كان المنتظر من المسئولين والمعنيين في الشأن العراقي ، نبذ الشقاق والتباعد اللذين كانا عاملاً في ايصال العراق الى هذا المنزلق الخطير . وكان حرياً بهم في الوقت نفسه كذلك نبــذ الطائفية والعنصرية ، والتحسس بخطورة الكارثة التي المَّت بالوطن ، والتي تهدد امنه وسلامته. إنه وضع عصيب وخطير يدعو الى أهمية التكاتف ، اكثر من اي وقت مضى . ويقتضي ضرب الصفح عن كل ما جرى طيلة عقد من السنين ، وفتح صفحة جديدة يُستقى منها الأسلم والأصح في نبذ الخصام والاستعداد لدحر المعتدي ، وإنقاذ البلاد من براثنه . ومن ثم خلق الإستقرار في توحيد صف الشعب العراقي لتقرير وحدة المصير على ارض الوطنٍ .
ولكن النوازع التي تطفو على السطح ، غدت تستقطب ما كان يُروَّجُ له في بداية تشكيل الحكومة عام 2006 عن مشروع الفدراليات الثلاث في دولة واحدة ، لا بل شملت هذه الدعوة الى تقسيم العراق الى اقاليم مستقلة .
اليوم تتضارب الآراء في مناقشات عن كيفية التصدي لتحرير المحافظات العراقية من قبضة المحتلين الدواعش . منهم من يدعو الى الإعتماد على القوات العراقية المعبأة ، لخوض غمار هذه المعركة الوطنية التاريخية . ومنهم من يتحمس لتشكيل قوة حرس وطني في كل محافظة ، تكون مسئولة عن امنها . ومعنى ذلك ، تحميل كل محافظة مسؤولية تحرير نفسها عن طريق تعبة وتجييش ابنائها .
تجسَّدَ هذا المخطط هذه الأيام في وقائع مؤتمر اربيل المقصور على قيادات سنية عراقية والنواب العراقيين (ولا نعلم إن كان بضمنهم نواب شيعة ام لا ) وشارك كذلك ممثلو 6 محافظات ساخنة . والمقصود بها ( نينوى انبار تكريت كركوك اربيــل ديالى ) بحضور ممثل الأمم المتحدة لدى العراق واطلق على هذا التجمع ، اسم المؤتمــر العربي لمكافــحة الإرهاب والتطرف . مثل هذا المسعى لا يكتنفه اي غموض ، لأن المقصود منه واضح ، حيث يضعنا بالصورة الحقيقة لتوجه اقامة الفدراليات او تقسيم البلد ، وإلا كيف يصح شق عملية المجابهة العسكرية التي تخوضها القوات العراقية لأشهر عدة ، الى قوتين ، سنية تتولى مهمة تحرير المحافظات السنية ، وشيعية مسئوليتها فقط الدفاع عن المحافظات الشيعية .
هذا ما طالب به خلال المؤتمر نائب رئيس الحمهورية السيد اسامة النجيفي ، حيث اردف في كلمته بأن المآسي التي تعاني منها المحافظات السنية ، إن هي الاّ من صنع الإرهاب المتمثل بداعش والمليشيات الطائفية ، والمقصود الشيعية طبعاً.
وتطرق آخرون من المشاركين في وقائع المؤتمر الى ضرورة قيام دول التحالف في تحمل مسئولية تسليح الجيش السني المزمع تشكيله وتدريبه ، وتحمل كل المصاريف المترتبة على ذلك . وكأن هذه الدول هي من وراء التخريب الذي خلفته داعش في محافظاتهم ، وهم بذلك مطالبون بدفع الخسائر. واصوات اخرى ، نبهت الى استغلال فرص سانحة لطرح مسألة اقامة الفدراليات ، كخطوة لاحقة لحل العقد السياسية التي تقف عائق في استتاب الأمن العراقي .
وتعليقنا على مطالبة جعل من القوة العسكرية العراقية جيش سني وجيش شيعي في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر فيها الوطن . هناك ثلاث محافظات سنية محتلة من قبل داعش . نينوى وتكريت وانبار . يخوض الجيش العراقي في اثنتين منها بالإضافة الى محافظة ديالى ، حرباً ضارية تتجحفل معه قوة كبيرة من الحشد الشعبي وقوة اضافية من بعض عشائر المنطقة . هــل مطلوب مــن هــذا الجيش الإنسحاب الى معسكرات في ( القاطع الشيعي ) يحل الأحزمة وينكفي هناك ، بعد تسليم مواقعه الحربية الى جيش سني ، ليكون هو المتكفل بتحرير ارضه من داعش ..؟
إن في انقسام القوات المسلحــة فــي البــلاد الــى قوتين سنية وشيعية وكل منهما يتحمل همــوم منطقتــه ، يستدعي قراءة السلامَ على ذلك الوطن .!!!!!