالتكافؤ مع بقية الشعب ، لا بل تم التعامل معهم كطائفة مهمشة ، وليست كقومية لها جذورها في تاريخ وادي الرافدين . وكان معظم الشعب العراقي ولا زال ينظر اليهم كموالين للغرب المسيحي  وهذا الغرب لا يشعر بوجودهم ولا يهمه امرهم ومصائبهم . والمسيحيون لم يحسبوا انفسهم يوماً الا عراقيين اصلاء مخلصين لوطنهم وشعبهم . يهتفون دائماً نحن اصلاء في هذا البلد . ؟ لربما ثمة من يأخذ عليهم هتافهم هذا بأنه مزايدة على بقية المكونات العراقية ، ولكن حقيقة هذا الهتاف ، تكمن في اثبات هويتهم القومية التي تأهلهم دخول الإصطفاف السياسي العراقي ، وخاصة بعد الشروع ببناء الديموقراطية وإن كانت منقوصة في العراق . هذه من ناحية ومن ناحية أخرى ، يتخذ المسيحيون من هذا الهتاف وسيلة دفاع عن انفسهم تجاه المذابح التي يتعرضون لها ، إذ يلفتون بذلك نظــر الذي لا يفهـم تاريخهم ، ويأخـذهـــم بجريـرة الغـرب . إنه هتاف اثارة همم اخوانهم المسلمين للوقوف الى جانبهم .. إنها صرخة النجدة من مواطنيهم الأخيار للوقوف بوجه المخدوعين الذين زُيِّنَ لهم بأن هؤلاء الناس هم اجانب على ارض اسلامية او عربية .

قراءة متأنية في صلب المشهد الإرهابي الجديد الذي يتواصل على شكل مسلسل ، بدايته في الكنيسة  ، وذيوله في ملاحقة الأبراء من المسيحيين في الشارع وفي بيوتهم وبوضع النهار . تضعنا على حقيقة  بأن هناك تجنيد ارهابي خاص في عملية صناعة الموت في العراق ، يُسخَّر لضرب المسيحيين وبحرفية . ونلاحظ بأن كل تحرك من هذا النوع  يأتي متزامن مع ارتباك العملية السياسية . وهذا الحراك الدامي ، لا يقتصر على عناصر القاعدة فحسب ، إذ لدينا في ذلك شواهد من قراءات سابقة في مشهد مشابه في مدينة الموصل قبل اربع سنوات خلت ، لما نفذ مسلحون هجومهم الكاسح وبشكل مفاجىء على المسيحيين ، يمعنوا بهم قتلاً ومطادرة ونسف البيوت بوضع النهار وامام الملأ لا بل امام الشرطة والجيش .

ولما قام وكيل رئيس اركان الجيش بزيارة المنطقة بعد انتهاء فصول المؤامرة ، صرح بأنه تم الكشف عن المخطط وهوية المنفذين له ، ووعد بالإعلان قريباً عن اسمائهم مع كل التفاصيل. والنتيجة كانت اسدال الستار على تلك الجرائم الى هذا اليوم . وسُجِّلَ الحادث بأسم القاعدة .

ورأينا نفس السيناريو في المشهد المأساوي في كنيسة ام النجاة ، حيث اعلن قائد عمليات بغداد  بأنه تم انقاذ معظم المحتجزين في الكنيسة ، وكان عدد الضحايا سبعة من القتلى وخمسة من الجرحى ، كما قدّر عدد الموجوين داخل الكنيسة بـ 25 شخصاً !!!.

والحقيقة الناصعة تفند هذا الفرية ، وتؤكد بأن عدد المصلين داخل الكنيسة كان بحدود 200 شخص وعدد القتلى بحدود الخمسين بينهم اطفال ونساء ورجال الدين ، والجرحى اكثر من 60 شخصاً .

واتت في تصريحات اولياء الضحايا ، بأن قبل وقوع الحادث ، تم ازاحة كل الحواجز التي كانت تحيط بالكنيسة لتسهيل الأمر للمجرمين لإختراقها.

إذن الريب يبقى يدور حول مواقف المسئولين المتناقضين بكلامهم وتبقى علامة الإستفهام تلاحق مواقفهم المريبة الواضحة في حيثيات الحدثين .

كان هذا المكون العراقي المسالم والأصيل ، اول من شمله الإضطهاد والتهجير بمختلف الوسائل ، وهذا ما حصل له في البصرة بعد اشهر من سقوط النظام السابق . حيث تفرقت صفوف اكثريته الذين تشتتوا ما بين بغداد ودساكر محافظة نينوى طلباً للأمان . وعلى الصعيد نفسه حصل على اخوانهم من ساكني منطقة الدورة في بغداد .

وأما عن الكارثة الأخيرة التي انزلها بهم تنظيم داعش الإرهابي ، رغم أنها لم تقتصر على المسيحيين فقط . لكنها كانت هولاًً في مسلسل من إعتداءات متعاقبة على الذين تواصلت معهم فصول الإرهاب ، ما استكانت باستهدافهم في الخطف والقتل والتهجير وبشكل يومي ، والأجهزة الأمنية آنئذٍ كانت ساهية عن كل ذلك ، إن لم يكن لإطراف منها ضلع فــي ما كان يحصل .

واليوم اصبحت محافظة نينوى ذات الكثافة الرئيسية للمسيحيين مفرغة منهم تماماً بعد أن كابدوا لعشرة اعوام عجاف من الإضطهاد والرعب والقلق . وترى منهم من هم صابرون يحتضنون بلواهم ، وآخرون يتشبثون بتلابيب الهجر بعد أن اضناهم فقدان كل ما يملكون . وترد نا عنهم اخبار مأساوية ، تعكس عمق محنتهم وهم لا يملكون من تحويشة العمر شروى نقير . وتزيد في محنتهم مواقف مواطنيهم من العرب المجاورين لهم الذين انتهزوا فرصة هزيمة  جيران العمر  المنكودين للسطو على بيوتهم المتروكة ونهب كل ما طالت اليه اليد .

وفي معرض التصدي لهذا الوضع المأساوي يصح القول ،أن هوية المواطنة لا تُصان الا بتطبيق ديموقراطية ترتكز بالدرجة الأولى على فصل الدين عن الدولة ، لترويض المجتمع على نبذ الشعور بالتفرقة  والتمسك بالألفة  والإيمان بأن المواطنين هم ابناء الدولة والوطن ، من مفهوم الدين لله والوطن للجميع . وبغير ذلك ، لا تستقيم الأمور  للمسيحيين مهما كيلَ لهم من وعود التي كانت دائماً بمثابة المسكنات .

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 26-11-2014     عدد القراء :  2292       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced