كأن قدر العراق أنه لا يتحرر من احتلال إلا باحتلال آخر . فإذا ما استثنينا تأريخه القديم ، سنجد أن تأريخه الحديث لا يعدو أن يكون عبارة عن احتلالات متواصلـــة . فمنذ مطلع القرن السادس عشر تنافس على احتلال العراق الصفويون من جهة ، والعثمانيون من جهة أخرى ، وكلاهما ألعن من الآخر . وبعد صراعات دموية ومجازر بشعة دفع العراقيون ثمنها ، تمت الغلبــة للدولة العثمانيـــة ، وخيم كابوسها الثقيل على العراق طيلة أربعة قرون سود ، كانت مثالا للظلم والقهر والاستبداد والتخلف ، وما زلنا إلى وقتنا الراهن نعاني تبعات تلك الفترة المظلمـــة . ولم ينقشع ذلك الاحتلال إلا بواسطة الاحتلال الانكليزي خلال الحرب العالميـــة الأولى . ومن ثم توالت على حكم العراق احتلالات الأنظمة الاستبدادية المختلفة ، والتي كان أكثرها استبدادا ووحشية احتلال النظام البعثي الذي لم نتحرر منه إلا باحتلال آخر أمريـــــــكي .
إن ثقافة الاحتلال القائمة على مبدأ جوهري وهو الاستغلال هي ارثنا الكريه من تلك العقود الطويلة من الاحتلالات . لقد أصبح الاستغلال وبكل صوره المضمرة والعلنية سمة بارزة في حياتنا العامــة وفي سلوكياتــنا ومعاملاتنا مع بعضنا البعض . وهذا مظهر واضح لكل من ينظر بموضوعيــة في أحوال المجتمع العراقــي اليوم .
إن عضو البرلمان الذي انتخبته ومنحته صوتك وثقتك ولم يفِ بما وعدك فأنه استغلك ، والمعلم الذي لا يحرص على تعليم أبنائك يستغلك ، والطبيب الذي لا يقوم من على كرسيه ليفحصك يستغلك ، التاجر والبقال في السوق يتحينان الفرص لكي يستغلانك ، وصاحب المولدة الأهلية يعلم حاجتك للكهرباء فيستغلك ، عامل المجاري لا يؤدي عمله إلا بعد أن يستغلك ، طبقة المفسدون وبكل أساليبهم الخسيسة يستغلونك .... وأنتَ أيها العراقي ، وأنتِ أيتها العراقيــة ، وأنا ، لو سنحت لنا الفرصة لان نستغل احدهم لفعلنا ذلك بلا تردد ، فكلنا أبناء هذا المجتمع ، وكلنا ننهل من ثقافة الاحتلال .
لقد انتهى الاحتلال الأميركي ، ورحل الجنود ، لكن كيف الخلاص من هذا الاحتلال الكامن في نفوسنا ، الاحتلال الذي ينهش فينا ويدمرنا بغيـــر سلاح ؟!.
ثقافة الاحتلال
