\"الحب والزواج والطلاق\"
بقلم : د. لاهاي عبد الحسين
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

"الحب والزواج والطلاق"، هذه الثلاثية الاجتماعية البحتة التي يمثل الأول (الحب) أجملها والأخير (الطلاق) أتعسها فيما يمثل الثاني (الزواج) أخطرها. معادلة لا يهتم بها كثيرون وبخاصة الشباب وإذا فعلوا فإنّهم يفكرون بانتقائية تؤدي بهم إلى تصور تفهم أحدها وإهمال بعضها الآخر. يتصرفون وفق منطق "نتزوج لأننا نحب ونطلق لأننا لم نعد نحب". ليس الأمر كذلك. فالحياة الزوجية ليست نزهة ولا رفقة "درب" بل هي أعمق وأهم من هذا بكثير. يعرف الزواج علمياً على أنّه "المؤسسة التي تقوم على منظومة معقدة من المعايير الاجتماعية لتوسّم العلاقة بين رجل وإمرأة في فترة زمنية محددة مما يدخلهما بنسق متوازن من الواجبات والحقوق المتبادلة التي تعتبر لازمة جوهرية لوظيفية الحياة العائلية. وما الاحتفالات التي يقوم بها المجتمع والعائلة ابتداءً من مراسم الخطبة وعقد القران والزفاف حتى الدخول في عش الزوجية إلا تعبير عن "الإجهار" الهادف إلى استئذان الجماعة والحصول على مباركتها ودعمها. وعندما يندفع الشباب للدخول طواعية في الحياة الزوجية ظانين أنّهم سينجحون في الحفاظ على دفق الحب بلوعته ومشاعر الشوق والحيوية التي استمتعوا بها حتى لحظة الإيذان بالزواج فإنّهم يرتكبون خطأً كبيراً. ولعل احدى غوايات الزمن المعاصر تلك التي تتمثل في فكرة "الحب الرومانسي" الذي شجع نمط الحياة الحديثة على شيوعها وانتشارها من خلال التعارف على مستوى المدارس والكليات أو أماكن العمل إلى جانب التأثير الذي مارسته وتمارسه وسائل الإعلام والسينما والمسرح ومختلف وسائل الاطلاع والمعرفة والتبادل الثقافي. ودخل مفهوم رأس المال الاجتماعي باعتباره ثروة وذخيرة من نوع آخر غير المادي والمالي. ويتحدد رأس المال الاجتماعي بمنظومة العلاقات الاجتماعية ليس فقط الواسعة وهذا أضعف ما فيها بل بنوعية منْ فيها وقدرتهم على الوصول والتأثير إذا ما كانت هناك حاجة وضرورة للتدخل. وكما على مستوى رأس المال المالي فهناك من هو برأسمال اجتماعي عالٍ أو واطي أو ما يمكن أنْ يسمى غني وآخر فقير، اجتماعياً، اعتماداً على سعة العلاقات الإنسانية النوعية والمؤثرة التي يحظى بها والتي صار الزواج الناجح والموفق جزءاً مهماً فيها.

ما لا يحظى بالاهتمام أحياناً تصور أنّ الحب، هذه العاطفة الجياشة التي تحمل كثيراً من معاني اللهفة والحرقة والهيام وما إليها سرعان ما تتحول بعد الزواج بصورة تدريجية وتقليدية تماماً كما تتحول المادة لتكوّن تركيبة جديدة تحمل خصائص الأولى ولكنّها تختلف عنها. أي أنّ الحب يصبح بعد الزواج مقياسا للرفقة والمسؤولية المشتركة والتساند والدعم والالتزام المتبادل. فالناس يحملون مفهومات وتصورات مختلفة عن علاقاتهم الحميمة عبر مراحل متعددة في دورة حياتهم. لا يموت الحب بعد الزواج ولكنّه يأخذ قالباً جديداً ومختلفاً عما كان عليه قبل الزواج.

لعل البعض أصاب كثيراً عندما وصف فكرة "الحب الرومانسي" على أنّها احدى أسوأ ما طورته الحضارة الإنسانية. كما انّ فكرة الحب الرومانسي ليست وليدة المسلسلات الأجنبية والتركية على وجه التعيين. وعليه، فإنّ الوقوع باللائمة على الانفتاح والتأثر بالمجتمعات الإنسانية الأخرى ليس له ما يبرره بل هو السليم والصحي اجتماعياً ونفسياً وإلا فما علينا الا أنْ نغلق أبوابنا ونعود إلى ما درجنا عليه بعيداً عن رياح التغيير والتحول الحتمية لا محالة باعتبارها جزءا من الحالة الإنسانية. إغلاق الأبواب والنوافذ في عالم يزداد تفاعلاً وتداخلاً وتكاملاً وصفة مضادة لطبيعة الحياة الاجتماعية المتغيرة بطبيعتها. مقاومة الانفتاح والاطلاع والتفاعل واستخدام طريقة الباب المسدود تشبه التحدي الذي يواجهه المجتمع القبلي المنغلق في ظل التحول إلى الديموقراطية. كلاهما يتطلب تفهماً وترحيباً وتقبلاً والا فإنّ مسافة الألف ميل ستصبح طويلة جداً. الحب الرومانسي أقدم بكثير من مسلسلات أجنبية جاءتنا متأخرة وأثرت على نمط تفكيرنا وقيمنا واعتقاداتنا في الحياة الاجتماعية. تشهد على ذلك حكايات قيس وليلى وروميو وجولييت وجميل بثينة وغيرهم من مشاهير المحبين. ذهب قيس هائماً مجنوناً يحكي للسماء والصحراء ضيمه ولوعته وانتحر روميو وجولييت لأنّهما اختارا العيش معاً والموت معاً. وساهم كتّاب وفنانون كبار وصغار بالترويج لهذه الحكايات ليس تيمناً بالحب وقيمه النبيلة وفكرته فحسب وإنّما لأنّ هذه قصص تناولت قضايا مجتمعية مهمة من قبيل الصراع الطبقي والقبلي الذي حال دون زواج قيس بليلى والصراع المناطقي والمحلاتي الذي حال دون زواج روميو بجولييت والصراع العنصري في حالة جميل بثينة. ولعمري لو تزوج هؤلاء لذهبت قصصهم أدراج الرياح لأنّ الزواج كان سينقلهما إلى مستوى آخر من التفاعل الاجتماعي الذي ينطوي على أكثر من جانب بما في ذلك الصراع والمنافسة والاختلاف والشعور بالتضحية والغبن والمساهمة على نحو غير متوازن وربما غير مسؤول في العلاقة الزواجية والكثير مما ترزح تحت وطأته الحياة الاجتماعية الواقعية بتفاصيلها الروتينية اليومية. شكراً لمعاناتهم. الزواج الذي يقوم على قاعدة الفهم السليم متحررا من فكرة الحب الرومانسي بنمطها الخيالي وغير الواقعي هو الذي يحمي العلاقة الزوجية ويؤسس لحياة عائلية ناجحة ويقي من افتراق بالطلاق يحلله الدين إنما لا يستحبه.

حاولت بعض المجتمعات وبخاصة في أوروبا الغربية التمرد على فكرة وممارسة الزواج كما حدث في ستينات القرن الماضي نتيجة التأثر بحركة الحقوق المدنية التي عمّت العالم بطريقة تشبه ما يحدث اليوم على صعيد الحركة الشعبوية التي دفعت اليمين المتطرف إلى الظهور بقوة فكان هناك ما يسمى بـ "المساكنة". والمساكنة تعني أنْ يعيش رجل وامرأة كزوجين من حيث نمط حياتهما الاجتماعية إنّما بدون عقد رسمي وقانوني لتأطير علاقتهما. وسرعان ما فشلت هذه الصيغة وعاد الناس إلى نمط الزواج التقليدي بسبب الملابسات التي حدثت بين الطرفين المعنيين وبخاصة على مستوى نسب الأولاد وقضايا الإرث. ومع أنّ بعض البلدان الأوروبية أحدثت تغييرات على مستوى القوانين السائدة لديها كما في هولندا التي تمنح الزوجين بالمساكنة حق إلحاق أولادهما بهما قانوناً من حيث الاسم والتوريث إلا أنّ هذا النوع من الارتباط لم يتعد نسبة الـ 25% حسب الإحصاءات الرسمية لهذه البلدان وبقي الزواج التقليدي الذي يقوم على عقد قانوني ورسمي هو الأكثر تسيداً وانتشاراً ومقبولية ليسجل 70% من المجموع الكلي للزيجات في العالم.  

الزواج ليس فقط حاضنة أمن ومحبة وسلام وإنّما ينطوي أيضاً على النزاع والصراع الذي يتطلب جهداً لمعالجة أسبابه وتصفية متعلقاته خشية أنْ يؤدي إلى الطلاق. والزواج تبادل متكافئ وإلا فإنّه يصبح عبئاً ترجح فيه كفة أحد على أحد وفي هذا مقتل للطرف الذي يشعر بالغبن من أنّه لا يحصل على نصيبه في المعادلة. ولا يُعنى بالتكافؤ هنا التكافؤ المادي وإنّما أيضاً التكافؤ القيمي والأخلاقي والوجداني. الزواج السليم هو الزواج الذي يشعر فيه كلا الطرفين بالرضا والقناعة من خلال قيامهما بدوريهما لتلبية احتياجات العائلة التي لا يشترى كثير منها بالمال وإنّما بالكثير والكثير جداً من التفاوض والحوار والتفاهم وصولاً إلى بر التوافق والتعاون والقناعة المشتركة. وكذلك الحال في القيمة الرمزية التي يتصف بها الزواج ما يضع الأفراد في خانات مقبولة ومحترمة اجتماعياً ليمكنهم بالتالي من أنْ يقودوا حياة ناجحة على مستويات أخرى من الحياة العامة كالعمل والسياسة والدين.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 14-02-2017     عدد القراء :  2031       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced