العراق بعد داعش الحلقة الاولى: المقدمات
بقلم : تحسين المنذري
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

لم تأتِ سياسة المحاصصة الطائفية محض صدفة بل هي مخطط لها وكما يبدو منذ زمن أطول مما نتصوره قريبا من موعد الاحتلال الاميركي للعراق ، فكانت خير هدية من المحتل الى أحزاب الاسلام السياسي باركتها ورسخت جذورها المرجعيات الدينية وعمقتها سياسات دول الجوار التي إبتلى العراق رغما عنه بإختلافاتها التاريخية المتجذرة وتمظهرها الان طائفيا . ومن الطبيعي أن يظهر في كل حركة سياسية من هم المتشددون ومن هم الوسطيون وغير ذلك من التقسيمات ، وكلما كانت حلاوة السلطة في العراق تشتد، تتعمق معها الهوة بين الطوائف السياسية التي تدعي كل منها تمثيلها لابناء طائفتها ، ذلك ماوجد صداه عند عامة أبناء الطوائف غير المسيسين او غير الواعين سياسيا فكان إنحياز الاكثرية إنحيازا ساذجا تم توظيفه من قبل قوى الاسلام السياسي ــ بشقيه ــ لاغراضها غير الوطنية ، ودفع الاكثرية من أبناء الشعب ثمن تلك السياسة وذلك الانحياز الاعمى ،ورغم ما نتج عن  تلك السياسة من ويلات ومصائب يبدو إنها الى الان لم تردع هؤلاء الساسة، من الايغال بنهجهم الاقصائي والمتشدد طائفيا كما يريدون له أن يكون . وبدون الذهاب بعيدا في فترة ماقبل داعش فإن السنوات القليلة التي سبقت الاعلان عن الاحتلال الرسمي للموصل من قبل داعش ،  إتبعت الحكومة التي كانت تدير السلطة التنفيذية في وقت سقوط الموصل وقبل ذلك أجزاء كبيرة من الانبار ،إتبعت  سياسة هوجاء تقوم على أساس التخوين والاقصاء والتهميش المتعمد للمكونات الاقل تمثيلا في الحكومة نتج عنه تخندق أعمق وبحث عن خلاص بأي ثمن كان ، إستثمرت القوى المتطرفة ذلك ودعمت الوجود الضعيف لتنظيم الدولة الاسلامية في العراق بتوسيعه في سوريا المضطربة أصلا وإيجاد مساحة من الارض أكبر لتحركه ولجمع وتدريب عناصره القادمين من بقاع الارض المختلفة ، مما خلق من التنظيم قوة كبيرة إستطاعت أن تفرض هيمنتها على بعض المدن السورية والتمدد شرقا بإتجاه الاراضي العراقية بعد أن أبدلت إسم التنظيم الى تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام وأختصر الاسم الى (داعش ) ليشكل بعبعا مخيفا لكل القرى والبلدات التي توجه اليها نتيجة ما يسمعه الناس عن بشاعة الجرائم التي يرتكبها عناصر التنظيم وتحت يافطة ( لا اله الا الله ومحمد رسول الله ) مع صرخة الله أكبر .

إن سياسة التهميش والاقصاء التي اتبعتها حكومة السيد المالكي وهو شخصيا خلقت أرضية خصبة لاستقبال داعش في المناطق ( السنية ) واوجدت أكثر من مبرر لكي يستقبل الناس عناصر التنظيم الاجرامي ، بالاضافة الى التشكيل الهش لوحدات الجيش العراقي وغلبة الروح الطائفية ، وإستشراء الفساد المالي والاداري بين قادته ومنتسبيه مما ولد حالة من الترهل والتراخي ( ويقال الخيانة ) أدى كل ذلك الى سرعة إنهيار قوات حماية الموصل والاعلان رسميا عن سقوط الموصل بأيدي الداعشيين ومن ثم توالت البلدات في الانبار وصلاح وكركوك وديالى وحتى أقتربت داعش من بغداد العاصمة عن طريق تحريك خلاياها النائمة والعناصر التي إستطاعت التسلل بحكم فساد رجال السيطرات وغيرهم ممن سهلوا وصول وإحتلال داعش لكل تلك الاماكن المشار اليها .

حتمية سقوط داعش:  يعتبر النشوء السريع لداعش احد عوامل إنهياره فالبناء التنظيمي لم يستطع أن يرص صفوف مقاتليه بقدر اغراءات الغنائم والوعود البراقة بحوريات العين وغيرها من خرافات التأسلم السياسي ،كما إن تجربة حكم داعش هي التجربة الاولى لتنظيمات القاعدة وتوابعها حيث إعتاد تنظيم القاعدة القيام فقط بعمليات إرهابية والتمركز في في بعض مناطق الدول الضعيفة لخلق قواعد تدريب واطلاق مقاتليه ، دون أن يحكم بشكل مباشر كما هو الحال في أفغانستان واليمن ونيجيريا وغيرها وعليه فإن تجربة حكمه الاولى هذه محفوفة بالكثير من المخاطرمنها عوامل ذاتية مثل سلفية الفكر الذي سوف لن يستطيع إيجاد حلولا لمشاكل حديثة وايضا عدم الانسجام بين عناصر التنظيم حيث تعدد الجنسيات وبالتالي تنوع الخلفيات الفكرية وبرز ذلك بشكل جلي في الموصل حيث القتال الذي دار بين الدواعش العراقيين مع الاخرين من غير العراقيين وأدى الى مقتل العشرات من الطرفين وكذلك الاختراقات المخابراتية في التنظيم والتي كانت من العوامل المساعدة جدا في النشوء والانتشار السريع ، فإن تلك الاختراقات أو الولاءات المتعددة بين عناصر قيادة التنظيم كل للجهة المخابراتية التي أتت به ودعمته سيؤدي في الاخر الى تصادم بين مصالح تلك المخابرات مما يعني التصادم بين قادة التنظيم أنفسهم ، وبالتأكيد فإن العوامل الموضوعية ستلعب دورا هاما أيضا فالقسوة التي يعاقب بها التنظيم للمخالفين لتعاليمه ستجعل نفور الناس عنه أمرا بيّنا ، وأيضا وجود الغرباء في الاراضي العراقية حيث الطبيعة العراقية الرافضة لوجود غير العراقي بين ظهرانيها مالم يكن تحت طوعها وإرادتها سيؤدي ذلك حتما الى تمرد الناس على غير العراقيين القادة وربما الانتفاض عليهم . طبعا مع وجود إرادة حكومية بطرد داعش ووجود قوات عسكرية مختلفة التشكيلات تقاتل داعش بإسناد دولي على شكل طلعات جوية رغم إنها مازالت محدودة لكن لها تأثير أيضا ، كل هذا وذاك سيؤدي الى سقوط داعش .

المدخل: لقد أحدث إحتلال داعش لمساحات شاسعة من الاراضي العراقية خللا كبيرا في البنية الاجتماعية العراقية وتغييرات ديموغرافيه وخسائر إقتصادية كبيرة ، وبروز قوات وأسماء ماكان لها أن تبرز لولا محاربتها لداعش ، وأيضا تبدل في السياسات الحكومية ولمختلف القوى المؤثرة في الوضع ، فكيف سيكون الحال إذا ما إنتهى إحتلال داعش ؟

رغم ضبابية الصورة أو محاولة تضبيب الصورة من قبل القوى الحاكمة لكي توحي بتماسكها وإمكانية العودة الى وضع أفضل الا إن كل ذلك سيبقى مرهونا بمستلزمات وركائز متغيرة عن ذي قبل بعد سقوط داعش ، في الحلقات القادمة سأحاول البحث في تصورات لما سيؤول اليه الوضع مستقبلا .

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 02-06-2015     عدد القراء :  1809       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced