الاحتجاجات الشعبية بين تيارين
بقلم : تحسين المنذري
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

ما أن إتسعت الاحتجاجات الشعبية ـ المطلبية حتى بدت علائم إنتهائها تظهر بشكل أوضح، فالتصعيد الذي تبناه التيار الصدري سواءا بزيادة عدد المتظاهرين أو بالاعتصام أمام المنطقة الخضراء، بما كان يحمله في طياته من أهداف ورسائل يريد مقتدى الصدر إيصالها لمؤيديه ومناوئيه على حد سواء ، بدت وكأنها ترسم نهاية قريبة لتلك الحراكات الاحتجاجية، فقد أراد مقتدى الصدر شخصيا ومن ورائه بعض قادة تياره أن يقولوا للمحتجين المدنيين إنكم لا تستطيعوا الانفراد بعمل سياسي أو إحتجاجي مؤثر مالم يكن لاحد تيارات الاسلام السياسي مشاركة أساسية معكم بما يمليه الواقع المزري لعراق اليوم، وايضا اراد إحتواء تلك الحراكات وتوجيهها لاغراض تهم مقتدى وتياره تحديدا، لذلك رسم ونفذ بنجاح خطة إحتوائها، وماكان في خطبته قبيل إعتصامه داخل المنطقة الخضراء من مؤشرات سلبية تكفي لكشف ذلك، فقد تعامل بفوقية متناهية مع المعتصمين دون أن يحسب حسابا لغير مؤيديه المتواجدين في خيم الاعتصام وقتها، وكل إستخدمه من كلمات جافة ونابية مع جموع المعتصمين تؤشر على كبرياء فارغ كلّـله بتعبيره عن نفسه على إنه ممثلا للشعب، في أقتراب واضح من فكرة أنا الشعب التي تمثل بها كل الدكتاتوريين في العالم وعلى مدى التاريخ. الغريب إن كل ذلك جرى أمام أنظار وعلى أسماع جماهير التيار المدني دون أن يحرك أحدهم ساكنا كإحتجاج على ما بدر من مقتدى الصدر، بل ولا حتى من أي من قادتهم الميدانيين، وكأنهم قانعين بما قال وتصرف أو إنهم خائفين !!! كما كان خطابه الذي أنهى فيه الاعتصام، برغم ما حاول في بدايته من تطيب خاطر للتيار المدني ، إلا إنه أيضا حمل مؤشرات شخصية مقتدى الصدر بكبرياء مفتعل وفارغ وتعالي على الجموع، فهل إستشار مقتدى الصدر قادة التيار المدني في قراره إنهاء الاعتصام؟ أم كما جرت العادة يقرر بناءا على مزاجه المتقلب والذي لايثق به أقرب مقربيه.إن كل ما  حصل من تدخل لشخصيات إسلامية، دينية وسياسية ، يتحمله التيار المدني الذي سمح لمشاركة هؤلاء حركته الاحتجاجية، فبدل أن يهرول قادة التنسيقيات للقاء رموز التيار الاسلاموي بحجة إيجاد ركائز وجماهير دعم أكبر، كان عليهم إلاستفادة من الزخم الجماهيري الكبير الذي رافق بداية إنطلاق الحركات الاحتجاجية، عن طريق رفع شعارات أكثر حدة في مواجهة القوى المتنفذة في الحكم، فقد كانت الشعارات المطلبية في بداية الاحتجاجات أقرب للتوسل من الرفض والاحتجاج، والجماهير تريد من يستوعب فورتها بتطوير وعيها وتثويرها عن طريق رسم أهداف وشعارات أكثر راديكالية وأكثر وضوحا، وذلك ما دأب التيار الصدري تحديدا على الاستفادة منه في تحشيد جموع الفقراء والمعوزين لصالح قادته ورموزه، دون أن تنال تلك الجماهير المسحوقة، والمخدرة بوعود الاخرة، أي من مطاليبها المشروعة.

وحينما إزداد ضغط الشارع في مظاهرات التيار المدني كي ترتفع درجة الاحتجاجات، لم يتبنَّ قادة الإحتجاجات المدنيون سوى شعار الاصلاح كهدف أسمى وليس التغيير، في حين إن الجماهير نفسها وجدت في شعار( شلع قلع) على بدائيته وفوضويته، شعارا ينسجم مع دواخلهم المهضومة، لذلك إستجاب العدد الاكبر لدعوات مقتدى الصدر وتياره في نقل الاحتجاجات الى إعتصام، وفي أخطر منطقة في بغداد.

لقد كان جليا إن من أهداف مقتدى الصدر في المشاركة بالاحتجاجات والتصعيد هو إستهدافه لحزب الدعوة ولشخص أمينه العام نوري المالكي ، لما بين الطرفين من بغضاء إبتدأت مع قبول محمد محمد صادق الصدر ( والد مقتدى) لتصدر المرجعية الدينية في النجف بقرار من الدكتاتور صدام، وهذا التكليف عند مراجع الشيعة ورجال دينهم يعتبر شيئا معيبا ينتقص من قيمة المرجعية والمرجع نفسه، لانهم يعتقدون بمقولة ( خير أمة يقف حكامها على أبواب علمائها، وبئس أمة يقف علماؤها على أبواب حكامها) وبالتالي فإن هذا التكليف يجعل من المرجعية كيانا تابعا للسلطة السياسية وهذا مايرفضه ليس فقط رجال الدين الشيعة بل وحتى أتباعهم المتدينين، ومن هذا المنطلق فقد شن حزب الدعوة وبمشاركة مع قوى إسلامية أخرى حملة ضد محمد الصدر في وقتها على صعيد الجاليات العراقية في الخارج وبالاخص أيران،ولم تهدأ حتى مقتل محمد الصدر وولديه، وإن إستطاعت القوى الاخرى تسوية الامر مع مقتدى الصدر لاحقا عند عودتها بعد التغيير عام 2003 عن طريق إستدرار عواطف الخؤولة والنسب، فإن حزب الدعوة لم يلجأ الى ما يهدئ الامر بل الى تصعيده حينما تبنى نوري المالكي شخصيا فكرة وعملية تصفية جيش المهدي مبتدئا بالبصرة بما عرف بإسم صولة الفرسان، ومن ثم تبني نوري المالكي بحكم موقعه في السلطة لفئة منشقة عن التيار الصدري ودعمها علنا في محاولة للحد من نفوذ مقتدى أو لخلق قوة موازية خرجت من عبائته، لقد كان كل ذلك شاخصا في ذهن مقتدى الصدر حينما إشترك وتياره في الاحتجاجات الشعبية، ما يؤكد زعمنا هذا ما أشار اليه في خطبته التي أنهى بها الاعتصام، بشجاعة حيدر العبادي حينما تصدى لرفض الولاية الثالثة، وحينما قدم تشكيلة وزارية تقلم شيئا من أظافر حزب الدعوة في الحكم . فهل إنتهى كل شيئ ؟ بالتأكيد لا، فمقتدى الصدر بحكم معرفته بأساليب زملائه في تيارات الاسلام السياسي الاخرى بقدرتها على التسويف والمماطلة من جهة، ولرغبته في تأكيد تزعمه لحركة الاحتجاجات وتطويق التيار المدني، من جهة أخرى، أمر أتباعه بإستمرار التظاهر في كل جمعة لحين إقرار البرلمان للتشكيلة الوزارية الجديدة، وهذا مايؤكد ما ذهبنا إليه من أن رغبة الاصلاح عند التيار الصدري تتعلق برفض شخوص وليس سياسات ونهج وفلسفة حكم أدت الى ماوصل اليه العراق من تردي مريع. من جانب آخر يثار تساؤول عن مدى جدية قوى الاسلام السياسي المتنفذة في الحكم في قبولها بفكرة تغيير الشخوص وصولا للحد من الفساد المستشري؟ بحكم معرفة تلك القوى لطبيعة الشعب العراقي وإمكانية إستثارة عواطفه بضرب وتر الطائفية في أوقات الشدة، وأبرز مثال على ذلك الاستقبال الذي حظي به إبراهيم الجعفري وما كسبه من عواطف وتأييد بعد مجرد مشادة كلامية مع ممثل السعودية في الجامعة العربية وهو الشخصية الشيعية الاكثر كرها في الشارع العراقي حتى من قبل الشيعة أنفسهم، أقول بحكم معرفة المتنفذين بكل ذاك فإني أعتقد ماقاموا به هو فقط إنحناء شكلي أمام العاصفة سيعودون الى ماكانوا عليه بمجرد فتور الاحتجاجات أو بما سيقدم لاحقا من وعود وتطمينات لمقتدى شخصيا ولتياره وقادته،ففي البرلمان مازالت التحالف الشيعي يمتلك أكثرية، ولجان البرلمان الاكثر أهمية يقودها ممثلين عن الشيعة،والدستور والقوانين مازالت كما هي وبرعايتهم،مما سيجعل من الوزراء الجدد لا أكثر من موظفين تنفيذيين لاغير،وأيضا مما يساعد المتنفذين للعودة لحالهم الاصلي، إن بقي التيار المدني على ما وصل اليه من تراجع في الشعارات والمطاليب، ذلك إن من أبرز مستلزمات النهوض الان هو تغيير شكل الاحتجاجات الى أشكال أخرى أكثر تأثيرا على السلطات والمواطن، والى شعارات أكثر وضوحا ورفضا لكل توجهات السلطة السياسية ولكتلها المتنفذة وعدم الموافقة على أي تقارب مع أي تيار إسلاموي مهما بدا قريبا في شعاراته مما يطالب به التيار المدني،وعدم التعكز على خيال يفترض رفض المرجعية للحركة الاحتجاجية، أو تلك القوى الميليشيوية أو ذاك الفصيل المؤثر، فالجماهير هي مَن تحمي وهي مَن  ترفع مِن شأن مَن يتبنى مطاليبها بجرأة وتصدي شجاع. التجربة العراقية تقول وعلى مدى كل تاريخ إلاحتجاجات منذ تشكيل الدولة العراقية الحديثة والى الان، إن الشعار الاكثر حدة هو المطلوب والموقف الاكثر راديكالية هو المرأي، والابتعاد عن قوى السلطة السياسية هو الاكثر مرغوبا عند الجماهير.

  كتب بتأريخ :  الجمعة 01-04-2016     عدد القراء :  2133       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced