ولد الشاعر الغنائي سيف الدين الولائي في مدينة الكاظمية عام 1914حيث كان العراق يمر بانعطافة كبيرة في الحياة السياسية والاجتماعيـــة والعالم يحترق بمدافع الحرب العالميــة الأولى . التحق بمدرسة الفيصلية لينال القسط الأول من تعليمه الابتدائي . ولتبدأ رحلة حياته في بغداد ، حيث تتهادى أمواج دجلة تفيض بخيراتها على الجانبين . كان شابا يافعا متحسسا لأوضاع بلده يشارك مع أقرانه في المظاهرات ويعبر عن رأيـــه كأي مثقف آخر . حينها أعلن في بغداد عن ولادة شاعر غنائي جديد ، شاعر من نوع آخر ، لا يرتب الكلمات كيفما اتفق ، بل يضفي عليها من إحساسه ووجدانه ما يجعلها حية نابضة بالمشاعر ، تحفز السامع لكي يتفاعل معها ، فضلا عن إنه أول من حرص على وحدة الموضوع في القصيدة الغنائية الشعبية .
تميزت كلماته بنكهة بغدادية خاصة ، استعذبها العراقيون بكل طبقاتهم الاجتماعية ومستوياتهم الثقافية ، ونفذت إلى قلوبهم مباشرة ، وطربت على وقع موسيقاها نفوسهم ، وهامت مشاعرهم في فضاءات واسعة من الرقي الروحي والعاطفي . ولم تقتصر شهرة الأغاني التي كتبها في العراق فقط ، بل تعدت حدود الوطن إلى العالم العربي . كانت أيامه تسير على خير مايرام ، عابقة بالحب والأمان والسعادة يعمل ويكتب ويعيش أروع قصة حب مع الفتاة التي أحبها وتزوجها لتصبح أم أولاده ، والسراج الذي يضيء ظلمة ليله ، وخيط الأمل الذي يشده إلى الحياة إذا ما ادلهمت الخطوب ، وزحفت سحب اليأس إلى قلبه . لقد ألغى الشاعر النظرية التي تقول بان الحب ينتهي ويضمحل ، وتخبو شعلته المتقدة بعد الزواج ، فقد كانت ( نورية الجواهري) زوجته وملهمته الوحيدة في كل ما كتب من قصائد غزل وهيــام ، كان يكفيه النظر إلى عينيها حتى تنبثق الكلمات من روحه كما ينبثق الماء العذب من ينبوعه الدافق . كان اسمه يزداد ألقا في عالم الفن والشعر الغنائي ، وكان كبار المطربين والملحنين آنذاك يتنافسون للحصول على ما يكتب . لكن حياته المفعمة بالحب والأمل لم تبق على وتيرة واحدة ، فقد تلبدت سماء العراق بسحب سوداء تُنذر بالعواصف والشرور ،وذلك عندما أعتلى الطاغية صدام في عام 1979 كرسي السلطة بعد انسحاب مريب للرئيس السابق ، فقد أمسك هذا الطاغية بزمام الأمور بقبضة من حديد ، مهيمنا على كل مفاصل الحياة ، قامعا لكل رأي معارض ، فإمتلأت السجون وعم الذعر بين الناس ، وأصبح الشعار السائد (إذا قال صدام قال العراق) مبدأ وجب على الجميع أن يعمل به ، ومن يشذ عن هذه القاعدة فإن الموت أو التهجير سيكون مصيره المحتوم . ومن الطبيعي أن تتجه أنظار السلطة الغاشمة إلى الشاعر سيف الدين الولائي باعتباره شاعرا غنائيا مرموقا ، وان لكلماته أثرا كبيرا في النفوس ، ولا بد له أن يكتب في مدح الطاغيــة ويلمع صورته أمام الناس كما فعل الآخرون . كان بإمكان الشاعر أن يكتب الأغاني في مديح الطاغية ، ويحضى بالمال والمنصب والقرب من السلطة ، بيد إنه لم يستطع ، فالقلم الذي صاغ أروع الكلمات في مختلف الأغراض الإنسانية أبى أن يطاوعه هذه المرة وآثر الصمت ، محتفظا بكبريائه وكرامته . حينها عاش الزوج وزوجته والأبناء حالة من الترقب والقلق ، وأدركوا إن السلطة لن تسكت على هذه الإهانـــة ، وان باب الآلام فتح على مصراعيه . وهذا ما حصل فعلا ، ففي عام 1980 تم تسفير آلاف العوائل العراقية ومن ضمنها عائلة سيف الديـــن إلى إيران ، بحجة إنهم ليسوا عراقيـــون . وهناك في المخيم الذي أعد للمهجرين ، جلس الشاعر مطرقا برأسه إلى الأرض ، بينما روحه عالقة بتراب الوطن . جلس يهيم بين أمواج الذكريــات التي بدأت تنبعث من أعماق نفسه الحزيـــنة ، يتذكر أيام شبابه ، وذلك المجد الغابر ، وكلماته التي تصدح بها الأصوات ، وتطرب لها نفوس الناس في مناسباتهم السعيدة والحزينة . تذكر تلك الساعات الجميلة التي كان يقضيها مع زوجته وعائلته في بيت عائم على بحيرة من الهناء والطمأنينة . كانت زوجته ترمقه بحزن بالغ ، بينما راحت دموعه تبلل تربة الأرض الغريبة التي وجد نفسه فيها ، بعيدا عن وطنه الذي اغتصبه الأوغاد . وعندما رفع رأسه شاهدها تنظر إليه ، وادرك ما يعتمل في صدرها من حزن ، فحاول أن يبتسم ويخفف عنها بعض ما تلاقيه من أوجاع . كان الخيط الذي يربطه بهذه الحياة هي (نوريــة ) بعدما انقطع خيط الوطن ، كانت هي ملاذه الوحيـــد ، وأحلى أغنية كتبها في حياته . لم تبق العائلة في إيران طويلا فقد شدت رحالها إلى بلاد الشام لتستقر هناك ، قريبا من العراق والعراقيين . واعتكف شاعرنا الولائي في بيته لا يبرحه ، معتذرا عن إجراء أي لقاء مع الصحفيين ، كان يرمقهم بنظرات شائهة حائرة متوسلة قائلا : أعيدوني إلى وطنـــي . وفي يوم 31-7-1984 ماتت (نورية الجواهري) وبموتها انقطع آخر خيط له في هذه الدنيا ، وافتقد لمعنى الوجود ، ومات الأمل . أصبح سيف إنسانا آخر ، ملامحه ذابلة ، ونظراته تائهة وكأنه يبحث عن شيء ما . كان يجلس وحيدا في غرفته تتراى أمام عينيه أشباح وخيالات ضبابية ، ومن بين تلك الخيالات يبرز خيال نورية بوضوح وهي تومئ بيديها تطلب منه أن يأتي إليها ، كانت تسرب له رسالة يقول فحواها : تعال ، تعال معي ياحبيب العمر ، لنعيد أيامنا السابقــة ونعمدها بالفرح ، تعال لنحضى بالأمان ، والسلام ، وننعم بالحب الأبدي الخالص ، حيث لا طغاة ولا تهجير ولا لوعـــة أو ألم . فتتألق عينيه فرحا ويهم بالنهوض ليعانق الخيال بلهفة ، لكن قواه تخذله ، ويقع مغشيا عليه . لم تستمر حياته طويلا فقد فاضت روحه إلى بارئها في يوم 24-11-1984 ، عن عمر يناهز 65 عاما ، بعد ما يقرب من 4 أشهر على وفاة زوجته ، وتم دفنه بقربها . بلاد الشام وعلى ما يبدو تحب العراقيين كثيرا فهي بعد أن تحتظنهم لا تستغني عنهم ، فتضمهم إلى ثراها !. وفي مقبرة الغرباء اليوم هناك قبرين متجاوريـــن ، كتب على شاخص القبر الأول (نورية الجواهري) وعلى الثاني (سيف الدين الولائي) قبران يحكيان قصة شاعر ، وقصة حب ، بدأت في الأرض ، وأثمرت في الأرض ، وأينعت في السماء .
يعتبر سيف الدين الولائي من أشهر شعراء الأغنية الحديثة في العراق وهذه بعض عناوين من الأغنيات التي كتبها . غريبة من بعد عينج يايمه – أدير العين ما عندي حبايب- عشاك العيون –حركت الروح لمن فاركتهم – على الميعاد اجيتك-من علمك ترمي السهم ياحلو بعيونك –هذا الحلو كاتلني ياعمه-خاله شكو-أخاف احجي وعليً الناس يكلون-على بالي ابد ما جان فركاك ... وهناك العشرات من الأغاني الرائعة التي مازالت محفورة في وجدان العراقيين والتي غناها الكثير من المطربين والمطربات العرب .