قبل فوات الاوان !!
بقلم : تحسين المنذري
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

منذ أن إنطلقت العملية السياسية بعيد سقوط الدكتاتورية في عام 2003 والحزب الشيوعي العراقي يتواجد في خضمها بكل أمكانياته، سياسية واعلامية وغير ذلك، بل إن جريدته المركزية " طريق الشعب " كانت أولى الصحف الصادرة علنا في العهد الجديد ، في إشارة واضحة من الحزب على فعالية مشاركته في كل شيئ بما فيها المؤسسات التي ستنبثق عن العملية السياسية الجديدة ، حتى صارت مشاركته تلك إحدى الموضوعات الفكرية التي دأبت قيادة الحزب بحرص على تثقيف قواعده وجماهيريه بأهميتها وصولا الى الدفاع عن العملية السياسية برمتها رغم كل تشخيصات الحزب للنواقص والهنات التي رافقت إنبثاق الفعاليات السياسية التي تعاملت مع الاحتلال كواقع حال ، كان الحزب يشير اليها متعللا بالاستفادة من كل سوح العمل للنضال من أجل تحقيق أهداف الحزب المعروفة للقاصي والداني .وفي خضم ذاك الحراك وما سبقه من علاقات لقادة الحزب مع شخوص من المعارضة قبل سقوط النظام ، دفع بالحزب لكي يتصور إن التغيير ممكن أن يأتي من أعلى ، أي من خلال العلاقات الناشئة مع قادة العراق الجدد ، وكان ذلك للاسف على حساب التحشيد الجماهيري والتثقيف بما ستؤول اليه الاوضاع في ظل التقسيمات الطائفية للمناصب ، حتى تم إتهام الحزب الشيوعي نفسه بالاحتساب على طائفة معينة بمشاركته بمجلس الحكم ، ورغم جسامة الاتهام وخطورته ، إلا إن رد قيادة الحزب كان باهتا مكتفيا بتصريح هنا وآخر هناك للرفيق السكرتير ولاخرين من قيادة الحزب نفيا لتلك التهمة ، في حين كان الاجدر أن يكون الرد أكثر حدة بما فيه الانسحاب من مجلس الحكم نفسه مالم يعترف " بريمر " وغيره من رموز العملية السياسية آنذاك بأحقية الحزب بالمشاركة كحزب شيوعي بكل تاريخه ونضالاته وتضحيات كوادره وأعضائه وما قدمه من قوافل شهداء ترتقي مكانة وعفة ونضالا على كل رموز العملية السياسية التي برزت آنذاك كقوى محركة وفاعلة في الوضع السياسي ، كان الاجدر ان ينال إعترافا يؤكد براءة الحزب من كل اردان الطائفية المقيتة.

وإستمرت مشاركة الحزب في العملية السياسية بواقع المساهمة في تشكيل حكومات وإن كانت رمزية (  وزير واحد في كل حكومة) إلا إنها كانت كافية لكي يتحول الحزب معها الى حزب سلطة يدافع عن مشاركته تلك بإعتبارها ضمن حكومات شراكة وطنية على أساس التوافق الوطني وليست حكومات تقسيمات محاصصية ، وإيغالا في هذا الموقف غض الحزب النظر عن كثير من الاخطاء التي رافقت عمل الحكومات أو مجمل العملية السياسية ، وتصاعدت علاقاته مع القوى الطائفية حد رغبة الحزب في إحدى الانتخابات البرلمانية في التحالف مع قوى إسلاموية ــ طائفية بإمتياز . بل إن الحال وصل مع بعض الرفاق في قيادة الحزب أن يتحدث عن تأريخية العلاقة والتحالف مع حزب إسلامي ــ طائفي ، في حين لم تكن العلاقة مع ذلك الحزب في أوج صفائها لاتعدو عن لقاءات مع بعض قياداته وكوادره ربما كان بعضها يتم على مضض من رموزه ، بدليل إن القيادي الابرز يومها رفض وجود الحزب الشيوعي في إجتماع للمعارضة العراقية بدمشق ، ولا أدري أين كان التحالف التأريخي للحزب الشيوعي مع هذا الحزب !!!؟ وحتى عندما تم إستبعاده من المشاركة في حكومة المالكي الثانية ، ورغم كل التأشيرات التي كانت تصدر من قواعد الحزب وكوادره بضرورة تحديد موقف أوضح من العلاقة مع الاحزاب الطائفية في السلطة ، إلا إن رد قيادة الحزب كان وهو في نفس الوقت سياسة الحزب المعلنة ، على إن الحزب ليس معارضا بالكامل وليس مع السلطة بالتمام والكمال ، وإنما معارض لما هو سيئ ومؤيد لما هو إيجابي ، وهذا الموقف بعينه هو الذي أفقد الحزب الكثير من جماهيريته التى إعتادت تأريخيا أن ترى المواقف الواضحة الراديكالية للشيوعيين العراقيين ، المواقف المناهضة لكل ماهو غير وطني مهما كان المصدر ، بسالة وتصدر لكل الحراكات الجماهيرية المطلبية ، وصولا الى رفض سياسي للقوى المتصدرة للحكم ، ولم تعتد الجماهير من الشيوعيين على مواقف وسطية،فالفكر والمبادئ التي يستند اليها الحزب تأريخيا لا تلتقي والوسطية بشيئ  ، ولم يكن في تاريخ الشيوعيين أي تراخي في الدفاع عن مصالح الناس والطبقات المسحوقة منهم خاصة ، وتلك هي الصور التي إجتذبت عشرات الالاف من المواطنين الى الانضمام للحزب ومئات الالاف من المناصرين والمؤيدين على مدى كل تأريخه. كما برزت وسطية الحزب في برامجه التي أُقرت بمؤتمري الحزب ( الثامن والتاسع) حيث أشرت بشكل كبير على رغبة الحزب للمشاركة في الحكم ولم تطرح سوى تفصيلات لطريقة إداء الحزب فيما لوكان في السلطة ولمختلف تفرعاتها وجوانبها ، بل إن مازاد في الطين بلّة هو تثبيت فقرة تشير الى أن الحزب يستوحي من إرث الحضارة الاسلامية كل ماهو تقدمي ، وفي هذا نكوص واضح عن الماركسية التي صارت في برنامج الحزب مرشدا وليست نظرية معتمدة بشكل رئيسي في منهج الحزب وخصوصياته ، وقد تكون حتى الاشارة الى ارث الحضارة الاسلامية جاءت من باب مجاملة الاحزاب الاسلامية .

لقد أتيحت فرص كثيرة للحزب كي يغيير من نهجه مع القوى الطائفية فيما لو أستثمرها بصورة جيدة على سبيل المثال لا الحصر مظاهرات شباط 2011 فرغم مشاركة منظمات الحزب وجماهيره بفعالية فيها الا إن شعار إصلاح العملية السياسية الذي أصر الحزب على رفعه دون غيره أدى الى تسرب الكثيرين من تلك المظاهرات وعدم التحمس للمشاركة فيها ، في حين لو جرى تصعيدا للفعالية ورفع شعارات أكثر جذرية وذات أهداف سياسية أكثر وضوحا لاجتذبت المظاهرات مزيدا من الجماهير خاصة مع أسلوب العنف الذي واجهت به السلطة المتظاهرين وإعتقال مجموعة من شباب الحزب ، وكذا كان الحال مع تصرف الحكومة السيئ القاضي بإخلاء مقري الحزب الرئسيين في محاولة الضغط على الحزب والذي إجتذب مساندين اكثر للحزب ممن كانوا صامتين او مبتعدين عن الحزب ، فلو جرى إستغلال هذا الموقف بالتصعيد أكثر خيرٌ من الطلب من السيد جلال طالباني رئيس الجمهورية يومها للتوسط وحل الخلاف ، سيما إذا عرفنا إن للحزب مقرات أخرى في بغداد بإمكانها إستيعاب موجودات المقرين الرئيسيين ، إلا إن سياسة المهادنة سادت الموقف في تلك اللحظة وخسر الحزب فرصة مواجهة مضمونة الفوز على السلطة .وكانت الانتخابات وقوانينها فرصا أخرى لم يجر الاستفادة من خروقاتها وإنحيازها للقوى المتنفذة في الحكم ، فرغم الاجراءات القانونية التي إتبعها الحزب في بعض الاحيان للمواجهة ورغم حضارية هذا الاسلوب الا إنه غير مجدٍ من الناحية العملية مع جمهور يبحث عن الاثارة والموقف المتصارع علنا وليس عن حيثيات تشريعية وقانونية ربما يصعب فهمها على الكثير من أبناء الشعب !

ومنذ إحتلال داعش للموصل وما تبعها من تداعيات ، جاء موقف الحزب المؤيد للحشد الشعبي والفتوى التي إنبثق عنها ، مخيبا لامال الكثيرين ، فالحشد الشعبي لم يكن الا غطاءا شرعيا لميليشيات طائفية كانت موجودة أصلا وإنبثقت عنها أخرى بفضل فتوى الجهاد الكفائي ، حتى بات موقف وموقع الحزب باهتا غير ذي تأثير على مجمل الوضع ، للاسف الشديد .

مازال في الوقت متسع رفاقي الاعزاء في قيادة الحزب لتلافي ماحدث عن طريق عقد مؤتمر طارئ أو كونفرنس لتبديل برامج الحزب وإقرار سياسة جديدة مناهضة ليس فقط للمحاصصة الطائفية ــ الاثنية بل أيضا وبصراحة للقوى المستفيدة من المحاصصة ، ومناهضتها سياسيا وفكريا وجماهيريا وإتباع خطابا إعلاميا وسياسيا جديدا ينسجم مع حاجة المواطن العراقي لبديل يختلف كليا عن توجهات قوى السلطة ليس فقط بعد عام 2003 بل وحتى أشكال ونماذج السلطات قبل ذلك ، المواطن العراقي بحاجة الى بديل حقيقي يؤمن بالديمقراطية طريقا ويمتلك رؤية واضحة لكيفية تطبيق العدالة الاجتماعية ، مازال في الوقت متسعا قبل أن تأتي قوة أخرى من خارج تنظيمات الحزب تتبنى أهداف وأساليب عمل الحزب المعتادة سابقا في المواجهة ببطولة وبسالة مع قوى التخلف السلطوية وتتمكن من الاستحواذ على جماهيرية الحزب ومكانته السياسية المعهودة، أو أن ينمو بشكل أكبرداخل تنظيمات الحزب التيار الرافض لسياسة الحزب الحالية وقد يحصل ما لا يحمد عقباه ، نصيجة رفاقية مخلصة: تحركوا أيها الرفاق قبل فوات الاوان.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 06-07-2015     عدد القراء :  1419       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced