التضامن وطن
بقلم : تحسين المنذري
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

وجوه لا تلفحها الشمس الا لماماً، ابيضت وأصفرت حتى تظنها وجوه لئيمة ، شابات بعمر الورد لاينقص أي منهن الجمال في كل مظهرها ، شباب مفتولي العضلات تنز ملامح الصحة من وجوههم ، لاينقصهم أي شيئ من مستلزمات الرفاهية العصرية، ما الذي يحمل كل هؤلاء على التفكير بهموم غيرهم ؟ ما علاقتهم بمشاكل الشرق الاوسط وهم يقبعون على سقف العالم في أقصى الشمال الاوربي؟ هذه بعض من أسئلة راودتني وأنا أقف اليوم في وسط تجمع تضامني مع المهاجرين الاجانب القادمين من بلدان الحروب والانظمة المتخلفة ، لم تكن نسبتنا نحن الذين نشترك في السحنة والاصل مع المهاجرين الجدد لتزيد عن عُشر من خرج للتضامن مع نظرائنا ،لكن نظرات الود والتعاطف والتضامن كانت تحيطنا وكأنهم يريدون أن يقولوا لنا مرحبا مرة أخرى .

في بدايات عام إشتداد الحرب الاهلية (2006) خسرت عائلتنا شابين هما أبني أختي اللذين ذهبا ضحية مذهب لم يختاراه ، وصراع لم يتسببا ولا بمقدار واحد بالمليون في نشوءه وتطوره ، بريئان حد البياض من كل ذنب، فكانت الخسارة موجعة جدا ، مؤلمة حد لاينفع معها التأسي بأي شيئ ، كان لي جار سويدي كبير السن عرف مني الحادثة ، وتألم معي وتضامن وحاول بشتى الطرق أن يواسيني ويخفف عني ، وصار يتابع أخبار الوضع العراقي كل يوم ، ويأتيني في الصباح ليقص عليّ ماحصل بالامس في العراق من تفجيرات لمفخخات وعبوات ناسفة وإستخدام حقير ولئيم لكاتم الصوت، ويتابع تصريحات وسخف مسؤولينا الذين أخزونا فكنت أحاول أن أبعد شبهة تخلفهم وكذبهم وفسادهم عن نفسي أولا وعن الناس الطيبين من أبناء الشعب ممن كانوا ومازالوا ضحايا لعسف الانظمة التي حكمتهم ، وفي كل مرة كنت  أقص عليه حكاية عن صدق وأمانة العراقيين المحبين لوطنهم المخلصين لمستقبل أجيالهم وأبنائهم ، بالطبع كان يصدقني ويتأسف لما وصل اليه حال البلد في ظل حكم شلة السفلة السراق والخونة ، تذكرته اليوم وترحمت عليه من كل قلبي ، لأن من رأيتهم اليوم متضامنين مع محنة اللاجئين هم إمتداد طبيعي لهذا الرجل .

لم يفكر أحدٌ من المتضامنين اليوم بأصول القادمين الجدد ، ولا بلونهم ،ولا بديانتهم ولا بملكياتهم ولا بأي شيئ سوى إنهم بشر يبحثون عن الامان، بل إن إحدى اليافطات كُتب عليها ، إن الهجرة لاتعني البحث عن الرفاهية بل البحث عن الامان فلنكف عن الكلام الزائد!! كما إن المتضامنين لم يخشوا على منجزات مجتمعهم من الخراب والتراجع ، ذلك ببساطة لان ماتم بناؤه لم يكن عن عبث ولم يأتِ من فراغ ، وليس طارئا ، بل إن كل مافي المجتمع جاء عبر سنوات وأجيال من الجد والا جتهاد والتبحر في العلوم والاستفادة المثمرة من تجارب الاخرين ، وبأموال المواطنين أنفسهم وليس بمنة من حكامهم أو من مساعدات الاخرين المشروطة بالولاء والتخلي عن الوطنية، لأن كل ماموجود له أساس متين يمتد عبر مسامات الانسان نفسه ، لأن المتضامنين كانوا وطنيين حد النخاع لم يخافوا على وطنهم من تلون السكان، فالوطنية عندهم ليس شعارات جوفاء ولا أغاني حماسية ولا عداوات مع الجوار وإتهامات رخيصة للاخرين بالخيانة ورفض المختلف وشتيمة الرأي الاخر ، الوطنية عندهم ببساطة هو أن تشتري منتوج وطنك حتى وإن إرتفع سعره عن المستورد ، أن تدفع الضريبة وأنت مطمئن البال مرتاح الضمير فما دفعته سيعود عليك منافعا ، صحة وتعليم وطرق حديثة ووسائل إتصال ووسائط نقل متطورة ومن آخرماتوصل اليه العقل البشري ،الشعور الوطني هو ببساطة تطبيق القوانين وعدم مخالفة الانظمة والتعليمات الحكومية والمؤسسية وإرشادات السلامة في كل شيئ، الوطنية عندهم ببساطة هي أن تحافظ على نظافة ومظهر مسكنك والطرقات المحيطة به والشوارع العامة والحدائق والمتنزهات وأماكن لعب الاطفال، كما تحافظ على نظافة بدنك ومظهرك اللائق ، وسوف يتعلم القادمون الجدد إن كل ذلك عليهم أن يفعلوه ويقفون بالدور بإنتظام كي يكونوا مواطنين صالحين في هذا المجتمع ويستحقون حمل جواز سفره وثيقة تؤدي الى إحترام المرء أينما حل وترحل . نعم سوف يصطدم القادمون الجدد بتطبيقات قد تكون صعبة عليهم في بداية الامر ، لكنهم في الاخر سيجدون لذة في تطبيقها والانصياع لمستلزمات الحياة السليمة الهادئة ، وسوف يصطدمون أيضا ببعض العنصريين أو ببعض مظاهر العنصرية في التعامل هنا وهناك لكنها في الاخر مخزية لمن يريد أن يفعلها أو هو يطبقها ، سوف يتضامن معهم إبن البلد الاصلي ضد إبن موطنه الاصلي لانه كان عنصريا في التعامل ، سوف يكتشف القادمون الجدد إن العنصريين قلة قليلة ولكي لايزدادوا لابد لهم أن يتعاملوا بحضارية مع المجتمع الجديد بإنفتاح لايلغي القيم والاعراف التي يؤمن بها اللاجيئ على أن لا تتعارض مع المجتمع الجديد ، وسوف يتعلم القادمون الجدد وأبناءهم إن الدين والمعتقد من حقوقهم التي لاينتزعها منهم أحد بشرط ألا يطبقوها بما يؤثر على حرية الاخرين ومعتقدهم ، وسوف يتأكد المهاجرون إن لا أحد يقدر أن يملي عليهم رغباته وشروطه إلا بقدر ماتسمح به قوانين العمل والبلد والاصول العامة .سوف يكتشفون وببساطة ماذا تعني كلمة إنسان !!

  كتب بتأريخ :  الأحد 13-09-2015     عدد القراء :  1488       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced