ان المعنى الحقيقي للشرك هو شرك الاعتقاد ولا يسمح الله تعالى لعباده في عبادة احد غيره فلا مشروعية لكثرة المدبرين والمعبودين بل هناك مدبر ومعبود واحد وهو الله تعالى وجعل انحصار الالوهية والربوبية لله تعالى حصرا ويعتبر شعار ( لا اله الا الله ) هو تجسيد لهذه الحصر وهو جوهر العلاقة الواقعية بين العبد وربه وقد قال الامام علي ع حول تحديد مفهوم التوحيد بعبارة مختصرة جدا ( ان التوحيد ان لا تتوهمه والعدل ان لا تتهمه) وان المشرك والكافر قد تمردا عن هذه العلاقة الواقعية فالكافر ينكر الله صراحة اما المشرك يجعل معبود ومدبر غير الله يعبده من دون الله تعالى وان عبادة الوثني ليس لها مشروعية كتوسله بالاصنام او بغير الاصنام اما الموحد يمكن له التوسل بما سمح الله له من انبياء وائمة واولياء لوجود المشروعية الالهية.
وان المعنى المجازي للشرك هو شرك المعصية ويعبر عنه بالتخلف عن الطاعة الحقيقية وخير دليل على وجود الشرك بهذا المعنى قوله تعالى ( وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون) اذ ان هناك مساحة واسعة من تصرفات او سلوكيات أي فرد قد تتسم بالشرك الا انها لا تخرجه عن الايمان فهناك طاعة السلطان الظالم وطاعة الشيطان واتباع اهواء النفس وهناك ايات قرانية اعتبرت طاعة هوى النفس بمثابة اله يعبد من دون الله كما في قوله تعال ( ارايت من اتخذ الهه هواه ) أي جعلت طاعة هوى النفس بمثابة عبادة وان طاعة النفس كأنه اله يعبد من دون الله والشخص الذي يطيع الشيطان او هوى النفس او السلطان الظالم لا يمكن ان يعبر عنه بشرك الاعتقاد بل هو شرك المعصية نتيجة عدم التسليم الكامل لاوامر الله مما يؤدي الى طاعة غيره فيحدث تخلف في طاعة الله تعالى او معصيته فمثل هكذا اشخاص قد يستحقون العقوبه الدنيوية والاخروية من قبل الله الا انه لا يعتبرون مشركين بالمعنى المصطلح المتعارف عليه .
وان السبب الذي يجعل التعبير عن هذا بشرك الطاعة لانه يتخلف عن طاعة الله فقد توسع في مفهوم العبادة من المعنى الحقيقي للعبادة الى المعنى المجازي وان الشرك في المعصية هو الشرك بالمعنى المجازي فالشرك في الاعتقاد اذا تحقق لغير اله فهي تعبير عن المعنى الواقعي وهنا لا يمكن ان يتسامح الله تعالى بهذا النوع من الشرك اما الشرك في المعصية فهو الاخلال بالطاعة المطلوبة .
والمعروف ان الشفاء والنصرة والعافية والرزق والعون والمغفرة والتوبه لا بد ان تطلب من الله تعالى ولو طلب العبد من النبي او الامام او الولي بان يكون واسطة بينه وبين الله لتحقيق ذلك اذا ما قال العبد اللهم بحق فلان فلا يتحقق معنى الشرك لوجود مشروعية من قبل الله تعالى اما لو طلب من النبي او الامام او الولي مباشرة بدون استعمال الصيغة الصحيحة في الدعاء كما في استخدام الانسان البسيط هذا الاسلوب فهنا لا يتحقق الشرك لان الانسان البسيط يعتقد ضمنا ان كل الامور ترجع الى الله تعالى ومثل هكذا شخص يمكن يوجه اسلوب طلبه لا ان يتهم بالشرك كما في اتهام الفكر التكفيري للاخرين والمعروف ان الشفاء والنصرة والعافية والعون والمغفرة تكون باذن الله اما الوثني فلا يجوز له ذلك ويعتبر طلبه من الهته شرك حقيقيا فتوسله بصنمه يعد شركا.
وان اكبر مشكلة تواجه الفكر الاسلامي هو اختلاط المفاهيم حيث يختلط الشرك في الاعتقاد والشرك في المعصية مما يؤدي الى صدور احكم مجحفة بحق الاخرين لذلك عملية الفرز لها اهمية بالنسبة الى المصلح وقد وقع البعض في توهم في جملة من الايات كما في قوله تعالى ( من لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الفاسقون ) وفي اية اخرى هم الظالمون وفي اية اخرى هم الكافرون حيث اعتبر اصحاب الفهم الحرفي من لم يحكم بما انزل الله فهو ينطبق عليه حكم الكافر والتفسير الصحيح ينطبق عليه اذا ما تخلف عن طاعة اوامر الله العصيان وقد يستحق عليه العقاب الا انه لا يكون كافرا ولا يتحقق الكفر الا مع الانكار .
وقد ادى سوء الفهم هذا الى التوسع في التكفير فشمل تكفير كثير من الافراد والمجتمعات والاحزاب والمذاهب والاديان بسبب الخلط بين الشرك في الاعتقاد والشرك في المعصية وقد كفر البعض من لم يصل الا ان الصحيح انه مع ترك الصلاة يتحقق العصيان وعدم الطاعة اما نكران الصلاة ينطبق عليه حكم الكفر وحصل الخلط بجملة من المفاهيم الاخرى كما في مفهوم الجاهلية فاتهم ممن لا يحكم باسم الله بانه يمثل الجاهلية في الاعتقاد الا ان الانسان اذا تصرف بتصرفات خاطئة او منحرفة فيكون سلوكه اشبه بالسلوك والتصرف للانسان الجاهلي الا انه لا ينطبق عليه كونه انسانا جاهليا فالجاهلية تقترن مع الكفر والشرك اما هنا قد يكون الانسان موحدا الا انه يتخلف عن طاعته لله تعالى.
الشرك بين المعنى الحقيقي والمجازي
