مدلول الكفر بين التوسعة والتضييق
بقلم : عصام الطائي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

تقترن كلمة الكفر بكثير من الألفاظ اللغوية منها الحجب والكتمان والمواراة والإخفاء وهناك معنى لغوي وهو التغطية والستر ولكن المراد في المعنى الفقهي هو المعنى الاصطلاحي الشرعي وليس المعنى اللغوي.

الإشكالية في تحديد مدلول الكفر

الإشكالية في تحديد الكافر شرعا لذلك قد تتوسع دائرة الكفر لتشمل الكثير وقد تضيق لتشمل أفراد معينة مخصوصة وهذه الإشكالية كون المسألة لها جانب عقائدي يترتب عليه أمور فقهية لذلك أي تحديد لمفهوم الكفر سوف يترتب أثار فقهية معينة ومن الخطأ ان نقرأ أية أو حديثا معينا يصرح بالكفر ونقول اذن هو الحكم النهائي ومسألة الكفر تارة تبحث في تحديد كلمة الكفر من ناحية الحكم التكليفي وتارة في ترتب الأثر الوضعي وهو النجاسة أو عدم النجاسة والنجاسة قسمين ذاتية ويترتب علها حكم شرعي بالنجاسة وهناك نجاسة حكمية وان لم يكن الشيء نجسا ذاتا والمثال على ذلك الإنسان فهو طاهر غير نجس بخلاف الكلب والخنزير ولكن المشكلة تكمن في الاعتقاد فتكون نجاسته حكمية وان لم يكن نجسا عينا هذا على مسلك البعض قال السيد محمد باقر الصدر(والشيء المعروف لدى الفقهاء من امن بوحدانية الله ورسالة محمد ص فهو مسلم طاهر من اي فرقة أو طائفة أو اي مذهب من المذاهب الإسلامية وكل إنسان أعلن الشهادتين لله الشهادة لله بالتوحيد وللنبي محمد بالرسالة فهو مسلم عمليا وطاهر حتى لو علم بأنه غير منطو في قلبه على الإيمان بمدلول الشهادتين ما دام من نفسه قد أعلن الشهادتين ولم يلعن بعد ذلك تكذيبه بهما أو اعتقادات دينية تتعارض معا بصورة صريحة لا تقبل التأويل وكل من ولد من أبوين مسلمين فهو مسلم عمليا وطاهر ما لم يعلن تكذيبه للشهادتين أو اعتقاده بعقائد أخرى تتعارض معها .

وهناك وجهة نظر أخرى في تحديد الكفر

تحديد مدلول الكفر

هناك روايات قد حكم بكفر من يشك وفي بعضها بأنه لا يكفر الا بالجحود وروايات تجمع بين الجحود والشك والكفر تارة يكون بعدم إظهاره للخارج بل يكون مخفي لدى المرء فهنا يكون حسابه وعقابه يوم القيامة من قبل الواحد الأوحد وتارة يظهر كفره بالخارج فهنا تترتب أثار تكليفية ووضعية بحق الكافر فيمكن تحقق عنوان الكفر من خلال انطباق موارد معينة ولكن عنوان التكفير لا يتحقق الا من قبل الحاكم الشرعي حيث يرتب عليه أثار معينة بحقه وهناك الكفر الاعتقادي من خلال الإنكار أو الجحود والتكذيب أو إنكار ضرورة والضرورة من يعتبرها سبب مستقل ومنهم لا يعتبرها سبب مستقل الا اذا استلزم إنكار الرسالة .

والكفر الاعتقادي أكثر مصاديق الكفر وهناك الكفر الفعلي من خلال التصرف بأفعال ويعبر البعض عنه كفر المعصية تدل على كفره كتمزيقه للمصحف الشريف أو ما شابهها من الأفعال المنكرة من قبل المتشرعة و يمكن ان يتحقق من قبل الحاكم الشرعي بتكفيره مع الإنكار والشك وهناك الكفر القولي وهو كذلك يسميه البعض كفر المعصية فاذا كان الكفر مع عدم الجحود والإنكار والتكذيب فلا يترتب أثار الكفر بل يعاقبه الحاكم الشرعي باعتباره عاصيا اما مع الإنكار أو الشك يعتبر كافرا وباختصار الكفر تارة يكون كفر عقدي كما في جحود الله تعالى والنبوة والمعاد وهناك الكفر العملي الذي هو عبارة عن التمرد او العصيان عن التشريع ويسمى كفر الطاعة أو كفر المعصية ولا يترتب عليه الخروج عن الدين وهناك من لم يفرق بين الكفر العقدي وكفر الطاعة كما في قوله تعالى (ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون ) أو قوله تعالى (ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون فان هذا يسمى كفر طاعة والبعض يسميه كفر معصية وليس كفر جحود فلا يستلزم الخروج عن الدين.

والمشرك في غالب الأحيان يعتقد بوجود الله لا بتوحيده ولكن يحاول ان يمتلك ما لا يجوز له امتلاكه وهي مسألة الحاكمية له و المشرك يريد ان يتصرف باستقلالية تامة عن الله بينما الموحد يعتقد بان الحاكمية لله فقط ولا يجوز ان يتصرف أي تصرف خصوصا بالمسائل التي تتعلق بالأنفس والاعراض والأموال الا بإجازة من الله فنقطة الصراع بين التوحيد والشرك هو ان الموحد يعتقد بأنها لله والمشرك يعتقد ان الحاكمية لنفسه و لغيره والظاهر شمول المشرك بهذه المرتبة بالكفر اذ اعتقد بان الحاكمية له و لغيره من دون الله وهناك الشرك بالله لا يلتقي مع الإسلام مثل شرك الربوبية وشرك الإلوهية وهناك شرك الطاعة لا يستلزم الخروج عن الدين كما سنوضحه لحقا.

نقطة الصراع بين التوحيد والشرك هي اعم من كون المشرك يعبد صنم والمشكلة لدى البعض قد وسع من مفهوم الغلو والبدعة والشرك وكثير من المفاهيم ورتب عليها أحكام تكفيرية ولكن لو دققنا في حقيقتهم نلاحظ أنهم وقعوا في سوء فهم فان مفهوم العبادة هو نوع من الخضوع الخاص وليس كل خضوع بل يترافق مع قصد قلبي عند العابد ولا نظر الى العلماء الى العمل الخارجي فليس مطلق الطاعة عباده مثل طاعة الوالدين والحاكم العادل وليس مطلق الخضوع عباده فان الخضوع عن الاعتقاد بإلوهية المخضوع له يسمى شرك اذا كان المخضوع له غير الله تعالى ولو كان الخضوع النابع عن اعتقاد بربوبية المخضوع له يسمى شرك اذا كان المخضوع له غير الله تعالى أو كان الخضوع النابع عن اعتقاد بتفويض الأمور الى المخضوع له يسمى شرك اذا كان المخضوع له غير الله تعالى وفي غير ذلك كل خضوع في تحقق غير هذه الأمور الثلاثة لا يسمى شرك.

والمسألة التي تحتاج الى توضيح وهو علاقة الكفر بفساد العقيدة فان كل عقيدة لا تخلو من الفساد وقد تزداد أو تقل حسب نوع الاعتقاد فكل عقيدة قد توجد بها نسبة من الفساد فلا ملازمة بين الفساد والكفر فان تحقق الفساد في أمور معينة لا يعني بالضرورة كون تلك الفئة كافرة فالفساد غير الكفر.

والمسألة الأخرى علاقة الكفر بالظلم فان هناك من الظلم ما يشترك مع الكفر أو يتجرد عن الكفر وان ظلمه لا يستلزم كفره بل ان فعله الشنيع قد يستحق عقاب أكثر من الكفر وهناك من أصحاب العقائد من يعتقد بوجود الله ولكن عقيدته بها نسبة من الفساد كالمجسمة والنواصب والمجبرة والخوارج أو الغلاة او بعض الصوفية فهؤلاء توجد نسب مختلفة في فساد عقيدتهم فهل يستلزم فساد العقيدة الكفر؟ ان المهم بالموحد هو ان ينفي كثرة المدبرين وكثرة المعبودين وهو أساس شعار لا الله الا الله ويضاف اليها عدم نكران النبوة والمعاد واختلف في نكران ضرورة من ضروريات الدين كما قلنا هل يستلزم الكفر أم لا؟ فاختلف بها فاذا استلزم نكران الرسالة فيتحقق الكفر اما اذا لم يستلزم النكران فلا يتحقق الكفر.

أما المراد من الكفر فالكفر ما كان منكرا للإلوهية والنبوة والمعاد أو منكر ضرورة من ضروريات الرسالة وان للكفر والإيمان مراتب وقد أطلقت بعض الروايات الكفر على بعض أنواع المعاصي ولكن ليس بها دلالة الكفر الذي يقابل إنكار الإلوهية بل بها دلالات على مبغوضية الفعل والمثال على ذلك قال رسول الله (ياعلي شارب الخمر لم تقبل صلاته أربعين يوما فان مات في الأربعين مات كافرا ) وكذلك بالنسبة الى الرشا قال ع( واما الرشا في الأحكام فهو الكفر بالله العظيم ) اما بالنسبة الى الغلاة والخوارج والنواصب والمجسمة وغيرهم كل ما انطبق عليه نكران الإلوهية او النبوة أو المعاد ينطبق عليه عنوان الكفر اما اذا لم ينكر هذه الأمور فقد تنطبق عليه عناوين أخرى كالفسق والضلال والظلم والطغيان والزيغ والفساد والانحراف ولبس الحق بالباطل وقد يتحمل صاحبها العذاب في الآخرة اشد من الكفر اما المنافق فيمسى وفق المدلول الشرعي ينطبق عليه كفر النفاق .

اما أصحاب العقائد الفاسدة لا نستطيع ان نسميهم كفارا الا مع النكران وكانت روايات أهل البيت تصف الخوارج بالكفر وقد لا يكون المقصود منه الكفر بالمعنى المصطلح بل معناه المبغوضية الكبيرة لأفعالهم التي نزلت منزلة الكفر وقد يكون كفرهم يستلزم المعصية من خلال محاربة الإمام علي مع إيمانهم بالله العظيم ولكن مع عدم المحاربة كما هو حال الخوارج اليوم لا يترتب عنوان المعصية وهناك ما يسمى بالشرك الخفي مثل طاعة الشيطان أو طاعة هوى النفس أو طاعة الجن أو الشرك بطاعة الرجال المنحرفين أو النظر الى الأسباب في الكون وجعلها مؤثرات فاعلة ومستقلة عن إرادة الله أو الرياء مع هذا لا ينطبق عنوان الكفر على هؤلاء الا مع نكران الرسالة .

اما تارك الصلاة ومنكر الصلاة تارة ينطبق عنوان الفسق على تارك الصلاة اما منكر الصلاة اذا كان إنكاره يستلزم نكران الرسالة فيتحقق عنوان الكفر وان كان لشبه تكون المسألة بشكل أخر والكفر قابل للزيادة والنقصان فكل من أنكر ما يجب تصديقه فله حظ من كفر الجحود الى ان يصل الجحود المطلق وكل من ارتكب ذنبا أو ترك واجبا فله حظ من كفر الاستخفاف الى ان يصل الى الكفر المطلق ولكن لا نستطيع ان نسميهم كفارا كما هو المصطلح عليه بالكافر والذي يترتب عليه أحكام الكفر بالدرجة الأولى هو كفر الجحود والشرك والتكذيب وإنكار النبوة والمعاد والضروري مع التفصيل ,

والمسلم غير الامامي الذي لا يعتقد بالإمامة يبقى مسلما لكن لو ثبت له حقيقتها وأنكرها تحقق الكفر فينطبق عليه عنوان كفر المعصية ولو أنكر النبوة مثلا يعتبر كافرا كفر جحود وينطبق عليه عنوان الجحود والتكذيب والشيعي الامامي اذا أنكر الإمامة تحقق له كفرالمعصية واما بالنسبة الى النواصب والمجسمة والمشبهة وبعض المتصوفة والفلاسفة وحتى بعض المتكلمين والخوارج والزبدية والإسماعيلية والإخبارية والغلاة وأبناء الجماعة والدروز وغيرهم وحتى الامامية قد يقال لهم نسب متفاوتة في الاشتباهات ببعض الاعتقادات فقد لا تستلزم الكفر وقد تستلزم الكفر بعض الأحيان كما في بعض الغلاة والمثال على الاعتقاد لدى الامامية مثل الرجعة لا يستلزم الاعتقاد بها كفر الشخص بل قد يكون اعتقاد خلاف الواقع أو الإسماعيلية لهم اعتقادات بالعقول العشرة التي يعتقد بها الفلاسفة وبعض الأفكار الباطنية والزبدية لا يؤمنوا بالإمام الا ان يكون شاهرا سبقه أو النواصب لهم الكره لأهل البيت وبه ظلم عظيم لكن لا يستلزم الكفر وأبناء الجماعة بعض الاعتقادات الفاسدة وهي الاعتقاد بعدالة مطلق الصحابة ومطلق شرعية الشيخين وشرعية الأمر الواقع بدل الاعتماد على شرعية النص في الخلافة والدروز يعتقدوا بعض الأفكار المقتبسة من بعض الأفكار الباطنية وغيرها والشيء الغريب ترى التهافت في تحديد الكفر جعل البعض يطلق على ابن عربي عنوان الكفر ومنهم من قال به موحدا ومنهم من توقف ومنهم من قال كان موحدا ثم وقع في الكفر وهكذا حصل الاختلاف في تحديد الكثير من الشخصيات والمذاهب وكل ذلك يعود الى ضعف الضابطة الحقيقية للكفر .

  كتب بتأريخ :  السبت 18-04-2015     عدد القراء :  1653       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced