قصة شاعر
بقلم : طارق الربيـــــعي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

ولد الشاعر الغنائي سيف الدين الولائي في مدينة الكاظمية عام 1914حيث كان العراق يمر بانعطافة كبيرة في الحياة السياسية والاجتماعيـــة والعالم يحترق بمدافع الحرب العالميــة الأولى . التحق بمدرسة الفيصلية لينال القسط الأول من تعليمه الابتدائي . ولتبدأ رحلة حياته في بغداد ، حيث تتهادى أمواج دجلة تفيض بخيراتها على الجانبين . كان شابا يافعا متحسسا لأوضاع بلده يشارك مع أقرانه في المظاهرات ويعبر عن رأيـــه كأي مثقف آخر . حينها أعلن في بغداد عن ولادة شاعر غنائي جديد ، شاعر من نوع آخر ، لا يرتب الكلمات كيفما اتفق ، بل يضفي عليها من إحساسه ووجدانه ما يجعلها حية نابضة بالمشاعر ، تحفز السامع لكي يتفاعل معها ، فضلا عن إنه أول من حرص على وحدة الموضوع في القصيدة الغنائية الشعبية .

تميزت كلماته بنكهة بغدادية خاصة ، استعذبها العراقيون بكل طبقاتهم الاجتماعية ومستوياتهم الثقافية ، ونفذت إلى قلوبهم مباشرة ، وطربت على وقع موسيقاها نفوسهم ، وهامت مشاعرهم في فضاءات واسعة من الرقي الروحي والعاطفي . ولم تقتصر شهرة الأغاني التي كتبها في العراق فقط ، بل تعدت حدود الوطن إلى العالم العربي . كانت أيامه تسير على خير مايرام ، عابقة بالحب والأمان والسعادة يعمل ويكتب ويعيش أروع قصة حب مع الفتاة التي أحبها وتزوجها لتصبح أم أولاده ، والسراج الذي يضيء ظلمة ليله ، وخيط الأمل الذي يشده إلى الحياة إذا ما ادلهمت الخطوب ، وزحفت سحب اليأس إلى قلبه . لقد ألغى الشاعر النظرية التي تقول بان الحب ينتهي ويضمحل ، وتخبو شعلته المتقدة بعد الزواج ، فقد كانت ( نورية الجواهري) زوجته وملهمته الوحيدة في كل ما كتب من قصائد غزل وهيــام ، كان يكفيه النظر إلى عينيها حتى تنبثق الكلمات من روحه كما ينبثق الماء العذب من ينبوعه الدافق . كان اسمه يزداد ألقا في عالم الفن والشعر الغنائي ، وكان كبار المطربين والملحنين آنذاك يتنافسون للحصول على ما يكتب . لكن حياته المفعمة بالحب والأمل لم تبق على وتيرة واحدة ، فقد تلبدت سماء العراق بسحب سوداء تُنذر بالعواصف والشرور ،وذلك عندما أعتلى الطاغية صدام في عام 1979 كرسي السلطة بعد انسحاب مريب للرئيس السابق ، فقد أمسك هذا الطاغية بزمام الأمور بقبضة من حديد ، مهيمنا على كل مفاصل الحياة ، قامعا لكل رأي معارض ، فإمتلأت السجون وعم الذعر بين الناس ، وأصبح الشعار السائد (إذا قال صدام قال العراق) مبدأ وجب على الجميع أن يعمل به ، ومن يشذ عن هذه القاعدة فإن الموت أو التهجير سيكون مصيره المحتوم . ومن الطبيعي أن تتجه أنظار السلطة الغاشمة إلى الشاعر سيف الدين الولائي باعتباره شاعرا غنائيا مرموقا ، وان لكلماته أثرا كبيرا في النفوس ، ولا بد له أن يكتب في مدح الطاغيــة ويلمع صورته أمام الناس كما فعل الآخرون . كان بإمكان الشاعر أن يكتب الأغاني في مديح الطاغية ، ويحضى بالمال والمنصب والقرب من السلطة ، بيد إنه لم يستطع ، فالقلم الذي صاغ أروع الكلمات في مختلف الأغراض الإنسانية أبى أن يطاوعه هذه المرة وآثر الصمت ، محتفظا بكبريائه وكرامته . حينها عاش الزوج وزوجته والأبناء حالة من الترقب والقلق ، وأدركوا إن السلطة لن تسكت على هذه الإهانـــة ، وان باب الآلام فتح على مصراعيه . وهذا ما حصل فعلا ، ففي عام 1980 تم تسفير آلاف العوائل العراقية ومن ضمنها عائلة سيف الديـــن إلى إيران ، بحجة إنهم ليسوا عراقيـــون . وهناك في المخيم الذي أعد للمهجرين ، جلس الشاعر مطرقا برأسه إلى الأرض ، بينما روحه عالقة بتراب الوطن . جلس يهيم بين أمواج الذكريــات التي بدأت تنبعث من أعماق نفسه الحزيـــنة ، يتذكر أيام شبابه ، وذلك المجد الغابر ، وكلماته التي تصدح بها الأصوات ، وتطرب لها نفوس الناس في مناسباتهم السعيدة والحزينة . تذكر تلك الساعات الجميلة التي كان يقضيها مع زوجته وعائلته في بيت عائم على بحيرة من الهناء والطمأنينة . كانت زوجته ترمقه بحزن بالغ ، بينما راحت دموعه تبلل تربة الأرض الغريبة التي وجد نفسه فيها ، بعيدا عن وطنه الذي اغتصبه الأوغاد . وعندما رفع رأسه شاهدها تنظر إليه ، وادرك ما يعتمل في صدرها من حزن ، فحاول أن يبتسم ويخفف عنها بعض ما تلاقيه من أوجاع . كان الخيط الذي يربطه بهذه الحياة هي (نوريــة ) بعدما انقطع خيط الوطن ، كانت هي ملاذه الوحيـــد ، وأحلى أغنية كتبها في حياته . لم تبق العائلة في إيران طويلا فقد شدت رحالها إلى بلاد الشام لتستقر هناك ، قريبا من العراق والعراقيين . واعتكف شاعرنا الولائي في بيته لا يبرحه ، معتذرا عن إجراء أي لقاء مع الصحفيين ، كان يرمقهم بنظرات شائهة حائرة متوسلة قائلا : أعيدوني إلى وطنـــي . وفي يوم 31-7-1984 ماتت (نورية الجواهري) وبموتها انقطع آخر خيط له في هذه الدنيا ، وافتقد لمعنى الوجود ، ومات الأمل . أصبح سيف إنسانا آخر ، ملامحه ذابلة ، ونظراته تائهة وكأنه يبحث عن شيء ما . كان يجلس وحيدا في غرفته تتراى أمام عينيه أشباح وخيالات ضبابية ، ومن بين تلك الخيالات يبرز خيال نورية بوضوح وهي تومئ بيديها تطلب منه أن يأتي إليها ، كانت تسرب له رسالة يقول فحواها : تعال ، تعال معي ياحبيب العمر ، لنعيد أيامنا السابقــة ونعمدها بالفرح ، تعال لنحضى بالأمان ، والسلام ، وننعم بالحب الأبدي الخالص ، حيث لا طغاة ولا تهجير ولا لوعـــة أو ألم . فتتألق عينيه فرحا ويهم بالنهوض ليعانق الخيال بلهفة ، لكن قواه تخذله ، ويقع مغشيا عليه . لم تستمر حياته طويلا فقد فاضت روحه إلى بارئها في يوم 24-11-1984 ، عن عمر يناهز 65 عاما ، بعد ما يقرب من 4 أشهر على وفاة زوجته ، وتم دفنه بقربها . بلاد الشام وعلى ما يبدو تحب العراقيين كثيرا فهي بعد أن تحتظنهم لا تستغني عنهم ، فتضمهم إلى ثراها !. وفي مقبرة الغرباء اليوم هناك قبرين متجاوريـــن ، كتب على شاخص القبر الأول (نورية الجواهري) وعلى الثاني (سيف الدين الولائي) قبران يحكيان قصة شاعر ، وقصة حب ، بدأت في الأرض ، وأثمرت في الأرض ، وأينعت في السماء .

يعتبر سيف الدين الولائي من أشهر شعراء الأغنية الحديثة في العراق وهذه بعض عناوين من الأغنيات التي كتبها . غريبة من بعد عينج يايمه – أدير العين ما عندي حبايب- عشاك العيون –حركت الروح لمن فاركتهم – على الميعاد اجيتك-من علمك ترمي السهم ياحلو بعيونك –هذا الحلو كاتلني ياعمه-خاله شكو-أخاف احجي وعليً الناس يكلون-على بالي ابد ما جان فركاك ... وهناك العشرات من الأغاني الرائعة التي مازالت محفورة في وجدان العراقيين والتي غناها الكثير من المطربين والمطربات العرب .

  كتب بتأريخ :  الأحد 26-04-2015     عدد القراء :  2229       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced