ثوار بلا ثورة
بقلم : طارق الربيـــــعي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

يفتخر الكثير من العراقيين بما يسمى ثورة العشرين ، وبأنهم أحفاد أولئك الأبطال الذين قاوموا المحتل الإنكليزي (بالفالة والمكوار) !. وهم بذلك يتناسون أو يغضون النظر عن سؤال مهم يطرح نفسه ، وهو لماذا لم تقم الثورة ضد الاحتلال العثماني الذي ألقى بظله الثقيل على صدر الوطن ولمئات السنين من الذل والقهر مصحوبة بتخلف قل نظيره ؟ . اعتقد بأن ثورة العشرين لم تكن إلا حركة عشائرية عصبية هائجة ، وان تلك الجموع المندفعة بعاطفة جياشة مدفوعة بفتاوى دينية ذات نزعة عشائرية ، لم يكن لها هدف سياسي واضح ، أو رؤية مستقبلية كأية ثورة أخرى مخطط لها بعناية ، ومرسومة لها مناهج وأهداف .

لذا فان تلك الجموع الغاضبة والتي يسمونها ثوار ارتكبوا خطأ فادحا كلفهم ثمنا باهضا ، ما زال أحفادهم يدفعونه إلى وقتنا الراهن . أستعيد هذا الحدث لأشير إلى إن انعدام الوعي السياسي في العراق يكاد يكون هو السمة الغالبة بين شرائح المجتمع ، والتي لا تتعاطى السياسة إلا مدفوعة بمصالحها الخاصة أولا ، وبالشعارات الرنانة والمشاعر الجياشة الصاخبــة ، التي تلغي دور العقل في التمحيص والتدبير للصالح العام . لذا فهم يسيئون لمصلحتهم وهم لا يشعرون . وما مصائبنا وآلامنا وتخلفنا عن بقية الأمم الأخرى إلا نتيجة لانعدام الوعي السياسي . كذا فان الحقبة الصدامية السوداء وما جًرت علينا من بلاء وكوارث لم تكن إلا من نتاج هذا الوضع الذي يوفر التربة الخصبة لولادة الطغاة والمستبديــــن .

إن حصول تطور في الوعي السياسي للعراقيين أمر في غاية الصعوبة ، لا سيما وان الأحزاب الاسلاموية الحاكمة والمهيمنة على مؤسسات الدولة تحول دون ذلك ، وتعمل بكل طاقاتها لإبقاء الوضع كما هو عليه ، لكي تهيمن على مقدرات العراق وثرواته بلا خوف من ثورة جامحة تطيح بهم وبكياناتهم الهشة . تبقى الأحزاب تعمل جاهدة على ترسيخ حالة انعدام الوعي السياسي ، وجعل الجماهير مغيبة العقل لا تتخذ مواقفها إلا من خلال عواطفها وانفعالاتها الدينية ، وهي بذلك تكون أشبه بقطيع الأغنام الذي يقوده الرعاة ويسيرونه بحسب رغباتهم . ومهمة توعية الناس تبقى ملقاة على عاتق الشريحة المثقفة والتي يجب أن تعمل على إبراز الحقائق كما هي ، من خلال وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي ، وباستخدام لغة سهلة تخاطب العقول وليس المشاعر ، وتحفز الناس على التفكير والتدبر ، والبحث عن مصالحهم العامة ومصالح الأجيال القادمــة . وتحذرهم من العواقب الجسيمة في حال تأثرهم بالشعارات الرنانة التي تتمشدق بها الأحزاب ، وأن يختبروا هذه الشعارات من خلال الواقع الذي يعيشونه ، حتى يتبين لهم مصداقية ما تدعيه الأحزاب من إخلاص وتفاني للوطن . المهمة شاقة وعسيرة ولكن بتكاتف النخب المثقفة وشرائح المجتمع الواعية من طلبة ومنظمات مدنية يمكن أن نبدأ أولى خطواتنا في بث الوعي السياسي في روح المجتمع ، حتى تنشا أجيال لا تتأثر بالشعارات والخطب الحماسية ، بل لديها القدرة على أن تنظر بعين العقل لا بعين العاطفة ، ولا تندفع استجابة لرغبة جهة معينة لا يهمها سوى مصالحها ، فيكونوا ثوارا بلا ثورة ، كما فعل أسلافهم في عشرينيات القرن الماضي .

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 30-06-2015     عدد القراء :  1479       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced