عميدة الرفيعي
بقلم : بشرى برتو
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

شرفتني الرابطة في بريطانيا للحديث عن فقيدتنا السيدة عميدة الرفيعي

عرفت عميدة في عام 1949-1950 لا استطيع تحديد الفترة بالضبط.  كانت عميدة قد قضت فترة في دمشق مرافقة لاخيها الاكبر الذي كان يدرس في جامعة دمشق وكانت هي ما تزال طالبة في المدرسة المتوسطة . وكانت متأثرة كثيرا بأخيها وبافكاره. وكان اخوها حسين الرفيعي عضوا في الحزب الشيوعي العراقي، وفي دمشق ارتبط بالحزب الشيوعي السوري. وكانت علاقته بمسؤولي الحزب السوري علاقة وثيقة بحيث تعرفت عميدة على اغلب قادة الحزب الشيوعي السوري وتأثرت بهم.

ولدت عميدة في ظل عائلة نجفية عريقة وجوهها من اشراف المدينة الموقرين هي عائلة الرفيعي. وكان والداها الاثنان من هذه العائلة. وكان اهم شخصية في عائلة الرفيعي جدها لوالدتها السيد جواد الكليدار الذي دام سادنا للروضة الحيدرية لستة واربعين عاما فملك ملكا وفيرا وكان يعتبر من اكبر ملاكي الاراضي في العراق ومن اغنى اغنياء البلد وبالاضافة الى ذلك كان نقيب اشراف بني هاشم (السادة) في مدينة النجف.

اردت من ايراد الانتماء العائلي ان ابين امرين الاول ان انتمائها وكذلك انتماء اخيها الى الحزب الشيوعي لم يكن اساسه الحالة الطبقية وانما كان وعيا فكريا ايديولوجيا. والامر الثاني هوما وصل اليه نفوذ الحزب الشيوعي الفكري في العراق في فترات متباينة ومتتابعة بحيث وصل تأثيره الى ابناء مثل هذه العائلات.  

جاءت عميدة من الشام ودخلت ثانوية الاعظمية للبنات حيث كنت انا طالبة نشطة سياسيا وطلابيا. وارتبطت بي منذ وصولها وكنا ننشط معا وتوثقت منذ ذلك الحين علاقات الصداقة الوثيقة بيننا فقد كنا في الصف نفسه الصف الثالث متوسط وفي زمن يقرب من نهاية العام الدراسي. واستمرينا معا وانهينا الثانوية واختلفت توجهاتنا الدراسية ولكننا بقينا نعمل معا لفترة طويلة ونمت صداقتنا ايضا.

عملت عميدة في الرابطة منذ ايامها الاولى واعتقد انها كانت من الموقعات على طلب اجازة جمعية تحرير المرأة نظرا لوضعها الاجتماعي واسم عائلتها الكبير ولكن ذلك لم يشفع لنا ايضا في الحصول على الاجازة وكانت احدى الحاضرات النشطات في الاجتماع التأسيسي لرابطة الدفاع عن حقوق المرأة. ثم نشطت في الرابطة ومثلتها في اكثر من مؤتمر عالمي وعربي

لا اتذكر سبب مغادرة عميدة العراق لتكملة دراستها في خارج العراق عام 1954. سافرت الى لندن وعملت في جمعية الطلبة العراقيين النشطة جدا في ذلك الوقت. التقيتها في اوروبا صيف 1955 فقد غادرت انا ايضا لتكملة دراستي في بلجيكا بسبب فصلي من الدراسة في العراق وقرار والدي ياكمالي الدراسي على حسابه الخاص. وكان لقائي بها في مهرجان وارشو العالمي  للشبيبة والطلبة ، ثم زارتني مرتين في بلجيكا رافقتها في واحدة منها العزيزة الاخت سهيلة درويش، وزرتها مرة في لندن .وكنا على صلة فيما يتعلق باخبار ونشاطات الرابطة ففي ذلك الوقت كانت السيدة خانم زهدي ممثلة الرابطة في الاتحاد النساي الديمقراطي العالمي وكانت صلتنا بها دائمة.

لا اتذكر متى عادت عميدة الى العراق، ولكنني عدت بعد ثورة تموزبستة اشهر وكانت هي موجودة في بغداد على ما اتذكر. ومع بداية انتكاسة ثورة تموز تزوجت عميدة من احد الشيوعيين النجفيين سليم الميرزا.

وقد اضطرتها ظروفها بعد الزواج ان تنقطع عن النشاط في الرابطة بسبب ظروف عمل زوجها السرية وسكنها في دار حزبية خاصة. وانجبت ولدا عمار وبنتا عايدة ولعميدة اربعة احفاد من ابنها.

كانت عميدة ذات شخصية مستقلة الى حد بعيد فلها دائما رأيها الخاص الذي تتمسك به وهي لا ترضى بتسويات للمشاكل التي تواجهها على حساب استقلالها الفكري والشخصي والاجتماعي مهما شكلت تلك المشاكل من صعاب بالنسبة لها وكانت شخصيتها هذه احيانا تثير حولها استغراب ومعارضة من لا يقبل مثل هذه الشخصية وهم كثر بين الاهل والاصدقاء وحتى الرفاق. وقد واجهت بسبب ذلك مصاعب شتى في حياتها وخاصة بعد اغتيال اخيها الذي كان سندها الدائم. وبسبب طبيعتها هذه حصل الطلاق مع زوجها  مما ادى الى ان تفقد الحياة الاجتماعية العائلية واضطرت الى المغادرة للعيش مع والدتها واختها في النجف. ولكن علاقتها مع من تبقى من عائلتها ساءت بسبب اصرارها على استقلاليتها هذه في وقت كان الاهل يخشون العمل السياسي (عهد صدام حسين) فضلا عن خشيتهم وهم في مركز نفوذهم (مدينة النجف) من النظرة الاجتماعية المتخلفة المرتبطة بتقاليد لم تكن هي قادرة على تقبلها خاصة عندما اضطرت للسكن وللنشاط في مدينة النجف. فقررت ترك النجف والمجئ الى بغداد دون ان يكون لديها اهل مقربون فيها واضطرت للمعيشة عند اقارب واصدقاء والتنقل باستمرار لمدة قد تكون جاوزت السنتين. كل هذا وهي مستمرة على عملها ونشاطها الحزبي, وفي الفترة التي تبعت انفراط الجبهة ومغادرة معظم الرفاق للعراق عاشت ظروفا عصيبة وخاصة بعد انقطاع مورد المعيشة بالنسبة لها وفصلها عن العمل حيث كانت قد درست الاقتصاد في بلغاريا بعد زواجها  وعملت كموظغة في احد البنوك في بغداد. ومع انهيار الوضع المادي للعائلة، وكذلك مع تزايد صعوبات الحزب بسبب تفاقم  ارهاب السلطة البعثية.

افترقنا حيث بقيت هي في العراق وغادرت انا مع من غادر وانقطعت اخبارها تقريبا عني الا نادرا عندما اجد من يعرفها قادما من العراق. ولم استطع الاتصال بها بسبب ظروف العراق. ولكنن لقيتها بعد سقوط صدام وذهابي الى العراق بعده بشهر. وكانت قد استعادت بعضا من ظروف الحياة المقبولة نسبيا وكانت تعيش مع ابنها وعائلته وكذاك  اختها في دار اهلها مع احتفاظها ياستقلالية خاصة بها وكانت قد عاودت الصلة بالحزب وبالرابطة ولكن صلتها هذه لم تكن مرضية لها فقد كان لديها وقت فراغ كبير كانت تتمنى ان تملآه بالنشاط ولكنها لم تجد المكان الملائم في الرابطة حتى انها لم تدع لحضور المؤتمر الاول للرابطة بعد السقوط . ولكنها استمرت تحضر كل المناسبات والفعاليات والنشاطات الوطنية والرابطية والحزبية. وشاركت في مظاهرات شباط 1912 واصيبت بالتدافع اثناءها.

كانت عيدة متمسكة الى ابعد الحدود بهويتها الشيوعية وفي سبيل مبادئها والحزب كانت مستعدة دائما لتقديم اغلى التضحيات و كانت متفانية دائما في تنفيذ المهام الواقعة على عاتقها. اهتمت بتثقيف نفسها وكانت كثيرة القراءة والاطلاع ونشطة الفكر وقد عملت في احدى الفترات من حياتها في الصحافة وكتبت كثيرا لها.

اصيبت عميدة بمرض الكآبة في السنتين الاخيرتين من حياتها وتوفيت بمرض عضال في الثامن عشر من جزيران 2015 الماضي.

ستبقى ذكرى عميدة الرفيعي لدى كل من عرفها  وعمل معها كما ستبقى ذكراها في سجل الحركة النسائية العراقية عطرة وخالدة.

بشرى برتو

لندن  4/10/2015

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 06-10-2015     عدد القراء :  1749       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced