هل هناك يسار جديد في العراق؟
بقلم : تحسين المنذري
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

منذ أن عُرف اليسار كمفهوم في عالم السياسة مع الثورة الفرنسية، كان توصيفا للقوى المعارضة الرافضة للواقع والباحثة عن التغيير، ومنذ بدايات القرن العشرين إستوطنت الماركسية بكل تشعباتها ومدارسها الفكرية القوى المعارضة ذات المصلحة الحقيقية في التغيير، والى الان مازال مفهوم اليسار توصيفا للقوى الباحثة عن التغيير وفق مفاهيم ومبادئ متكاملة تمتلك صورة أوضح لما تؤول اليه الامور في التغيير. ومهما حاولت القوى المحافظة ، القوى اليمينية، من تحريف لمفهوم اليسار بإطلاقه على بعض القوى المتمردة عليها ولكنها ضمن نفس توجهاتها ، فإن تلك المحاولات سرعان ماتبوء بالفشل، ويبقى اليسار توصيفا لقوى التغيير الحقيقية ذات المفاهيم العلمية أو التي تدين لهذه القوى بالولاء وعدا هذا لايمكن توصيف القوى التي بمجرد ما تتمرد على حالة معينة أو بحثا عن مكاسب أفضل ، لايمكن إطلاق توصيف اليسارعليها حتى بمختلف تفرعاته اي يسار الوسط أو اليسار الجديد أو غير ذلك.

وفي مختلف الحراكات الاجتماعية ــ السياسية تحدث بشكل عفوي أو مبرمج الكثير من الانسلاخات والارهاصات التي تعيد أحيانا تشكيل المشهد أو إن تلك التغيرات تنتهي مع إنتفاء الحاجة لظهورها،ومنذ أن إنطلقت الحركة الاحتجاجية في العراق بمرحلتها الحالية التي بدأت مع منتصف العام الماضي والى اليوم تتصاعد أصوات متفائلة مع بعض التطورات التي ترافق الحركة الاحتجاجية والتي تبرز عادة مع كل إشتداد للازمة داخل السلطة ، وهذه لعمري قضية مهمة فإن تطورات المشهد الاخيرة لم تأتِ نتيجة لتطور الاحتجاجات أو لشمولها قطاعات جديدة أو لتغيرات نوعية في طبيعة التعبير عن الاحتجاج، بل إنها جاءت بحكم الارهاصات المعتادة داخل الكتل السياسية الحاكمة منذ عام 2003 والى الان، والتي تمثلت بتمرد هذا الفصيل عن كتلته أو تغيير لذاك الفصيل لمواقفه وفقا لمصالح مستجدة، إلا إنها لم تكن يوما من أجل مصلحة المواطن بقدر ماهي محاولات لتوسيع القواعد الجماهيرية على حساب الفصائل الاخرى في نفس الكتلة بحكم تشكل تلك الكتل وفقا للمحاصصة الطائفية ـ ألاثنية ، وقد سبق أن حدثت مثل هذه التغيرات وبحدة أكبر أحيانا في داخل مختلف الكتل السياسية، السنية والشيعية والكردية . وقد كان التيار الصدري في أغلب الاحيان هو التيار الاكثر إختلافا عن بقية فصائل كتلته ، بل إن صراعه معها وصل أحيانا للدم، لكنه يعود أدراجه بحكم مصالح الطائفة بشكل عام ومكاسب تتحقق للتيار نفسه شخوصا ومواقعا، وبالتالي فإن التعويل على هذا التيار في توليد يسارا جديدا يبدو وكأنه من أحلام اليقظة المملة ، فتيار عرف ليس ببراغماتيته بقدر ماعرف بإنتهازيته وتبدل مواقفه السريع والمفاجئ أحيانا لايمكن أن يعول عليه لقيادة أو لمجرد مشاركة في عملية تغيير مطلوبة يُراد لها أن تكون شاملة وحقيقية، صحيح إن شرائح واسعة جدا من أنصاره تعتبر ذات مصلحة حقيقية في التغيير المنشود،والتي لم تنحاز للتيار الا بحكم ظروف معينة لعل أهمها نكوص في فاعلية القوى الممثلة حقيقة لمصالح تلك الشرائح الطبقية إضافة لعوامل أخرى، لكن قيادات التيار لا تتحرك وفق تلك المصالح كما تشير تجربة السنوات المنصرمة بقدر تحركها وفقا لمصالح تلك القيادات ووفقا لمايريده زعيم التيار غير الموثوق بمواقفه من قبل الجميع، حلفاءا ومناوئين، وبالتالي فإن كل تعويل على دور التيار يبدو كـ "عشم إبليس في الجنة " وأي تصور بأن تلك الجماهير قادرة على إحداث التغيير داخل قيادات التيار تبدو أيضا أضغاث أحلام، فتلك الجماهير إعتادت أن تسير وفق الفتوى ومشيئة القائد( الضرورة الجديد) ولهذه الحالة مسببات وظروف ربما لايسع المجال للخوض فيها الان .

إن الحراكات الاحتجاجية الان إذا أُريد لها أن تحقق أهدافها فلابد أن تأخذ مداها الطبقي بكل تجلياته الفكرية والسياسية والاجتماعية ، ولابد لها أن تهدد مصالح القوى المتنفذة في الحكم صراحة عن طريق تهديد وجودها في السلطة ، فإن كل قوة تحكم أو متنفذة في الحكم بمواصفات الكتل السياسية الحاكمة في العراق الان لا تطمح لأكثر من بقائها في سدة السلطة وهي مستعدة من أجل ذلك لتقديم تنازلات هنا أو هناك مقابل الحفاظ على مواقعها في الحكم ، وكل حديث عن أفقية الاحتجاجات وعدم رغبتها بتهديد مصالح القوى السياسية المتنفذة في الحكم وعدم إستهدافها لهذا الشخص أو ذاك يصبح عديم الفائدة وغير مجدٍ لتطور الحركة ، وعلى الاحتجاجات ألا تجامل اسماء شخوص وكتل الحكام بل عليها أن تشير وبالاسماء الصريحة وبالادلة الثبوتية على فساد هؤلاء، وفضح برامجها السياسية والاقتصادية وطرح البديل العلمي الواقعي، وبمواجهة صريحة ودائمة لايشوبها الفتور أحيانا والتصاعد في أخرى ، وعند ذاك ستضاف قوى جديدة راغبة في التغيير ممكن أن تخلق يسارا ناهضا بمواصفات فكرية ذات مدلولات طبقية ونظرة متكاملة للواقع والمستقبل المأمول .

  كتب بتأريخ :  السبت 05-03-2016     عدد القراء :  1875       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced