عن الكتلة التاريخية أتحدث
بقلم : تحسين المنذري
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

كلما تشتد الحراكات الاجتماعية ضد توجهات السلطة القائمة منذ 2003 تثار قضية الكتلة التأريخية بوصفها حلا أو طريقا أو إنها الخيار الاهم للخلاص من الكتل السياسية الحاكمة، وفي العودة الى "غرامشي " صاحب الفكرة الاساسية، أو بالاحرى هو صاحب الصياغة الاكثر شهرة للكتلة التاريخية،ذلك إن ماطرحه ماركس متأخرا وما تبناه لينين مبكرا عن التحالف بين العمال والفلاحين من أجل التغيير،هو بحد ذاته طرح لفكرة الكتلة التاريخية لكن بصيغة التحالف ولربما كانا على حق بذلك وهذا ما سيشار اليه لاحقا.

يعتبر غرامشي من أوائل من طرح موضوعة المثقف ودوره في مهمة التغيير،وقد ألقى على عاتقه مسؤولية كبيرة في تطوير وعي الشغيلة ورسم الطرق والسياسات التي بها تستطيع الطبقة العاملة وبقية شرائح المعدمين من تغيير الحال والانتقال الى منظومة حكم جديدة من شأنها خلق تبدلات جوهرية في طبيعة العلاقات الاجتماعية،فكانت تسمية المثقف العضوي التي مازالت الى اليوم تلقى صدىً وإهتماما كبيرين في الدراسة والتحليل. كما إن غرامشي وضع على عاتق المثقفين الذين يتبنون قضايا مجتمعهم مهمة سد الثغرة التي تحصل بين الطبقة الحاكمة والطبقات المحكومة ، وهذه العملية قد تكون عملية ربط بين الفئتين أو عملية خلق لمناخ تغييري وهو الارجح في تصوراته،أو إنها عملية تفاعل بين متطلبات الطبقة الحاكمة والطبقات المحكومة،هذه المهمة هي التي تستطيع أن تخلق الكتلة التاريخية،أي إنها بإختصار فكرة تتعلق بالمثقفين العضويين، وإشترط غرامشي إضافة لذلك إستمرارية هذا الالتقاء لما بعد تحقيق المهمة الانية التي من أجلها قامت الكتلة التاريخية،وهو بذلك ميز بين فكرة التحالف والجبهات وفكرة الكتلة التاريخية،لكن ماينبغي التأكيد عليه هو إن الكتلة التاريحية عند غرامشي مفهوم طبقي  أيضا،لكنه يختلف عن ماركس ولينين بأنهما أرادا لكل العمال أن يتوحدوا مع كل الفلاحين في تحالف طبقي ستراتيجي في حين إن غرامشي بمفهومه للكتلة التاريخية أراد لشرائح المثقفين من الطبقات الفقيرة فقط أن يشكلوا تحالفا أطلق عليه الكتلة التاريخية،فالكنيسة في الجنوب الايطالي التي دعا للتحالف معها من قبل اليسار القوي في الشمال لوجود التطور الصناعي هناك ، لم تكن هذه الكنيسة مدعوة كواحة ربانية أو لانها تمثل النزعة الدينية في المجتمع بل لانها كانت تمثل الشريحة المثقفة في وسط فلاحي متخلف ،فكان الاساقفة والكرادلة هم المثقفين في هذا الوسط وعلى هذا الاساس تمت الدعوة لتشكيل الكتلة التاريخية معها. وحتى محمد عابد الجابري ذهب بإتجاه طبقي عندما دعا في ثمانينات القرن المنصرم الى تكوين الكتلة التاريخية ( تضم جميع القوى الفاعلة في المجتمع والتي من مصلحتها التغيير في اتجاه تحقيق الأهداف الوطنية)، إلا إنه توسع كثيرا في شرح القوى الفاعلة مقترحا عدة تكوينات وتنظيمات سياسية بما فيها الجماعات الاسلامية التي لم تكن لها باع في الحكم يومها ، مضيفا لها بعض من شرائح المتنفذين في الحكم ولم يستثنِ منها الا من لم يرد هو أن ينضم اليها ، وواضح إنه مفهوم فضفاض رغم إعتماده على فكرة التقسيم الطبقي في المجتمع ، حيث إنه كان يشبه الحال في الدول العربية كما لو إنها لم تزل تحت الهيمنة الاستعمارية المباشرة.أما الكتل التاريخية في أميركا اللاتينية والتي تشكلت في مقارعة الانظمة الدكتاتورية المدعومة من أميركا فإنها تشكلت أيضا على أساس الخلط بين المصالح الوطنية والطبقية في آن، يوم كان النضال الطبقي مرتبط كليا بالنضال التحرري للانعتاق من أشكال الاستغلال المباشر وغير المباشر من قبل الرأسمال الاميركي خصوصا والغربي عموما، وإن الكنيسة كانت أيضا جزءا من القوى المناهضة للوجود الغربي ــ الاميركي في بلدانها،لذلك برز قساوسة يساريون بإمتياز آمنو حتى بالماركسية كطريق للتغيير. إلا إن مايؤخذ على هذه الكتل التاريخية هي عدم ديمومتها كما هي فالبعض منها إنحل بمجرد تحقيق الاهداف والاخر تحول الى حزب سياسي لم ينجو من الانشقاقات والانحرافات وغير ذلك .

من الملاحظات الواجب التذكير بها هنا إن التحالف مع الكنيسة سواء عند غرامشي أو في أميركا اللاتينية بغض النظرعن الوضع الطبقي للكنيسة هناك فالمؤكد إن الكنائس المعنية بالكتلة التاريخية لم تكن ممثلة في الحكم بالمطلق بل إنها كانت مضطهدة ، ومن هنا أريد التوجه نحو فكرة تشكيل الكتلة التاريخية في العراق المطروحة منذ وقت ليس بالقصير ويجري التأكيد عليها في أيامنا هذه ، فهل إن القوى الاسلاموية المستهدفة في تشكيل الكتلة التاريخية ، قوى غير ممثلة في الحكم ؟ وهل إنها وإن حوت الكثير من شرائح الفقراء المسحوقين والفئات المهمشة ، تمثل بحق مصالح هؤلاء؟ أم إن إتباع هؤلاء لهذه الكتلة أو تلك من قوى الاسلام السياسي جاء بحكم الخطاب الديني الاسلامي العريض عادة والذي يستفيد منه المسحوق كما الغني في نفس الوقت ؟

إن إنحسار شعبية اليسار وأغلب القوى الديمقراطية في العراق والمنطقة مرتبط بعوامل عدة إستفادت منها قوى الاسلام السياسي فإكتسحت تلك القواعد الجماهيرية بوعود دينية لم يقبض منها المسحوقون والمهمشون شيئ منذ إعتلت سدة الحكم قوى الاسلام السياسي بشقيه وبمختلف تلاوين التنظيمات التي تشكل جبهات وكتل العمل السياسي منذ مابعد السقوط في 2003 والى يومنا هذا،لربما كانت فكرة الكتلة التاريخية أكثر نضوجا يوم كانت الدكتاتورية تحكم في العراق وكانت القوى السياسية جميعا مناهضة لها بما فيها الشيوعيون واليساريون وقوى الاسلام السياسي ، إلا إن هذه الاخيرة تعاملت خاصة بعد وضوح وقرب سقوط الدكتاتورية بكل عنجهية وبإستعلاء على إنها الممثل الاجدر والاكثر شعبية من بقية القوى السياسية الاخرى دون النظر الى التاريخ وحجم التضحيات التي قدمتها تلك القوى ، لكنها ــ أي قوى الاسلام السياسي ــ راهنت على تصدرها المشهد بالاستفادة من فكرة التقسيمات الطائفية التي لوح بها الاميركان قبل سقوط النظام، لذلك فإن فترة مابعد الاحتلال الاميركي لم تشهد تحالفا ولا حتى تقاربا بين قوى الاسلام السياسي وقوى اليسار والديمقراطية الا بقدر ضئيل جدا وببراغماتية واضحة من قوى الاسلام السياسي ، أي بإختصار إن قوى الاسلام السياسي لعبت دورا سلطويا من جهة وبعضها بالاضافة لذلك لها دور إنتهازي في إستغلال مشاعر بسطاء الناس وإستقطابهم الى غيبيات ماعادت تنطلي على أحد،فبعض قوى الاسلام السياسي تدعي مطالبتها بالخدمات شعبويا ووزراء الخدمات في الحكومة هم ممثليها في السلطة ، وتهم الفساد تلاحقهم والاخرون من نفس الكتلة يدعون التصدي لمحاربة الفساد والمفسدين،والحراك الجماهيري يتصاعد وتحاول هذه القوى نفسها ركوب الموجه والادعاء بالتحشيد الجماهيري المليوني في لعبة مكشوفة الاهداف والنوايا.من كل هذا فإن فكرة الكتلة التاريخية مع هذه القوى وشبيهاتها تعد شيئا من الخيال غير المجدي ، فلايمكن لقوى تمثل مصالح الفقراء والمهمشين أن تتحالف مع قوى كانت سببا رئيسيا في تهميش وإفقار هؤلاء.

كما لابد من التأكيد على قضية هامة هي ما يشير اليها البعض من الكتاب أو الكثير من الناس الا وهي فكرة التحولات الفكرية عند بعض رجال الدين أو ابنائهم نحو الماركسية وتبنيها كنهج ، أو العكس التحول الذي طرأ عند بعض الشيوعيين والديمقراطيين بإتجاه تبني الفكر الاسلامي كمرشد عمل على إنها عوامل مساعدة في تكوين الكتلة التاريخية ، والحقيقة إن ذلك لايدخل سوى في عملية الارهاصات والتبدلات الفكرية عند الناس تبعا للتجربة الشخصية أو التجربة العامة وليست مؤشرا الى إمكانية تحالف تلك القوى المستفيدة من هذه التبدلات.

تبقى ملاحظة أخيرة أعتقدها أيضا من العوامل الهامة في إعاقة تشكيل الكتلة التاريخية ، هي إن قوى الاسلام السياسي قاطبة تستند الى الدين الاسلامي بكل نصوصه المقدسة وتعاليمه كمرشد للعمل، والدين الاسلامي يختلف هنا عن الديانة المسيحية في كون هذه الاخيرة دين عبادات أكثر منه دين معاملات في حين إن منظري الاسلام السياسي ورجال الدين الاسلامي يعتبرون إن ماجاء به الاسلام نظرة متكاملة للحياة بكل جوانبها ، وهم عادة لايرتضون لفكر أو فلسفة تسير الى جانبهم فكيف بمن يطرح البديل عنهم، لذلك فإن أي تقارب على أي أساس كان من قبل قوى الاسلام السياسي مع غيرها من القوى السياسية التي لا تستند الى الدين كفكر وموجه لعملها فإن هذا التقارب يحمل الكثير من علامات الاستفهام ليس أقلها الانتهازية أو لتفويت فرصة ما على الاخرين أو إنه غطاء لتمرير أشياء أخرى لايعلمها أحد غيرهم.

  كتب بتأريخ :  الخميس 27-08-2015     عدد القراء :  1476       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced