الاحتجاجات المطلبية في العراق الى أين؟
بقلم : تحسين المنذري
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

قرابة الستة أشهر منذ أنطلاقة المظاهرات المطلبية في البصرة وبغداد والتي تبعتها محافظات أخرى تزايد عددها في فترة ما ومن ثم تقلص.

ستة أشهر من الشد والجذب بين المتظاهرين والسلطة السياسية ورموز الفساد المتنفذين فيها، لكن هذه الستة أشهر لم تستطع أن تغير من واقع حال الشعب ولم تبعد فاسدا واحدا مهما صغر حجمه عن موقعه، إلا إن الستة أشهر هذه شهدت تقلص المظاهرات وإقتصارها الان فقط على عشرات في كل محافظة مع إحتمال إندار أكثر في الاعداد، ومهما بذل القائمون على مظاهرات بغداد من محاولات لزيادة الاعداد مثل دعوة ممثلين عن كل محافظة أو الاستفادة من مؤتمرات للمرأة والطلبة وغير ذلك من طرق جذب أعداد جديدة للمظاهرات ، لم ينفع كل ذلك في الاستمرار في الزيادة بل كانت تبرز في كل جمعة جديدة ظاهرة تقلص الاعداد بشكل مؤسف.

ستة أشهر وأسلوب الاحتجاج واحد لم يتغير والشعارات من نمط واحد أيضا، رغم محاولات محدودة جرت للتظاهر أمام البرلمان أو مجلس القضاء الاعلى، لكن في كلا الحالتين كان الاسلوب هو نفسه والشعارات هي نفسها.

في تأريخ العراق الحديث منذ نشوء الدولة العراقية والى الان تراث حافل بالنضالات المطلبية والحركات الاحتجاجية، وتحولت تقريبا أغلب الحركات المطلبية الى حركات مناهضة للحكم بشكل واسع ولعل من الامثلة الساطعة إضراب عمال نفط كركوك عام 1946 والتي عرفت بإنتفاضة (كاورباغي) والتي بدأت بحركة إحتجاجية مطلبية لعمال النفظ وتطورت الى إنتفاضة باسلة شاركت فيها جموع غفيرة من ابناء الشعب الكادحين من غير عمال النفط، أو إنتفاضة تشرين عام 1952 والتي بدأت بإعتصام مطلبي لطلبة كلية الصيدلة وإنتهت بإنتفاضة شعبية عارمة شاركت فيها كل الاحزاب الوطنية آنذاك وأسقطت حكومة وكذا الحال مع إنتفاضة آل إزيرج والتي بدأت أيضا بتظلم الفلاحين من جور الاقطاع وصارت إنتفاضة ضد النظام الملكي، وغير ذلك الكثير من الامثلة التي تشكل إرثا نضاليا ممكن الاسنفادة من دروسه في تطوير النضال المطلبي الحالي في العراق، ولعل أبرز ملاحظة في كل تاريخ الحركات الاحتجاجية ـ المطلبية إنها لا تخيف السلطات الا بتبنيها شعارات سياسية تمس صلب عقلية الحكومات والتي هي أساس كل التقصيرات في الخدمات والاجور أو بإستشراء الفساد في مؤسسات الدولة، ولم يكتب النجاح لاي حركة إحتجاجية اذا إقتصرت على قضايا مطلبية بحتة إلا بشكل محدود في بعض القطاعات التي لاتهم السلطات تطورها من عدمه، كما إن الحركات المطلبية والاحتجاجية عموما لم تهادن قوى مشاركة في الحكم ولم تسمح لها بالمشاركة معها برفع نفس المطاليب مالم تتخلى تلك القوى عن مشاركتها في السلطة علنا وتبرئ نفسها من أخطاء وخطايا الحكم، وإعتمدت جميع الحركات الاحتجاجية على قواها وما تستطيع تحشيده من قوى أخرى ( طبقية أو سياسية)  دون اللجوء الى مساعدات مشروطة من أحد أو مساعدات لأغراض غير التي قامت الاحتجاجات من أجلها، أي إن مشاركة قوى يُشك في نواياها لم يكن مسموحا به أو في الاقل مرغوبا به وبالتالي لايكون هناك أي تعاون بين القوى المنتفضة والاخرين الطارئين، فكيف إن كان هؤلاء الطارئون مشاركين في الحكم أو هم متهمون أصلا في تردي الخدمات وتحوم حولهم شبهات الفساد وغيرها. ولعل هذه المسألة كانت من بين الامور التي أصابت المظاهرات بالضمور حينما قبل القائمون على تنسيق المظاهرات بدعم من جهات كانت أساسا داعمة ومتسببة في صعود الفاسدين الى دفة الحكم وأيضا قبول مشاركة قوى أخرى لها يد طولى في الفساد وتردي أحوال البلد.

إلا إن أكثر ماتؤاخذ عليها الحركات الاحتجاجية الحالية هي عدم إستفادتها من تجارب الماضي العراقي والذي من بين ذلك ثبات إسلوبها وعدم تطويره أو تغيير بعض الشعارات التي لم تعد تلبي حاجات الناس أو إنها غير مباشرة في طرح المشاكل بل وحتى في إتهام السلطات التي سارعت منذ إنطلاق موجة الاحتجاجات الى محاولات ركوب الموجة وإمتصاص زخم المظاهرات بإعلانها عن تبنيها لمشاريع إصلاحية على ضعفها وثانويتها لكنها لم ينفذ منها شيئا الى الان!!

وليس متأخرا أن نقول إن السلطات الحاكمة لم تعد حديثة العهد بالحكم واساليبه وإلتواءاته وليست غبية لدرجة الانجرار الى مصادمات دموية غير محسوبة العواقب، وبقدر سعيها لتجاوز مطاليب المتظاهرين وجعلها من ثانويات إهتماماتها، إلا إنها في عين الوقت تخشى تمرد الشارع عليها خاصة إذا ما أقترن بمحاولات تعطيل مصالح الناس، فما ضر القائمين على تنسيق المظاهرات أن يقوموا بإحتجاجات سلمية أيضا، تلك السمة التي يصر المنسقون على التمسك بها ـ وهم على حق ـ لكن هذه الاحتجاجات تأخذ طابعا أكثر تأثيرا على الحكم مثل قطع الجسور بأجساد مجموعة من المحتجين، أو قطع الشوارع الرئيسية وفي أوقات الذروة، مع رفلع شعارات توضح للناس اسباب قطعهم للطرق وتعتذر عن الازعاج ويا حبذا لو تكون تلك الشعارات واليافطات تحفيزية للاخرين كي يشتركوا مع المحتجين في إحتجاجهم ومساعدتهم، أو التجمع بوقت مبكر أمام وزارات ودوائر الخدمات المهمة ومحاولة منع كبار الموظفين من الدخول ورفع شعارات إقالة هؤلاء وبإسم الشعب، وربما لدى الناس أفكار أخرى مفيدة أيضا، ماضر المنسقين لو إنهم يستمعون لما يريده الناس منهم من تطوير لاحتجاجاتهم، أخشى أن يستمر تناقص المتظاهرين وأن يجد المنسقون أنفسهم في جمعة ما وحيدين في الساحة، سيستحقون التحية آنذاك،  لكن في نفس الوقت المواساة لانهم لم يستثمروا الفرصة.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 13-01-2016     عدد القراء :  1743       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced