بين سر الحياة ولـغــز الـمــوت
بقلم : د. برهان شاوي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

كانت حواء ذوالنورين تستمع إليه بهدوء غريب..فقد أحست بتعاطف خفي معه لكنها تقنعت بالصمت ولم تكشف عن أية إشارة تشي بتعاطفها..لم ينتظر هو منها تعليقاً إذ واصل كلامه وكأنه يتخلص من عبء ثقيل:

- بعض الناس يسأل: ما هي الحياة..؟ لكن كان يفترض على هذا البعض أن يسأل: ما هو الموت..؟ والعكس صحيح أيضاً ..فبعض الناس يسأل: ما هو لغز الموت..؟ في حين كان يفترض بهذا البعض أن يسأل: ما هو سر الحياة..؟

- وأنت من أي بعض..؟ سألته بشكل مفاجئ، وعلى غير توقع منها هي أيضاً.

- أنا..؟

التفت إليها مستغربا استجابتها للحوار ، منتبهاً لنبرة صوتها التي لا تشي بأية ضغينة بل بفضول ودود، فقال:

- أنا..أنا روح منسية بين سر الحياة ولغز الموت..أنا لست سوى كذبة..ظل يمشي حتى في الظلام..أتدرين ما هي مشكلتنا نحن البشر..؟

نظرت إليه مستفسرة دون أن تجيب..لكنه واصل دون أن ينتظر إجابتها:

- مشكلتنا نحن البشر هو أن كل واحد منا..مهما كان وضعه الاجتماعي..أو مهنته..أو جنسه..قوميته..دينه.. مذهبه..كل واحد منا على وجه الأرض يضفي على نفسه وشخصه أهمية استثنائية وخاصة جداً..يعتقد أنه مركز الأشياء والأساس الذي تعتمد عليه الحياة البشرية..وأن ما يقوم به مهم للمجتمع والتاريخ البشري، بل وسيسجل في ملفات الخلود.. حتى العاطل عن العمل يعتقد نفسه مركز الكون..كل منا عالم صغير بكل تناقضاته..عالم يرفض التنازل ولو قليلاً عن كبريائه الفارغة..أتدرين..أحيانا يسألونني عن منصبي ومهنتي، خاصة عند التعارف مع أشخاص ألتقيهم لأول مرة في مطاعم وبارات المطارات..وحين أجيبهم بأن مهنتي هي: التفكير..يبتسمون ويظنونني أبلهَ..وفي أحس الأحوال يحسبونني شاعراً رومانسياً..بينما أنا رعدٌ لا برق لي..أو برق بلا رعود..غيومي لا تنزل مطراً وإنما هي قطعان تظلل ما تحتها ثم تتلاشى سريعاً في الهواء..أنا لا شيء..لاشيء يبحث عن شيء ما..أنا..أنا..

اختنقت الكلمات في فمه..أحست بأن كلماته برغم عتمة الحزن فيها قد مست روحها..فقالت له مواسية:

- أنت تقسو على نفسك كثيرا يا أستاذ آدم..

نظر إليها نظرة غريبة..فجأة أمسك كفها..سحبت كفها من كفه..امتدت لحظات صمت بينهما..التفت إليها سائلاً:

- لكنك لم تجيبيني..لماذا تريدين مغادرة فرنسا ..؟

أحست أن عليها أن تجيبه لكنها لم تجد جواباً مناسباً وحقيقياً فقالت بحزن وسرحان:

- لا أعرف.. أريد ببساطة أن أختفي..أتلاشى..

- وإلى أين تريدين التوجه..؟ أين تريدين التلاشي..؟

- لا أعرف..أي بلد آمن..

من حوارات روايتي الجديدة" متاهة الأرواح المنسية"

التي صدرت مؤخرا عن منشورات ضفاف في بيروت

ومنشورات الإختلاف في الجزائر

  كتب بتأريخ :  الإثنين 23-02-2015     عدد القراء :  1650       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced