دلالات الاجتهاد والتقليد
بقلم : عصام الطائي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

قد يفهم البعض من ان الاجتهاد بمعناه السلبي وهكذا بالنسبة الى التقليد وذلك بسبب انعكاس المدلول السلبي لفهم المقابل والا لو ان الشخص فهم سبب رفض الاجتهاد في السابق لما وقع في إشكال يقول يحيى محمد في كتابة المدخل الى فهم الإسلام ( بان عبارات المنظرين من قدماء الشيعة كانت تصرح برفض الاجتهاد ويحرم العمل به كما هو الحال عند الشيخ المفيد والشريف الرضي والشيخ الطوسي باعتبار ان الاجتهاد لم يتضح بصورته الكاملة) .

ومن جهة أخرى كان يفهم معنى الاجتهاد في السابق بأنه يقترن بمعنى القياس وباعتبار ان القياس في ذلك الوقت فكانت كثير من الروايات تصرح بان دين الله لا يصاب بالعقول لذلك كانت الذهنية الفقيه تحمله على المعنى السلبي بالإضافة الى ان علم الاصول لم يكن كما هو اليوم من خلال التوسع في مباحثه وعمق المباحث فيه وقد سئل الشافعي عن معنى الاجتهاد ما الاجتهاد أهو القياس ؟ فقال اسمان لمعنى واحد ومن هنا كان للاجتهاد في ذلك الوقت له مدلول سلبي وكان أبو حنيفة يعتمد كثيرا عليه الا ان الشافعي كان يرفض العمل بالقياس والاستحسان ويعتبرها أدلة ظنية الا انه كان له جملة من الأدلة التي يعتمد عليها فقهاء العامة يعتمد عليها الا ان وفق منطق فقه اهل البيت تعتبر هذه أدلة ظنية بالإضافة كما ان الفقه الحنبلي يعتمد على النقل كثيرا ولم يمارس القياس بصورة كبيرة .

لذلك كانت تلك الأدلة الظنية بين من يوسع فيها ومن يضيقها الا ان الشيعة الامامية تعتمد على الأدلة العلمية ولا ينتقل الفقيه من العلم الى الظن كما في الفقه السني في حالة عدم وجود نص في هذه المسالة او تلك بل ينتقل الى الاصول العملية التي هي وسائل تعطي للمكلف الوظيفة العملية التي يجب إتباعها في حالة عدم وجود نص في كتاب او سنة والمثال على ذلك تارة يحصل لنا علم او اطمئنان او خبر ثقة بان الثوب طاهر فيعتمد عليه وأخرى يشك في الثوب فهنا تعطى الوظيفة العملية حسب نوع الشك ويعتمد على الاستصحاب او البراءة او الاحتياط او التخيير وحسب الاستقراء العقلي ان كل الجزئيات التي يمكن ان يشك بها المكلف يمكن ان تحل بهذه الادلة الأربعة .

والمهم ان البعض كما في القياس يأخذ بالكليات العقلية الناقصة فتكون النتيجة ظنية والشيعة الامامية لا يأخذوا بالكليات العقلية الناقصة لأنها لا تكون حجة شرعية ولان النتيجة تكون ظنية غالبا لأنها تعتمد على المزاج الشخصي بخلاف ما لو اعتمدنا على الكليات العقلية الكاملة كما في قياس الأولوية وقياس منصوص العلة فتكون حجة شرعية والشيعة يأخذوا فقط في القياس الكليات العقلية الكاملة.

وكذلك نستطيع الإجابة حول دلالة التقليد فالبعض يفمهة من خلال المدلول السلبي أي الخضوع التام للفقيه وذلك حيث يحصل سلب لإرادته وتفكيره بينما المسألة كما في عالم التكوينيات وكما في عالم الطب المريض اذا تمرض لا يمكن ان يذهب الى غير الطبيب لان الطبيب يملك الأدوات الكاملة والصحيحة التي يستطيع من خلالها علاج المريض وهكذا في عالم التشريع فلا يكن لمن يحتاج الى حل مشكلة تتعلق في موقف المكلف فاذا لم يجد الحل المناسب قد يؤدي به بالوقوع في الحيرة والتيه والشبهة مما يوقعه في كثير من الإشكاليات والتي من الممكن حلها بسهولة اذا ما رجع الى الفقيه باعتبار الفقيه له الأدوات التي من خلالها حل مشكلة المكلف.

ويمكن ان يوجه النقد بشكل أخر الى الاجتهاد بان أصحاب الفهم الخاطئ كما في فهم السلفي للنص الشرعي فهو نتيجة الفهم الحرفي للنص وإلغاءه لدور العقل في اكتشاف المراد في القران والسنة بالإضافة الى تمسكه بجملة من الثوابت التي لا يتنازل عنها ويعتبرها أمور غير قابلة للنقاش والغير قابلة للنقد كما في اعتماده على حجية مطلق قول الصحابي ويتساهل كثيرا حولهم فلا يمارس النقد بصورة يمكن من خلالها قد تحصل نقلة نوعية في تفكيره وتصوراته اذا ما اعتمد على العقل النقدي وهذا بخلاف التشيع الذي يعتمد على النقد أساسا حيث تعرض كل أراء الفقهاء للنقد بلا استثناء بالإضافة الى فتح باب الاجتهاد ساهم الى تقدم علم الفقه واللاصول الى مراتب عليا فهو اليوم يعيش حالة التألق والتطور والتقدم بأعلى مراحلها.

وكذلك يمكن ان يوجه النقد لأصحاب الفهم الناقص من خلال استخدامهم ادوات ظنية مما توقع المكلف في حالة عدم الوضوح والارتباك وعدم الرؤية الواقعية التي تطابق الواقع كذلك يمكن ان يوجه النقد الى بعض الأشخاص الذين يحملوا أفكار تجمع بين الحداثة والدين ولكن لم يكن لهم وضوح غالبا لفهم الإسلام كما في أفكار حامد أبو زيد وجمال البنا والعشماوي وغيرهم فهم يريدوا الإصلاح الا ان الأدوات التي تستخدم خاطئة ويمكن ان يوجة النقد الى الفكر الشيعي من خلال كون لا زال البعض مع كونه محسوب على المدرسة الأصولية الا انه لا زال يتمسك ببعض الروايات الضعيفة مما يترتب علها جملة من الإشكاليات في الساحة الإسلامية بالإضافة الى التمسك بظاهرة العقل التقديسي ولم يمارسوا النقد لللافكار التي تحتاج نوع من التمحيص والتدقيق.

بالإضافة يمكن ان يوجه النقد كذلك الى حالة الفوضى في توزيع المال وعدم وجود الضوابط الصحيحة لتوزيعها على الناس وهناك الولاء الشخصي يلعب دورا مهما بالإضافة يمكن ان يوجه النقد الى ان التقليد كثير ما تكون الولاء للشخصية يلعب دور في رجوع المكلف الى فقيه معين بينما المطلوب هو البحث على الفقيه الذي يجمع بين صفة العلم والاطلاع على الواقع اذن هناك جملة من السلبيات التي ذكرتها وقد تكون هناك سلبيات أخرى ولا يمكن علاج هذه السلبيات الا من خلال النقد المعتمد على أساس النقد لأجل الإصلاح لا الهدم.

الإشكاليات على التقليد والاجتهاد

الإشكال الاول :

قد يقول البعض ان التقليد مناهض للحرية والعقلانية والسبب في بروز هكذا نوع من الإشكال هو سوء فهم التقليد فالتقليد يفهمه البعض بالمدلول السلبي لا الايجابي ما يجعل البعض يقدموا اعتراضاتهم هذه ولكن لو عرفنا دور الفقيه في وضع الحل المناسب والتي يمكن ان يزيل حالة الشك والظن والوهم وينقل المكلف الى حالة العلم واليقين والاطمئنان أفضل مما يبقى الإنسان حبيس حالة الحيرة والتيه وهناك نستطيع ان نعطي مثال على ذلك بكيفية دور علم الاصول والفقه في حل في هذه المشاكل فقد يكون المكلف في موقف الحيرة فنحن نعلم ان الله لا يسمح كما في العلاقات الجنسية الا وفق ما يفرض من شروط وقيود وهذه الشروط والقيود لو دققنا بها كلها تخدم الإنسان لئلا تحصل فوضى في النسل كما في حالة الفوضى التي قد تعيشها بعض الأقوام وكذلك في حالة المأكولات فقد يساءل إنسان ما ان هناك كتابات تكتب على اللحوم مكتوب عليها مذبوح على الطريقة الإسلامية هل هذه كافية كي يتناول منها ؟ هنا الفقيه له جملة من الأدوات التي يستعملها لحل المسالة للمكلف فاذا حصل للشخص علم او اطمئنان او خبر ثقة بان المعمل طريقة ذبحه صحيحة فتكون هذه الوسائل أي العلم والاطمئنان وخبر الثقة كافية يمكن من خلالها المكلف من الاعتماد عليه اما اذا لم يحصل علم ولا اطمئنان او خيبر ثقة هنا تدخل المسألة في حالة الشك فلا بد ان تكون هناك وظيفة عملية يمكن للمكلف إتباعها فهنا حسب الاصول العملية فيقدم الأصل الموضوعي على الأصل الحكمي فتكون وظيفة المكلف عدم جواز الأكل اذا حصل له الشك فهنا تعامل الفقيه مع وسائل علمية تقنع العقلاء وليس وسائل تفيد الظن وهكذا في الآلاف من المسائل الجزئية التي تجعل المكلف في حالة الحيرة ما لم يجد جوابا كافيا .

فان القضية التي تثبت من خلال العلم والاطمئنان وخبر الثقة كما في معرفتنا بحالة الثوب نستطيع ان نقول ان الثوب طاهر مثلا وإذا استدل على طهارة الثوب من خلال الأدلة العملية نقول ان الثوب محرز الطهارة فاذا ما حصل علم او اطمئنان او أخبرة ثقة بحقيقة طهارة او نجاسة الثوب سوف يكون الثوب اما طاهرا او نجسا حسب ما حصل له من طهارة او نجاسة إذن الفقه يتعامل مع الأدوات التي تتفق مع العقلاء والعقلاء اذا ما تعرفوا عنها يقتنعوا بها.

وهكذا يمكن للفقه ان يكون حل الآلاف من الإشكاليات في حياة الإنسان والمجتمع وهي لا تقل عن دور الطبيب والمهندس نعم قد نجد هنا وهناك نوع من الشطحات لدى الفقهاء ولكن هذا لا يعني ان نركز ونسقط دور الفقه في الحياة بحجة وجود مثل هذه الشطحات ولا يخلو الفقه الشيعي والسني من هذه الشطحات.

الإشكال الثاني :

قد يدعي البعض ان نظام التقليد مربوط بالعبادات والأحكام وليس له علاقة بالموضوعات والحقيقة كما هو معلوم في الفكر الشيعي ان للفقيه دوران الدور الاول مجال الأحكام الشرعية والدور الثاني مجال إنشاء أحكام تعلق بالمصالح والمفاسد التي تتطلب إعطاء وجهة نظر معينة حولها سواء أكانت أحكام او موضوعات والتي تدخل ضمن منطقة الفراغ والتي لا تعني النقص بالشريعة بل تعني المجال التي يمكن للفقيه التحرك من خلالها فلا بد ان يكون للفقيه دور خصوصا في الموضوعات المهمة والتي لها دور مهم في حياة الفرد والمجتمع كما هو معروف في موقف الفقهاء في قضايا كثيرة ومصيره للأمة بالإضافة الى ان هناك شبهات مفهومية قد يصعب للمكلف التي تكون له الأدوات المطلوبة للوصول إليها بخلاف الموضوعات البسيطة والتي يمكن لأي مكلف ان يكون له موقف منها ولا يكون للفقيه دور بها ومن هنا تختلف شدة الموضوع وضعفه.

الإشكال الثالث :

قد يعتبر البعض ان المؤسسة الدينية تحتكر تفسير الدين اذ ان الفقيه له دور جزئي وانتقل الان الى دور سياسي وبالإضافة الى مشروعية الفقيه اما بخصوص الجواب على مشروعية الفقيه فان السيد الصدر في كتابه الإسلام يقود الحياة استطاع ان يستنبط نظرية دستورية تثبت مشروعية حكم الأنبياء والأئمة والعلماء تتمثل بالمرجعية من خلال الآية القرآنية في قوله تعالى ( انا أنزالنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون والذين اسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء ) فالربانيون هم الأئمة والأحبار هم العلماء والذي عبر السيد الصدر عن الثلاثة بخط الشهادة المشرف على دور خط الخلافة.

ويمكن توجيه الإشكالية بشكل أخر بان مشكلة الفقهاء اليوم هو كثرة الاهتمام المبالغ فيه بالفقه والأصول مع عدم الاطلاع والاهتمام بالواقع بما فيه من مشاكل وأزمات بصورة يستطيع ان يؤدي دورا ايجابيا من خلاله ويمكن ان يوجه للفقهاء من خلال المبالغة في عدم تقبل أي نقد من قبل الآخرين واعتبار البعض انهم فوق النقد بالإضافة يمكن ان يوجه النقد للفقهاء من خلال عدم التفاعل المطلوب مع الناس الا قلة من الفقهاء وهكذا يمكن ان توجه انتقادات واقعية من خلال معرفة الواقع بصورة حقيقية لا توجيه الانتقادات لاجل التسقيط.

  كتب بتأريخ :  الخميس 04-06-2015     عدد القراء :  2268       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced