اقتحام السماء .. تأملات في الحراك الشعبي (3)
بقلم : رضا الظاهر
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

تقديس العفوية .. تنظيم الصراع

عندما تتفجر مشاعر الغضب، ناهضة من ركام السخط .. وتتعالى أصوات الاحتجاج منطلقة من المعاناة، وقد طحنت برحاها ضحايا الاضطهاد .. ما من أحد يحق له أن يجلس على أرائك التنظير، منتقداً عفوية من يشقّون طرق التحدي، مبادرين باشعال فتيل مجابهة النظام القديم .. وما من أحد يحق له أن "يتبطر" في اطلاق "خطأ" العفوية و"صحة" التنظيم ..

غير أنه ما أن تنضج المشاعر على نيران وعي هادئة لابد للرؤية أن تتضح، وللعقلانية أن تسود، وللواقعية أن تطغى.. وعندئذ تخلي العفوية المكان للتنظيم، إذا ما أريد لحيرة الثوريين وهزائمهم أن تتوقف، وتترك الساحة لأيام ظافرة تفضي الى الغايات الساميات..

* * *

الآن بات جلياً أن القوى السياسية والاجتماعية لم تكن مستعدة، على النحو المنشود، للتحول النوعي الذي تمثل في تراكم السخط وانتقاله الى احتجاج .. وقد تركت هذه "الغفلة" الحراك الشعبي أسيراً للعفوية في البداية، وارتباط هذا الميل بالاستهانة بدور الأحزاب والمنظمات السياسية، ومحاولة بعض قوى الحركة الاحتجاجية تهميشها وحرمان الحراك من عنصر الوعي المنظم.

وفي هذا السياق لا يندر أن نجد بعض "الثوريين" يبررون خنوعهم الذليل أمام العفوية، متخذين موقف تقديسها، ومتمسكين بالنظرة "الطفولية" القائلة بأن اندفاع الجماهير المحرومة قادر، وحده، على انجاز الاصلاح أو التغيير. ويزدري هذا البعض دور التنظيم السياسي، وهو الذي يشكل الأساس في خلق وبلورة وتعميق الوعي بضرورة التغيير سبيلاً لانقاذ البلاد من الأزمة.

ويجري، في هذا الاطار، خلط ملتبس عندما يطرح التصوران حول العفوية والتنظيم في افتراق وتعارض. ومن المعلوم أن "العنصر العفوي" هو، في جوهره، شكل جنيني للوعي، ذلك أن الاحتجاجات ذات الطابع العفوي تكشف عن نمط من استيقاظ الوعي.

والإشكال، في الواقع، ليس في الانفصام والتناقض بين العفوية والتنظيم. كما أنه لا يمكن حل معضلة التأثير المتبادل بين "السياسيين" المنظمين والجماهير العفوية عبر أفكار ثورية مجردة، بعيدة عن الواقع، تنتقد وتخطيء وتسيء فهم رفض استجابة الناس "الجهلة" أو "السلبيين" لما يرغب به "السياسيون الثوريون".

لا حراك بدون قيادة

واذا كان بوسعنا أن نصف عام 2011 بأنه عام انتفاضات واحتجاجات "عفوية"، كان أسطعها مثال مصر، حيث ملأ الملايين ميدان التحرير، واستمروا في تظاهر واعتصام لمدة ثمانية عشر يوماً حتى أسقطوا نظام مبارك، فان هذا الحدث لا يمكن فصله عن أحداث أخرى ربما كانت أكثر محدودية وأقل تأثيراً، لكنها تتوافق في الدلالة العميقة من أن هناك عملية "تاريخية" تواجه تحديات حقيقية حول المضي الى أمام.

ويمكننا الاشارة الى أحداث جسام بينها، على سبيل المثال لا الحصر، احتلال مبنى الكابيتول في ويسكنسون، واندلاع مظاهرات طلابية في تشيلي، واستيلاء ناشطين على متنزه بالقرب من وول ستريت. ولعل حركة "احتلوا وول ستريت" تقف في المقدمة من هذه التحركات الاحتجاجية المندلعة في قلب عالم رأس المال.

غير أن هذا التفاؤل، الذي ينعش أرواحنا، يظل قاصراً مادام في حدود "العفوية". ولابد من تحويل مشاعر السخط هذه الى أفعال ملموسة، منظمة، اذا ما أريد لها أن تحقق أهدافها المشروعة.

إن من الخطأ الجسيم وضع العفوية في معارضة التنظيم. فهناك علاقة ديالكتيكية بين هذين العاملين في الحراك الشعبي، وإن ادراك هذه العلاقة وتحديد المهمات الرئيسية في اللحظة الراهنة يعد من أكبر التحديات التي تواجه الثوريين.

وعلى الرغم من دور النضالات العفوية فانه لا يوجد شيء اسمه "عفوية مطلقة". ففي كل فعل لابد أن يتنادى فصيل من الناس ويبادروا الى القيام بهذا الفعل، حتى وإن بدا غير منظم أو غير مترابط. وهو ما يعني، على وجه التحديد، أنه لا يمكن أن يكون هناك حراك دون وجود قيادة له. وهو ما عبر عنه غرامشي بالقول إن "في كل حركة عناصر قيادة واعية وانضباط".

وبوسعنا أن نرى هذه الحقيقة وقد تبلورت بعد ما يقرب من ستة أشهر على نهوض الحراك الشعبي في بلادنا وامتداد شرارته من البصرة ليندلع اللهيب في بغداد وينتقل الى المحافظات الأخرى.

وفي هذا الحراك برز أفراد يتمتعون بالخبرة السياسية وقادة أخذوا على عاتقهم مهمة تنظيم الاحتجاج وتدريب الناشطين والمتظاهرين. وهو ما يذكرنا بتأكيد غرامشي على حقيقة أن "كل حراك عفوي يتضمن عناصر أولية للقيادة الواعية والتنظيم تتجلى، بشكل غير مباشر، في حقيقة أنه يوجد ميل وجماعات ممن يتغنون بالعفوية كمنهج".

لقد حولت طائفة من العوامل المتزامنة الحراك، الذي ابتدأ محلياً وتحول وطنياً، الى أن يكون فتيلاً يشعل نيران السخط الكامن المتعاظم الذي اتخذ أشكالاً ديناميكية وعفوية طرحت تحديات ربما فاجأت المنظمين، وهي مفاجأة تجلت في معظم الأمثلة، وخصوصاً المثال المصري حيث بدأت حرك ثوري في 25 يناير 2011.

وبامكاننا أن نحلل هذا المثال للحراك الشعبي العفوي، وأن نميز عناصر النضالات المحدودة التي قدمت، في وقت لاحق، نماذج من ابداع المحتجين وأفعالهم الجريئة ومبادراتهم الثورية الفردية والجماعية. وقد بدا كما لو أن "الثورة" المصرية جاءت من العدم، غير أنها كانت، في الواقع، مسبوقة بنضالات مطلبية وسياسية على مدى سنوات، وربما عقود حيث اندلعت "انتفاضات الجياع".

وحين يبدأ الناس بالتوجه نحو صراع مفتوح مع النظام الراهن تطرح أسئلة جديدة، تلزم الثوريين بأن لا يتخلفوا عن الأحداث، وأن يحاولوا، باستمرار، رفع النضال نحو مرحلة أعلى. وفي هذا السياق تقول روزا لوكسمبورغ إنه "في كل مرحلة وفي كل جانب من النضال يجب تحريك مجموع القوة المتوفرة للطبقة الكادحة الذي تم اطلاق العنان له والتعبير عنه في الموقف القتالي للحزب. ولابد أن تكون تاكتيكات الاشتراكية الديمقراطية، على الدوام، أكثر حزماً ونشاطاً مما تتطلبه علاقات القوة الراهنة، وأن لا تكون أقل من ذلك أبداً".

ومن الطبيعي أن تحديد الحركة مهماتها لا يعني الخضوع لعفوية الحراك، وانما أن تضع نصب أعينها مهمات فكرية وسياسية وتنظيمية أكثر تعقيداً مما كان في الفترة السابقة لنهوض الحراك. غير أنه من غير الصواب القول إن الحركة الجماهيرية ستقرر وتحل بنفسها تلك المهمات، إذ لابد من تدخل واعٍ.

وحين تبدأ أعداد غفيرة من الناس بالنشاط فان أول من يؤخذوا على حين غرة هم ليسوا أولئك الذين كافحوا زمناً مديداً، بل هم الحكام الغافلون، ذلك أن الطبقة الحاكمة أقنعت نفسها بأن المقاومة مستحيلة، على عكس الثوريين القادرين على التنبؤ بالأحداث والمستعدين لها.

وهذا غالباً ما يميز ما يسميه ماركس "الثورة الجميلة"، أي اللحظات الأولى للثورة، التي يبدو أنها توحد غالبية المجتمع في النضال ضد النظام القديم. وهو ما تجلى بشكل دراماتيكي عندما سقط نظام حسني مبارك، حيث بدا أن المجتمع كان، بأسره، متحداً وراء شعار واقعي بسيط "الشعب يريد إسقاط النظام".

وهكذا فان الجماهير تدخل الحراك عفوياً، غير أن هذا لا يجعل تنظيم الصراع أقل ضرورة، بل يجعله، على العكس، أكثر أهمية وإلحاحاً.

تلازم الاحتجاج والسياسة

لا ريب أن النقد الذي يوجه الى التظاهرات والحراك الشعبي بشأن افتقاده الى القيادة الواضحة ينطوي على قدر غير قليل من الصحة. فحظوظ نجاح الحراك محدودة ما لم تحسن إدارته ويتم التوصل الى فرز قيادة جماعية واعية صاحبة إرادة قوية وفاعلة وديناميكية قادرة على تنسيق فعاليات الحراك مكانياً وزمانياً على صعيد كل محافظة وعلى الصعيد الوطني. وعليها، أيضاً، توحيد المطالب وفق أولويات واقعية سليمة وبرنامج واضح.

ويقع الكثير من إرساء أسس هذا الجانب التنظيمي وتطويره على عاتق الحزب الشيوعي الذي من المنطقي الاعتراف بحقيقة دوره المحوري والحاسم في الحراك الشعبي، آخذين بالحسبان أنه يحرص على الابتعاد عن إعطاء الحراك سمة حزبية، ويركز، عبر طريقة ووجهة عمل نشطائه، على الصفة المدنية والوطنية العامة للحراك.

إن الحاجة تظهر ملحة لبلورة قيادة للتظاهر ليست ضيقة وانما جماعية تستند الى برنامج مقر جماعياً، وتنطلق من قناعة الجماهير بأنواع التنظيم المناسبة. وقد تبلور في الحراك الجماهيري الحالي نمط تنظيمي سمي التنسيقيات.

والمقصود هنا ليس فرداً أو حزباً واحداً بذاته، وانما قيادة يجري اختيارها بارادة ممثلي المتظاهرين في عمليات دستورية شرعية متدرجة لكي ينشأ مركز منسق لا لادارة شؤون التظاهر حسب وانما لادارة مآلاته، والتواصل، بأفضل السبل بين بغداد والمحافظات، وتوفير مستلزمات نجاحه، وتحديد علاقاته وصلاته، وصياغة مطالبه ووثائقه، واختيار وفوده التي تلتقي مع الأحزاب والقوى والجهات والشخصيات المختلفة ذات العلاقة بمصائر البلاد ووجهة تطورها.

ولا ريب أن الحراك الذي لا يملك برنامجاً أو تصوراً واضحاً لما يسعى الى تحقيقه يعيش تشرذماً لقواه وتشتيتاً لطاقاته وعجزاً عن انجاز ما يصبو اليه، وهو ماينبغي تداركه.

والمقصود هنا، بالطبع، برنامج يركز على المشتركات والممكن تحقيقه من الغايات في ظل الظروف الواقعية القائمة في البلاد. وهذا يستدعي، من بين أمور أخرى، تركيز الاهتمام على ادخال عنصر التنظيم تدريجياً في صفوف المتظاهرين، أو في صفوف قوى الاحتجاج الواسعة. فالعفوية والفوضى من شأنها أن تخلق أمراضاً وتؤسس لضعف ونخر في صفوف المحتجين وتؤدي الى عواقب غير محمودة.

ويشكل التنظيم حاجة أساسية لديمومة واستمرارية وفاعلية عملية الاحتجاج والتظاهر. والمعني هنا أطر تنظيمية واسعة وليس تنظيمية حزبية ضيقة. وهذا يتطلب، من بين أمور أخرى، معالجة بعض الطروحات الفكرية الضارة من قبيل أن المظاهرات غير سياسية، وهو فهم مشوه ومشوش ولا يعكس معرفة حقيقة الأمور. فالتظاهر، بكل معناه وطبيعته، والاحتجاج وانتقاد السلطة والمطالبة بالاصلاح ومحاربة الفساد بكل أشكاله، عمل سياسي بامتياز.

وينبغي الحذر، في هذا الاطار، من الموقف السلبي غير الواقعي من السياسة ومعانيها وخلطها بالنزعة الحزبية الضيقة. نعم، من الصحيح الدعوة الى عدم حشر التظاهر والاحتجاج باتجاهات آيديولوجية ضيقة. غير أن هذا لا يعني عزل الاحتجاج عن السياسة، وهما متلازمان عضوياً.

إن كل تعريض بالسياسة والسياسيين وبالأحزاب السياسية دون تدقيق أو تحديد أمر يلحق الضرر بمسار الاحتجاج وآفاق التظاهر. فهناك سياسيون فاسدون وسياسات خرقاء معادية لمصالح الشعب. وهناك سياسيون شرفاء يدافعون عن مصالح الشعب.

في قلب الحراك الثوري العفوي

دار، في الماركسية، نقاش مديد حول المشاركة في الثورات العفوية. وكانت وجهة نظر ماركس تؤكد أن المشاركة ضرورية حتى وإن كان جلياً أن الثورة فاشلة، لأن الهدف هو "تدريب الشعب على الثورة" والارتقاء به الى مرحلة خوض معركة ظافرة.

هذا ما فعله ماركس حيال كومونة باريس حيث كان قد نبه العمال الى أن أوان الثورة لم يحن بعد، وأن كل تحرك سيقود الى مجزرة بحق العمال. غير أنه حين اندلعت الثورة انخرط فيها دون تردد، بالضبط لكي يكتسب العمال الخبرة التي تؤهلهم للانتصار في ثورة قادمة.

ولا يعني هذا أن الشعب لا يخطيء، وأن الثورة ستكون صافية بلا شوائب، وأن كل ممارسات الجماهير صحيحة. فنقص الوعي الفكري والسياسي يفضي الى تجريبية خطرة وأخطاء فادحة وممارسات منفلتة. غير أن كل هذا لا يبرر عدم الانخراط في الثورة، وكيل الاتهامات للشعب على "جهله وتخلفه".

وفي كل حال لا ينبغي تقديس حراك الشعب وممارساته كلها، وانما يتعين تحليلها انتقادياً وكشف أخطارها. كما أنه لا يجب استخدامها لتبرير عدم الانخراط في الثورة. فالجماهير تثور بشكل عفوي، وهذا ليس مبرراً لتحويل "المثقفين" جزعهم الى تبريرات نظرية، والتشكيك بالثورة أو وضع "القواعد النظرية" لما هو ثورة وما هو ليس ثورة. وتتمثل مهمة الماركسي في أن يتجاوز العفوية والوعي البسيط والأخطاء ويسعى الى اكساب الشعب الخبرة والتنظيم.

إن فذلكات الفئات الوسطى هي التي تحكم نمط تفكير الماركسي الذي يضع الشروط على الثورة، فيحدد "قالبها النظري"، ويجعل مشاركته خاضعة لنمط تفكير يريد من الجماهير أن تفعل ما يجب أن يفعله هو لكي يشارك في الثورة، رغم أن الجماهير فعلت ما يجب أن تفعل، أي احتجت ساخطة وانتقلت من السكون الى الثورة. وبالتالي بات على الماركسي نفسه أن ينظم حراك الشعب ويمنحه آلياته التي تجعله قادراً على التطور، ويرسم الستراتيجية التي تقوده الى الظفر، ويرفع الشعارات التي تعبر عن ارادة الشعب ويطرح مطالبه العادلة والملحة، ويقدم البديل الذي يحقق مصالحه ومطامحه.

دروس من كومونة باريس

في الثامن عشر من آذار عام 1871 ارتفعت على قاعة بلدية باريس راية الثورة لتعلن ميلاد أول "دولة" للعمال في التاريخ. وأصاب العالم الرأسمالي الهلع لدى رؤيته هذه الراية تخفق في قلب أوروبا مهددة بالاطاحة بسلطة رأس المال.

وعلى الرغم من أن كومونة باريس لم تستمر اكثر من 72 يوماً، حيث سقط آخر مقاتليها يوم 28 ايار 1871، الا أنها استطاعت، في هذه الأيام القليلة، أن تقدم أغنى الدروس حول مهمات الاطاحة بالنظام القديم وتحرير المجتمع. وأظهرت الكومونة كيف أن البرجوازية لا تلقي السلاح بل تحارب بكل ضراوة أية محاولة لبناء المجتمع الجديد.

لم تقف البرجوازية مكتوفة الأيدي وهي ترى الكومونة تهدد سلطة رأس المال، ورأت أن عليها أن تتحد لمواجهة هذا الخطر، فاتحد أعداء الأمس، بسمارك وتيير، لمواجهة عمال باريس.

أما السبب الرئيسي لهزيمة الكومونة فيكمن في عدم وجود تنظيم مستقل للعمال، بينما كانت أفكار بلانكي وبرودون حول وهم خلود الملكية الصغيرة مهيمنة.

فما هي خبرة كومونة باريس؟ وكيف تجلت بطولة ثوار الكومونة؟

كان ماركس، كما أشرنا، قد حذر عمال باريس في خريف عام 1870، أي قبل الكومونة بأشهر عدة، من أن أية محاولة لاسقاط الحكومة ستكون حماقة دفع اليها اليأس. ولكن عندما فرضت المعركة الفاصلة في آذار 1871، وعندما غدت الانتفاضة واقعاً، حيّا ماركس الثورة البروليتارية بمنتهى الحماس رغم نذر الشر. ولم يصر ماركس على اتخاذ موقف متحذلق لادانة الحركة "باعتبارها جاءت في غير أوانها"، كما فعل الماركسي الروسي بليخانوف عندما كتب في تشرين الثاني 1905 مشجعاً نضال العمال والفلاحين، ولكنه أخذ يصرخ بعد كانون الأول 1905 على طريقة الليبراليين "ما كان ينبغي حمل السلاح".

ولم يكتف ماركس بالتعبير عن الاعجاب الحماسي ببطولة ثوار الكومونة الذين "هبّوا لاقتحام السماء" حسب تعبيره، بل رأى في هذه الحركة الثورية، على الرغم من إخفاقها في تحقيق غاياتها، خبرة تاريخية ذات أهمية عظمى، وخطوة عملية أهم من مئات البرامج والمناقشات.

ووضع ماركس نصب عينيه مهمة تحليل هذه التجربة واستخلاص الدروس منها، وإعادة النظر في أفكاره على ضوئها. وكان "التصحيح" الوحيد الذي رأى ماركس ضرورة ادخاله على "البيان الشيوعي" مستوحى من الخبرة الثورية لكومونة باريس.

وفي آخر مقدمة للطبعة الألمانية الجديدة من "البيان الشيوعي"، والتي تحمل توقيع المؤلفين: ماركس وانجلز، بتاريخ 24 كانون الثاني 1872 يقول المؤلفان إن برنامج البيان الشيوعي "قد عفا الزمن على بعض تفاصيله". ويضيفان: "لقد أثبتت الكومونة شيئاً واحداً، على وجه الخصوص، وهو أن الطبقة العاملة لا تستطيع، ببساطة، أن تستولي على آلة الدولة الجاهزة وتسخرها لخدمة أهدافها الخاصة".

وهذه الفقرة الأخيرة اقتبسها المؤلفان من كتاب ماركس (الحرب الأهلية في فرنسا). وهكذا اعتبر ماركس وانجلز أحد الدروس الرئيسية لكومونة باريس يتمتع بأهمية عظمى حملتهما على ادخاله كتصحيح للبيان الشيوعي.

* * *

في تمرين الكفاح ينبغي للثائرين أن يكونوا بمصاف جرأة "مقتحمي السماء" .. يرون الظفر في الأفق يلوح، ولا يخشون من الاعتراف بالهزيمة .. فماركس نفسه يتحدث عن البروليتاريا التي ستهزم مئات المرات قبل أن تنتصر ..

وفي هذا التمرين ينهض الأمل، فينفتح الدرب المفضي الى ما نريد ..

وفيه ينبغي أن نحدد المهام الجسام الدقيقة في لحظتها الراهنة .. فالأمس مبكر .. والغد متأخر .. واليوم هو الأوان !

وفي ساحات التحرير يضيء الثائرون تاريخ الاحتجاج ممتداً من جلجامش الذي رأى كل شيء حتى نهايات الأرض .. الى الجواهري إذ يقول:

هذا أوان الجولة الكبرى

تبـارك من يجولُ ...

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 10-02-2016     عدد القراء :  1992       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced