فلسفة الصدر
بقلم : عصام الطائي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

لقد ذكر الدكتور محمد عبد اللاوي استاذ الفلسفة في الجزائر في كتابه فلسفة الصدر جملة من المباحث نحاول ان نطرح بعض منها تطرق الدكتور ان الفكر الإسلامي لا يزال لم يتحرر كليا من الطرح الجزئي للقضايا بخلاف السيد الصدر الذي اعتمد على الطرح الكلي ولقد فتح السيد الصدر افقأ جديدا للبحث خارج الرؤية الغربية وهذا عكس المحدثين اليوم الذين استخدموا مفاهيم الفلسفة الغربية لنقد التراث والتاريخ الإسلامي كما يتجلى ذلك عند كل من تبزيني والجابري وفؤاد زكريا وعبد الرحمن بدوي وقال الدكتور لقد أعاد السيد الصدر الفكر الإسلامي صياغة فلسفية في أفق نقدي اقوى من فلسفة كل من الغزالي وابن رشد .

وان الفكر الإسلامي ما زال كثير من ممثليه يتخذ موقفا تبريريا وانفعاليا اتجاه الفلسفة الغربية والسيد الصدر استطاع ان يطرح لمشكلة العلاقة بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي طرحا علميا وفلسفيا بعيدا عن العاطفة العفوية والانفعال والتبعية والتقليد فالصدر قد حلل فلسفة كل من كانت و كونت وهيجل وماركس وغيرهم تحليلا نقديا في الشكل والمضمون فهو لم يكتف بنقد محتوى مذاهب هؤلاء الفلاسفة على غرار ما فعل الغزالي من موقفه من الفلسفة اليونانية حيث انتقد المضمون ولكنه تبنى منهج هذه الفلسفة المتمثل بالمنطق الأرسطي فنقد السيد الصدر للفلسفة الغربية هو نقد جذري شمل المضمون لهذه الفلسفة كما شمل منهجها الذي ارتكزت عليه فالصدر قرأ الفلسفة الغربية قراءة إسلامية فهو قد حلل فلسفة كل من هيجل وكانت وماركس من خلال معايير ومفاهيم الثقافة الإسلامية.

وان كانت يجعل العقل حبيس المعطيات الحسية ان كانت لم يتجاوز التناقض الذي طرحه فلسفته حيث يرى ان العقل لم يستطيع ان الغوص في المجال الميتافيزيقي فمبادئ العقل تتعدد وظيفة المعرفة بحدود الظواهر المحسوسة ويرى في نفس الوقت بان الإنسان يستطيع إن يصل إلى الميتافيزيقيا عن طريق الأخلاق وقال ان موقف السيد الصدر فلا تناقض فيه فنسبية العقل عند الصدر ليست نسبية تحديد وعجز بل هي نسبية الانفتاح على الحركة وعلى التجاوز تجاوز العجز لذلك فهي تؤهل العقل للقيام بنشاطه المعرفي في المجال الميتافيزيقي .

ان أكثر المسلمين تهربوا من طرح المشكلة الفلسفية لعلاقة العقل بما يفوقه فذهبوا إلى مفهوم الغيب لجوءا تبريريا بدلا من التحليل الفلسفي لعلاقة العقل بالغيب بينما السيد الصدر نقد العقل ونقد نظرية المعرفة كما تجلى في مذاهب الفلسفة الغربية والسيد الصدر قد طرح المشكلة في أفق نظريه تركيبية من علم الكلام والفلسفة والتصوف .

ان السيد الصدر أعطى العلاقة بين العقل والدين صورة جديدة فهو على العكس من أكثر المفكرين فان الصدر ينظر إلى العقل لا كمجرد كلمة بل مفهوم أي ينظر الى العقل داخل إشكالية العقل النقدي فمسار فلسفة الصدر انطلاقا من موقف نقدي تجاه الفكر القديم والمعاصر ويتجلى هذا الموقف من خلال ما يلي: 1 ـ محاولة الصدر إعادة صياغة الفكر الإسلامي ورفعه إلى مستوى التحديات . 2 ـ إعادة صياغة الفكر الإسلامي صياغة جديدة . 3 ـ تأثر السيد الصدر في تنظيره للرؤية الاجتماعية السياسية والاقتصادية بالفقه لا بالفلسفة والسيد الصدر تجاوز القطعية بين الفقه والفلسفة كما تجلى ذلك في الفكر الإسلامي قديما وحديثا ان الفلاسفة المسلمون قديما وضعوا كذلك نهاية الفلسفة الإسلامية بلجوئهم إلى التوفيق بين الإسلام والفلسفة اليونانية أي التوفيق بين القران المطلق والفلسفة اليونانية النسبية فقد وضعوا حدا لصيروة الفكر ولصيرورة الامة كما فعل هيجل عندما قطع العقل الكوني وكما في الله في نظر هيجل ارجعه إلى التاريخ في حين نلاحظ العكس في فلسفة الصدر فقد اخضع الإنسان إلى المثل الأعلى واخضع التاريخ إلى الله واخضع نتيجة ذلك الفلسفة إلى القران الكريم .

ان الفلسفة الإسلامية قد انتهت إلى نهاية لان مقولات الفلسفة لا قدره لها على استيعاب المبادئ والمفاهيم الإسلامية فالقران قد أتى بنظره جديدة إلى الإلوهية والكون والإنسان وتغيير العالم تختلف عن الفلسفة اليونانية لذلك اصطدمت الفلسفة الإسلامية في تنظيرها للنبوة بصعوبات كما يتجلى ذلك في فلسفة الفارابي فعلى الرغم في محاولة الأخير تبرير النبوة معرفيا فهو قد ابتعد عن حقيقة النبوة لأنه لم يستوعب مبدأ نسبية الفلسفة اليونانية ومبدأ اطلاقية مصدر النبوة لذلك بقيت فلسفته في هذا المجال بعيدا عن النبوة التي لا يمكن ان يتم تنظيرها عن طريق مقولات الفلسفة اليونانية التي تختزل الإلوهية في المفهوم .

وأعطى السيد الصدر في هذا المجال حيث قدم الفكر الإسلامي الإطار العام للعلاقة بين الفلسفة والدين وضمن هذا الإطار صاغ نظرية المعرفة في مجال النبوة ولم يرفض السيد الصدر الفكر الغربي رفضا جذريا ولم يحاول إن يوفق بين الإسلام والفلسفة الغربية بل انه أعاد صياغة كثير من مفاهيم الفلسفة الغربية ويتجلى ذلك في نقده لكل من النزعة الاجتماعية والنزعة التاريخية فالسيد الصدر يرى ان العوامل الاجتماعية والتاريخية لظهور النبوة هي شروط موضوعية ولكنها ليست كافية فالبعد الاجتماعي والتاريخي عنصر ضروري في نظرية المعرفة لتفسير النبوة ولكن العوامل التاريخية والاجتماعية في الحجاز والعالم كانت تتطلب ظهور الإسلام لكنه لا يمكن ان ينتفي المصدر الحقيقي للرسالة على غرار ما غفلت عنه نظرية المعرفة المتضمنة في النزعة الاجتماعية والتاريخية فالتفسير العلمي للنبوة للصدر لا ينفي الغيب .

وقال الدكتور اللاوي لقد وصلت الفلسفة الإسلامية إلى منتهاها عند ابن رشد في خضوعها للفلسفة اليونانية وفي إخضاع الإسلام لمتطلبات مفاهيم الفلسفة اليونانية إلى درجه إن ابن رشد نفى البعث ونفى خلق العالم ففي طريق فلسفة ابن رشد وصل التناقض إلى اعلى درجة بين الفلسفة والغيب في حين إن الفلسفة التي صاغها السيد الصدر قد كسرت هذه الثنائية العقل والغيب فالصدر اعتمد المنهج التجريبي للاستدلال على وجود الله وللاستدلال على حقيقة النبوة واذا كانت فلسفة ابن رشد قد أحدثت قطعية بين الفلسفة والحياة بين العقل والغيب إلى درجة إن ابن رشد جعل الفلسفة للخاصة والشريعة للعامة فان فلسفة الصدر قد تجاوزت هذه الثنائية عندما ربطت الفلسفة بالحياة فالصدر صاغ فلسفة اجتماعية وسياسية لتغيير الواقع ولإعادة بناء الحضارة الإسلامية وجعل معنى الوجود أساسا لعملية التغيير كما انه أعاده تبعا لذلك صياغة مفهوم الخاصة ومفهوم العامة حيث جعل الجماهير عاملا رئيسيا وحاسما في عملية التغيير فالصدر فتح أفاقا جديدة للفكر الإسلامي وهكذا فالصدر تجاوز كل من الفلسفة الإسلامية والتصوف لا في المجال المعرفي فحسب بل إلى المجال العملي أي مجال الفلسفة بالحياة وعلاقة الفيلسوف و المتصوف بواقع الامة لقد كانت علاقة الفلاسفة والمتصوفة بالامة باهتمامات الامة مفككة فالفلاسفة المسلمون رغم عمق فلسفاتهم لم يقفوا مواقف نقدية من الأوضاع الاجتماعية والسياسية فموقفهم تجاه السلطان المستبد في العالم الإسلامي كان موقفا مهادنا فهم قد تجاهلوا هموم الجماهير بما في ذلك أبو حامد الغزالي الذي مثل هو الأخر خط الضعف لصالح مفهوم السلطان المطاع كما انه لم يتخذ موقف من الحروب الصليبية ونفس الأمر بالنسبة إلى المتصوفة لقد كان تشوقهم إلى الله محصورا في الدائرة الذاتية ولم يعبر عن نفسه في المجال الاجتماعي والسياسي وليس الأمر كذلك بالنسبة للصدر فقد كان فلسفته ملتزمة بأهتمامات الشعوب الإسلامية وبأهتمامات الإنسانية على العموم إن فلسفة الصدر لا تكتفي بوصف الواقع وتحليله كما انه لا يتخذ موقفا على غرار فلسفات المدن الفاضلة .

ويقول الدكتور ان الفرق بين الفكر الإسلامي والفكر المحدث ذلك ان الأخير قد طرح إشكالية التقديم والتجديد كمصطلحات يتم تحليها على المنهج الوضعي لجأ إليه المحدثون كمنهج بديل عن الفكر الإسلامي بكل مكوناته في حين إن السيد الصدر يطرح القضايا الاجتماعية والسياسية من موقع الاستجابة لمستجدات العصر وتحديات الحضارة الغربية ومنهج التعامل مع النص العامل الأساسي والمصير للفكر الاجتماعي والسياسي الإسلامي فالقران الكريم لا يقف عند حد الدعوة إلى مجتمع تسوده العدالة والقيم ولكنه قدم الإطار الذي يتم تحول المجتمع فالقران الكريم منذ بداية نزوله في المرحلة المكية تفاعل مع الواقع والحياة في كل جوانبها وعمل على تغيير الواقع في ضوء متطلبات القيم والمفاهيم الربانية

  كتب بتأريخ :  السبت 28-03-2015     عدد القراء :  3918       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced