مؤمن بلا مقدسات
بقلم : د. برهان شاوي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

كان يتأملها حينما كانت تتحدث. فكر مع نفسه بأنها امرأة محرومة..ووحيدة..ولا تخفي حاجتها لرجل..لكنها رومانسية.. وستتعبه..فالرومانسيات نساء متعِبات.. لذا عليه أن يتعرف على أعماقها..وعلى رؤيتها للأشياء، فقال:

- لا أعرف لمن قرأت رأياً ذات مرة..ربما لمرسيا إلياد.. يقول فيه بأن الإنسان يستطيع أن يخلق نفسه، لكنه لا يصل إلى خلق نفسه تماماً إلا بمقدار ما يتجرد من القداسة ويجرد العالم منها، فالمقدس هو العقبة بإمتياز أمام حريته، ولن يصير الإنسان هو نفسه إلا أن يثوب إلى رشده جذرياً، بل ولن يصير حراً حقاً إلاّ أن يقتل الإله الأخير ..أن يحطم المقدس..

- يحطم المقدس..؟ أتمنى ذلك..لكني لا أستطيع.. ليس لدي القدرة على مواجهة المقدس..ثم كيف يمكن للإنسان أن يعيش بلا مقدسات..؟ بدونها تختلط الأشياء..الخير والشر..لا أدري.. أحيانا.. في لحظات محددة أحس أني أعيش مثل مومياء..مثل جثة حية..وفي تلك اللحظات بالذات أحس برغبة في أن أمزق كفني ..أتحرر منه..وأعرف أني سأكون عارية بدون الكفن..وبرغم ذلك تجتاحني موجات التمرد فأحاول مع نفسي أن أتحرر من كفني..لكني قصيرة النفس.. لأني بعد لحظات التمرد الداخلي تلك أشعر بالخوف من تفكيري بالتمرد.. فتضعف مقاومتي.. بل وأبدأ بانتقاد نفسي على تلك اللحظات الجامحة..وأعتبرها نزوات..ولحظات ضعف.. ولا أعرف إن كان ذلك الكفن هو المقدس الذي تتحدث عنه أم لا..؟

كان يستمع إليها مثلما يستمع رجل الكنيسة إلى اعترافات إحدى رعاياه، فسألها بمودة:

- ماذا تعتقدين أنت..؟

لم تجب على سؤاله، وإنما قاطعته بسؤال مفاجئ:

- هل أنت ملحد..؟

فوجئ..لم يفهم قصدها من وراء السؤال، فأجاب وكأنه يقدم تبريراً:

- لا..

- لكنك ترفض المقدس..؟ لا تعترف بأي مقدس..

ابتسم لها وقال بنبرة توضيحية:

- الإلحاد ليس نفي المقدس فقط ..ولا هو نفي لشكل محدد وسائد للمقدس فحسب..، وإنما هو نفي مطلق لكل شيء..

- لم أفهم..؟

- أنا مؤمن.. لكن لا مقدسات عندي حتى أنفيها.. لذلك أنا لستُ ملحداً..ليس هناك مقدسات..ما ينفيه الملحد باعتبارها مقدسات أنظر إليها كتراث بشري..كمحاولات بشرية لفهم لغز الوجود.. أرى أن البشر هم الذين ينتجون المقدس.. وبالمناسبة..ليست المقدسات دينية بالضرورة..هناك مقدسات وثنية..طواطم..وهناك مقدسات علمانية مثل قادة الأحزاب الثورية، وقادة الثورات..وقادة الجيوش والأمبراطوريات..المقدس دائما متعالٍ على حياة الناس..ومهيمن عليها..وغير قابل للنقد..وهو الذي يضع الحدود أمام إرادة الإنسان الحرة..

نظرت إليه بتساؤل للحظات وكأنها مكتظة بكلام يزدحم في ذهنها..ثم قالت بنبرة فيها شيء من التوتر:

- ليست لدي مشكلة مع المقدس..أنا لدي مشكلة مع نفسي..

من حوارات روايتي الجديدة (متاهة الأرواح المنسية)

التي ستصدر قريبا

  كتب بتأريخ :  الجمعة 09-01-2015     عدد القراء :  1857       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced