معقولية الحكم العقلي
بقلم : عصام الطائي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

الملاكات والمعايير العقلية

حينما لا تتحقق الملاكات العقلية تجري الأمور مجرى الأمور بلا ملاك أو معيار فيتخبط في الظلام ويصدق هذا الكلام على نوع معين من المتكلمين كالاشاعرة لأنهم تخلوا عن المعايير العقلية من اجل الاعتبار على قدرة الله تعالى وإرادته المطلقتين كمثال على ذلك تجويزهم الترجيح بلا مرجح وتكليف بما لا يطاق ولا ريب في امتناع الترجيح بلا مرجح وقبح التكليف بما لا يطاق في حين تجاهل الاشاعرة هاتين القاعدتين من اجل الاعتراف بقدرة الله المطلقة وإرادته الكاملة على حد زعمهم.

ونفس الموقف نراه من ناحية الالتزام بالعلية فيرفض بعض المتكلمون في إطار منهجهم المعروف بالمنهج الكلامي قانون العلة والمعلول اي نظام العلية في العالم من الأساس ويذهبون الى ما يحصل به الوجود وهو تقريبا أمر شكلي تشريفي كأن هؤلاء يظنون ان الالتزام بنظام العلية هو ضرب من تحديد لقدرة الله تعالى فاذا ما قلنا انه ينتج من العلة المحدودة معلول بعينه فتكون وكأننا حكمنا بانفصال الله عن فعله ومباينته في الوجود لصالح نظام العلة والمعلول على هذا الضوء لا يقيم هؤلاء وزنا لنظام العلية بل يذهبون الى وجوب نسبة كل شيء الى الله مباشرة وبلا واسطة للعلة والمعلول.

اما الفلاسفة فاصل بحثهم يعتمد على الإيمان بمبدأ العلة والمعلول وإرجاع العلل الى العلة الأولى الذي هو الله تعالى وهذا لا يمنع ان يكون نظام المادة قائم على نظام العلة والمعلول وهذا صريح ما موجود في القران الكريم الذي يعبر عنها بنظام السنن الإلهية.

اما في المدرسة الشيعة لا نلاحظ هذه الفارق بين الفلاسفة والمتكلمين خصوصا بعد المزج الذي حصل على يد العلامة الطوسي رحمه الله وان كان هناك بعض الفوارق لدى البعض في بعض المسائل الفكرية كمسألة وجوب النظر بين علم الهدى الذي يقره وبين الشيخ المفيد الذي هو محسوب على المتكلمين أكثر مما كونه فيلسوفا والذي يختلف مع علم الهدى في هذه المسألة والحقيقة ان النقطة الفاصلة بين المتكلم والفيلسوف هو موقفه من نظام العلة والمعلول.

ان الحكم العقلي ليس جزا فا بل يمتلك المعيار ويتمتع بالكلية والضرورة دائما وهناك قدر جامع من عقول الناس ومن خلال ذلك يقتضي التفاهم بين الافراد على صعيد الإدراك العقلي لذلك لا نجد اختلافا على المستقلات العقلية فكل شخص يدرك الكل اكبر من الجزء وهذا يعتبر ضمن دائرة البديهيات العقلية فهي قضية عقلية محضة والبديهة تكون قرينة العقل فالإنسان يعلم ان الكل اكبر من الجزء معلومة لديه بالبداهة وهي تختلف عن المشهورات لان قضية الكل اكبر من الجزء مثلا لا تتأثر بالمصالح والبيئة وان الذي لا يحمل العقل محمل الجد لا يرى العالم عالما معقولا ومن لا يرى العالم معقولا فأنه لا يؤمن حتى بنفسه واعتبار العقل أمر ذاتي وليس بمكان إي شيء أخر يمنح العقل الاعتبار والقيمة بل ان العقل هو الذي يؤيد اعتبار وقيمة إي شيء.

وقد وقع ابن حزم في الاشتباه حينما مزج بين الأمور النفسية والأمور البديهية فقد ذكر كثير من الأمثلة على أنها أمور بديهية ولكن بالتدقيق نلاحظ تتسم كونها أمور نفسية لذلك التفريق بين البديهيات والمشهورات من الأمور المهمة للفيلسوف لئلا يقع في ضعف تشخيص الواقع الخارجي وان الاعتقادات الخاطئة تنتج مواقف خاطئة.

وان القضايا التي تطرح في الفلسفة هي قضايا كلية وهذه هي التي تضفي الاعتبار على البرهان المنطقي والكلي هو يمثل الإحاطة والشمول وان المبادئ العقلية هي قوانين المعرفة وتتسق أفعال العقل في بحثه عن الحقيقة كمبدأ عدم التناقض ومبدأ السببية وان هذه المبادئ هي الأساس الذي يضمن الارتباط المنطقي بين حدود البرهان والمبادئ العقلية في القضايا الكلية اما معنى كونه عالما عقليا لان الحكمة هي العلم بحقائق الموجودات فعند حصوله تكون الموجودات وجودها العلمي حاضرة لدى الحكيم وهذا معنى صيرورة الفيلسوف عالما عقليا والتعبير بالعقلي دون الخيالي أو الحسي مع كونها من العلوم لان التعقل هو العلم بحقيقة الشيء وهي الكلي الطبيعي الذي تتكشف به جميع الجزئيات بخلاف العلم الحسي الموجود في الحس المشترك والعلم الموجود في الخيال فأنهما جزئيات والجزئي لا يكون كليا فالكلي الطبيعي يتعلق بالأمور العامة وهي أساس الأمور والأشياء .

وان ابن سينا عبر عن تأييده للكلي الطبيعي وبرهن على وجوده ولا بد من الالتفات ان ابن سينا حين تحدث عن الكلي الطبيعي فانه يريد به الحقيقة النوعية التي تدعى بالكلي الطبيعي والتي تتحقق بفرد واحد بعبارة أخرى ان الكلي الطبيعي عند ابن سينا حقيقة محضة غير مشروطة تتحقق مع تحقق فرد واحد في نفس الوقت الذي تنسجم مع الالالف من الشروط على سبيل المثال يمكن القول بان الفرد الإنساني حينما يكون له وجود في الخارج فلا بد للإنسان الذي تتحقق ضمن فرد واحد وإنما يختلف ضمن ملايين الافراد ومن هنا يمكن ان نقول بان وجود ملايين الافراد يلعب في تحقق الإنسان ويؤمن بعض الحكماء ان الطبيعة تظهر الى الوجود بوجود فرد واحد منها وتنعدم بانعدام كافة افرادها .

ويصرح ابن سينا في كتابه الإشارات والتنبيهات إنما يغلب على أوهام الناس هو أنهم لا ينظرون الى الموجود سوى امرأ محسوسا فقط والشيء الذي لا يقع في زمان ومكان معين ليس موجودا حقيقيا من وجهة نظرهم والمثال على ذلك ابن تيميه ينكر الكلي الطبيعي وانه لا ينكر الكلي الطبيعي فحسب وإنما يعارض بشدة تحقق إي نوع مطلق وان إنكار الكلي الطبيعي يستلزم القول بالاشتراك اللفظي في باب الوجود ومن ضمنها البديهي .

ان قبول الاشتراك اللفظي لا بد وان يؤدي الى زوال كل سنخية بين العلة والمعلول والعالي والداني والملك والملكوت وبالنهاية بين الظاهر والباطن وعندما تنفي السنخية وزوالها سيحدث تقطع واقعي واختفاء التناسب بين الأمور وحدوث غربه عميقة في عالم الوجود.

المهم ان ابن تيميه يعتبر الكلي والمطلق في عالم الذهن كاللفظ الكلي والمطلق في اللسان فمثال الكلي والمطلق في اللسان ليس شيء واقعي بل عرضي كذلك حقيقة المطلق والكلي الطبيعي أمر وهمي بزعمه وفارغ ولا تتحقق في الواقع.

والحقيقة ان الفلسفة تحتاج نوع من التجريد وان ابن سينا يقول ان أصناف التجريد مختلفة فتارة يكون انتزاع لبعض الصفات وتارة يكون انتزاعا كاملا فالحس يأخذ الصورة عن المادة اما العقل فيأخذ الصورة مجردة عن المادة من كل وجه ويفرزها عن كل كم وكيف وأين ووضع والحقيقة هي ان مهمة الفلسفة هو عملية التجريد والذهن الذي لا يتحمل التجريد يكون ابعد عن الفلسفة وعند ذلك يحصل الحكم فالعقل الذي يستعمل الحكمة يعمل على تأليف القضايا والاقيسة فالعقل إذن قوة تجريد تنتزع الصور من المادة وتدرك المعاني الكلية كالجوهر والعرض والعلة والمعلول.

موضوع من كتابي الفلسفة الاسلامية الرؤية الواقعية للوجود اعداد عصام الطائي

  كتب بتأريخ :  الجمعة 24-04-2015     عدد القراء :  1767       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced