الـمــــرأة الـلــيــــل
بقلم : د. برهان شاوي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

فجأة ارتسمت علامات التعجب والذهول على وجه آدم بوناروتي..كان مشدوها..انتبهتا إليه، فسألته حواء الذهبي وكأنها أدركت ما جرى، وعلى وجهها إبتسامة غامضة:

- ماذا..؟ ماذا رأيت..؟

- أنتِ..

ارتبكت حواء الذهبي..التفتت إلى حواء الحلو وعلى وجهها ارتباكا وتساؤلاً،بينما سألته حواء الحلو مباشرة:

- ما بها..؟

- إنها الليل..

نظرت حواء الذهبي إليه وكأنها تعرف ما يقصد..لكنها ادعت عدم الفهم فسألت:

- الليل..؟ أنا الليل..؟ ماذا تقصد..؟

- أنت المرأة التي نحتها ميكائيل أنجلو بوناروتي كتمثال تجسدياً لتعاقب أوقات الزمن.. فقد نحت الليل كامرأة والنهار كرجل والفجر كامرأة والغروب كرجل..أنت الليل..

قهقهت حواء الذهبي محاولة أن تسفّه الأمر وتدير الحوار..فقالت له:

- أنت رومانسي..ويبدو لي من كثرة رؤيتك لهذه المنحوتات فأنك تراها في وجوه الآخرين..

- من..؟ أنا رومانسي..؟

- ولماذا تعتبر ذلك وكأنه شتيمة..أنا شخصيا كنت رومانسية حالمة كلما اتيحت لي فرصة لأكون كذلك..وكنت متسلطة كلما سنحت لي فرصه لأكون متسلطة..وكنت أنثى بكل غنج الأنثى..أنا كما ترى امرأة بسيطة أنهكتها مشاعر المحبة..

انتبهت حواء الحلو إلى أن التي تتحدث ليست هي صديقتها حواء الذهبي التي تحدثت لها قبل ساعات..فحتى لغتها اختلفت.. وانتبهت لآدم بوناروتي يسألها:

- ألم تتعبي من الأقنعة..عبر كل هذه الأزمنة..وهل أنت امرأة بسيطة حقاً..؟..ولماذا أنكتهك مشاعر المحبة..؟..لماذا تترفعين بمشاعرك؟ لماذا لا تعيشين هذه المشاعر؟

ظلت حواء الحلو تتنقل بين وجهيهما وكأنهما عاشقان التقيا بعد سنين من الفراق.كانت مأخوذة بجو الحوار.. وانتظرت بشوق إجابة صديقتها، التي بدأت بالحديث قائلة:

- لست مقنعة دائماً..أقنعتي محدودة، فبساطتي تجعلني عفوية أحياناً أكثر مما ينبغي..شعوري بالمحبة نحو المجهول عميق جداً..لا أتقن الإحساس بالكراهية تجاه من يؤذيني..سريعة النسيان..كثيرة السفر في عوالم اللامرئي..ضقت ذرعاً بتفاهة الواقع المرئي.. مللت الخيبات البشرية..أحاول أن أتخلص من الماضي الذي كنته دون جدوى..

انتبهت حواء الحلو إلى جواب صديقتها، وأيقنت أنها ليست نفسها التي تحدثت معها عن خيباتها وعن عدم ثقتها بالآخرين..لا..هذه تتحدث بلغة مختلفة..لكن لماذا..؟ ألأنها تريد أن تنال إعجاب الرجل..بينما كانت تحدثها هي لأنها امرأة مثلها..؟. سمعت آدم بوناروتي يقول وكأنه يحدث نفسه:

- إنك تفجرين الأسئلة في عقلي ونفسي..أحس حضورك وروحك يطويان خيبات كثيرة..لكن الخيبات ما هي إلا أحلام ميتة..أين تكمن خيباتك الكبرى؟

نظرت حواء الذهبي بحزن وقالت وكأنها تستعيد عصوراً من الأحلام والخيبات :

- وددتُ لو أن أحلامي ماتت فعلاً..لكنني رأيتها تتحطم..تتهشم جمجمتها..تنكسر وتتهاوى أمامي ركاماً من الحطام الجريح وأعتذر إذا ما تجنبت الحديث أكثر عن أحلامي وخيباتي..

ارتبك آدم بوناروتي وقال:

- أنا الذي علي الإعتذار..لمحاولتي إزاحة الصخرة عن مغارة الأحلام الميتة..

- أبداً..أنت تحاول اختراقها بأشعة روحك..لقد اقتربت كثيراً من عالمي..لا أعرف..لقد أربكني هذا التوغل الدقيق..فأنا امرأة تهشمت مراياها الصغيرة قبل الكبيرة..امرأة نسيت كل الأسرار الغامضة و تنازلت عن لغة الأنوثة وقواعدها..

أحس آدم بوناروتي بنبرة الأسى والشجن في صوتها، فقال لها برقة متناسيا وجود حواء الحلو معهما:

- أنت يا سينيورا حواء الذهبي امرأة استثنائية..أعرف حذرك وأتفهمه..فأنا الذي اقتحمت سكونك..لكنني أحسست بشيء غامض نحوك..فمذ رأيتك، أحسست أنني أعرفك..أنا أعرف ميلك للصمت..لذا أنت قليلة الكلام..،وإذا ما تكلمت لفترة طويلة فهذا يعني أنك تهربين من نفسك..فصمتك هو اللغة العظيمة التي تمنحك البهاء والغموض..وأنت نفسك تعرفين نفسك..وتعرفين حواء الذهبي الأخرى التي في أعماقك والتي هي أنت أيضاً..لكن الأخرى أكثر غموضاً منك..فتلك هي التي تتوهج في قلب الجوهرة الزرقاء..بل هي الشعلة الزرقاء السنية..تلك الشعلة التي تتوهج في قلب المغارة المظلمة.. عموماً..لنغلق على حواء الذهبي الأخرى التي في أعماقك قليلا..الآن على الأقل.. لكن لدي سؤال: ماذا تكتبين بالضبط..؟

مقطع من حوارات روايتي الجديدة (متاهة الأرواح المنسية)

التي ستصدر قريبا

  كتب بتأريخ :  الخميس 15-01-2015     عدد القراء :  2037       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced