المعروف في لغة القران هناك خطاب تكويني كما في قوله تعالى ( يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم ) فالله تعالى قد خاطب النار خطاب العاقل وهو خطاب مجازي وليس حقيقيا أي ان الله تعالى اذا اراد لشيء ان يقول له كون فيكون ولكن اراد الله تعالى في سبيل اظهار الموقف لنصرة وتسديد النبي ابراهيم ع فقال كما جاء في الايه الكريمة المذكورة وهكذا بالنسبة الى قوله تعالى ( وقيل يا ارض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي وغيض الماء وقضى الامر واستقرت على الجدوي ) فكان الخطاب مجازيا وليس حقيقيا حيث ان امر الله وفق مشيئته ان تفيض الارض بالماء ويحصل الطوفان وهنا خاطب الله تعالى السماء مخاطبة العاقل وباعتبار كل شيء في الكون خاضع لاوامره ولا يمكن لاي قانون تكويني ان يتخلف او يتأخر او يتقدم عن ارادة الله تعالى فخاطب الله خطاب المهيمن على كل مقاليد الكون لانه هو رب السموات والارض.
وهناك خطاب تشريعي حيث تصدر الاوامر الالهية وفي علم الاصول جملة من الدلالات العامة والخاصة حيث يستفاد من دلالات الايات دلالة الامر او النهي او الاباجة وان علماء البلاغة لهم فهما معينا لمعاني القران مما يظهرون المعاني الواسعة للقران وعدم التقيد بالمعنى الحرفي وهناك الاتجاه الذي يركز على الفهم الحرفي فيسبب ارباك لكثير من المفاهيم القرانية ومن هذه المفاهيم هو مفهوم عالم الذر ومن خلال خطاب أي متحدث نستطيع ان نشخص عقليته ومستوى فهمه ومدى استيعابه او عدم استيعابه للمفاهيم القرانية والحقيقة ان المشكلة هي مشكلة فهم ومن تلك المفاهيم التي اختلف في فهمها هي عالم الذر.
فبالنسبة الى عالم الذر كانت قد فهمت فهما خاطئا لانه اخذت على اساس كونه خطابا حقيقيا وليس خطابا مجازيا والاصح انه خطابا رمزيا حيث جعل اله تعالى من خلال الفطرة ارتكاز فطري بوجود الله في هذا الكون وهذا ما اخبر الله تعالى في الايه الكريمة ( واذا اخذ الله من بني ادم ومن ظهورهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا شهدنا على انفسنا ان نقول يوم القيام انا كنا عن هذا غافلون ) فهذا الاشهاد باعتبار الفطرة هي تمثل العلم البسيط فكان خطاب الله تعالى خطاب الرمز وان الانسان اذا ما جاء يوم القيامه واعترض الى الله تعالى بانه لم يكن له معرفة بالله فسوف يكون الجواب كما في الايه الكريمة بان الله تعالى قد منحه الفطرة التي تدعوه الى الله ويظهر دور الفطرة وقت الازمات الشديدة لانه سوف يلتجا الانسان الى الله وان المشكلة في الفطرة اذا ما تلوثت بالذنوب او الخطايا فسوف تبتعد عن معرفة الله علما ان المطلوب من الانسان العلم المركب الذي يعتمد على عقل الانسان من خلال البحث والنظر وعند الانسان الفطرة وهي المعرفة التي تعتمد على العلم البسيط وكذلك العقل الذي يعتمد على البحث والنظر فاذا ما كان التفكير سليما سوف يتوصل الى معرفة الله تعالى الا اذا كانت الاهواء اقوى من العقل سوف يبتعد عن معرفة الله وهناك الحجة الثالثة من خلال الانبياء والمرسلين.
واذ رجعنا الى روايات اهل البيت عليهم السلام فكلها تأكد على هذا المعنى الرمزي وقد ادعى البعض وجود ادلة نقلية وعقلية لاثبات هذا العالم على اساس كونه حقيقيا ومنهم من جعل نوع من الغلو بانه تصور ان الله خاطب جماعة معينة دون اخرى الا ان الخطاب الالهي واضح لكل انسان والبعض ادعى بان هناك فرق بين عالم الذر وعالم الارواح ولكن القضية باختصار ان الله تعالى قد غرس معرفته بالفطرة من خلال العلم البسيط ووجوده متحقق عند ولادة كل انسان والمطلوب هو العلم المركب الذي يتوقف على الاقناع التي يتم من خلال الادلة والبراهين العقلية واما الكافر فمن خلال نظره قد انكر الله فتمرد على ايمانه بالفطرة فكان متخلفا ومتاخرا اما المؤمن فقد دعم دور الفطرة فيوم القيامة لا يمكن ان يدعي احد انه لم يصله التبليغ فهناك الفطرة والعقل والرسل كلها تساهم في معرفة الله وهناك تفسيرات متعددة لعالم الذر ولكن لا اهمية لها لان المهم في الموضوع هو التمييز بين دور الفطرة والعقل والرسل فلكل منها دوره الخاص به.
الخطاب التكويني ـ عالم الذر نموذجا
