نساء رينوار
بقلم : د. برهان شاوي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

افتر وجه إيفا نيني عن إبتسامة رقيقة، ابتسامة حزينة لكنها مضيئة، وقالت:

- أنا لست أنا..أنا روح منسية.مسكينة..أنا إيفا نيني، إيفا نيني الميتة منذ أكثر من قرن من الزمان..أما أنا، إيفا نيني، التي رسمني رينوار في العام 1874 فأنا حية ترزق..أنا فرنسية..من أب فرنسي وأم فرنسية..ولا أعرف أية لغة غيرها..لكن بعد أن صرت داخل اللوحة..، صرت أعرف كل لغات العالم..وأتحدث مع الناظر إليّ بلغته، مهما كانت تلك اللغة غريبة عليّ..أنا كتلة من الإحساس الجمالي أرتدي ثياباً..أنا وهَمٌ يمشي..أنا لا أشيخ ولا أعرف التحول..لحظة ولادتي الإبداعية هي لحظة خلودي..حياتي وموتي.. لكني لا أريد الرجوع إلى لوحتي..لا أريد أن يرجعوني إلى سانت بيتربورغ ليسجنوني في ذلك القصر الشاسع المهيب..أريد أن أبقى في باريس..البارحة كنت في مقهى دي فلوري..وقد التقيت بنفسي..أو لأكن أكثر دقة بشبيهاتي..لا.لا.لسن شبيهاتي..وإنما أنا نفسي في أوضاع أخرى..في لوحات أخرى..وكنت أنا التي في لوحة (اللوج) قد قابلتك في المتحف..وحاولت الحديث معك..نعم..كما رأيتك في المقهى..أنت لم تريني..كنت موجودةً..وعرفت من جميع تجسيداتي بأنهن يرجعن إلى المتحف..حيث اللوحات التي هي إطار حياتنا..

- لكن لِمَ أنت هنا..؟ لِمَ أنت في شقة مدام إيفا سميث..؟

صمتت إيفا نيني لحظة وسألت:

- من هي مدام إيفا سميث..؟

أجابتها حواء ذوالنورين بهدوء، وبشيء من الإلفة الممزوجة بالتوجس، وكأنها تعرفها:

- صاحبة الشقة..صديقتي ومضيفتي..

صمتت إيفا نيني لحظة ثم قالت وكأنها تستذكر شيئاً:

- أنا كنت أعيش في هذه المنطقة التي كانت في زماني تقع خارج باريس أو في أطرافها النائية..وقبل أن تُشيد هذه البناية الغريبة كان بيتي المتواضع هنا..هنا بالذات..بيت بسيط..

نظرت حواء ذوالنورين إليها وكانها تريد أن تتأكد من جديتها..ثم سألتها بنبرة هادئة:

- وكيف عرفت أنه كان هنا..وليس في مكان آخر..؟

نظرت إيفا نينـي إليها للحظات وكأنها تقرأ ما يدور في رأسها وقالت:

- أنا أعرف..لقد احتفظتُ بذاكرتي بكثير من التفاصيل..سواء عن زمني أم الأزمنة التي تعاقبت بعد موتي الجسدي..

أحست حواء ذوالنورين بقشعريرة باردة تسري في جسدها..وبخوف ارتجف قلبها على أثره..فسألت بنبرة خائفة ومترددة:

- هل أنت روح طيبة..وماذا تريدين منا..؟

انتبهت إيفا نيني فم السمكة إلى نبرة الخوف في سؤالها..وملامحها الخائفة والمترددة، فقالت لها مع ابتسامة مليئة بالطيبة:

- لا تخافي..لا أريد شيئاً..أنا روح طيبة..روح منسية ومسكينة..خرجت من إطار لوحتي لأتجول في مدينتي باريس..وجئت لأزور بيتي..ولقد أردت أن أمر على جميع الشقق، والغرف، التي تقع في هذه الجهة من المبنى..لكني فضلت أن أكون هنا في غرفتك..

- لماذا..؟

سألت حواء ذوالنورين خائفة..فابتسمت إليها إيفا نيني وقال بحزن:

- لأنك روح منسية مثلي..

ارتعبت حواء ذوالنورين..فتحت عينيها على وسعهما وقالت:

- لكني لست ميتة..!! أنا لست روحا..أنا جسد ينبض بالحياة..

نظرت إيفا نيني إليها نظرة دافئة وبتركيز ثم قالت بلامبالاة:

- بلى.. أنت روح منسية أيضاً..لا يهم أنك الآن مسجونة في قفص الجسد..لكنك روح منسية..

أحست حواء ذوالنورين بشيء من الطمأنينة تسري في جسدها..وسألت:

- هذا يعني أنني حية ولست ميتة مثلك..

ابتسمت إيفا نيني لها وسألت:

- أتعتقدين أنك حيـة..؟

- نعم ..أنا حية..

نظرت إيفا نيني إليها للحظات دون أن تعلق مباشرة على جوابها، ثم قالت بحزن وكأنها تحدث نفسها:

- إذا كنت تعتقدين بأنك حية فهذا شيء جيد..إذن..حاولي أن تمنحي كل دقيقة من هذه الحياة التي تدعينها معنىً..عيشي حياتك إذن..عيشيها بعمق..وبمتعة..والآن علي الذهاب..

من حوارات روايتي الجديدة(متاهة الأرواح المنسة)

التي ستصدر قريبا

اللوحة للفنان بيير أوغست رينوار

وهي بعنوان (امرأة مع وردة حمراء)

وهي المرأة نفسها التي تحضر في النص

  كتب بتأريخ :  الإثنين 12-01-2015     عدد القراء :  1827       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced