في ذكرى أبو فرح (عدنان حسين)...
بقلم : د. لاهاي عبد الحسين
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

اجتمعت مع الأستاذ (عدنان حسين) على منصة المدى في (المدى بيتنا) في المتنبي لتأبين الدكتور (فالح عبد الجبار) في ذكرى أربعينيته عام 2018. كان مديراً لجلسة التأبين. يستقبل المتكلمين بإبتسامة عذبة ونفس طيبة في الوقت الذي يقطر قلبه حزناً على صديق ورفيق عمل من نوع متميز.

فهو يعرف فالح عبد الجبار وعمل معه في مركز دراسات عراقية. بدأت حديثي بالقول: إنّ اجتماعنا للتأبين ليس للطم والبكاء بل لإستذكار مسيرة حياة تزخر بالإنتاج والإبداع. الموت ليس نهاية وإنّما وقفة للتقييم والتعبير عن التقدير وقطع عهد بالوفاء. انتهى حفل التأبين ولم يخطر ببالي حينها أنْ أجلس يوماً لأؤبنه. فقد بدا مثل فالح عبد الجبار قبل أنْ يضمه القبر ليقيم اقامته الأبدية يموج بالأمل والحياة من أجل عراق متصالح ومتعاون وبناء.

تعرفت على عدنان حسين قبل أنْ ألتقيه في المدى وجهاً لوجه من خلال ما يُقرأ من مقالاته ويعرض له من لقاءات إذاعية تتناول الشأن العراقي بالوضوح والرصانة السياسية التي تفرض الاحترام قبل 2003. شاءت الصدف أنْ ألتقيه فيما بعد فإذا بي أمام صحافي عراقي واضح الفكرة قوي في أسلوب تقديمها وتبريرها، جريء ويحظى بالمتابعة والاهتمام من قبل جمهور واسع من القراء ممن أدمنوا مقالاته وتابعوها واهتموا بتحليلاته واستشعروا مصداقيتها. سمات لا يحظى بها إلا من أخذ عمله الصحافي بمسؤولية واحترام. لم يحتمِ بالمنصب والوظيفة بل حافظ على روح المناضل في سلوكه ومستوى أدائه. كان يتصل ويسأل ويتناقش بروحية الإنفتاح والتقبل واحترام الرأي والرأي الآخر. طوال ثلاث سنوات داومت فيها على كتابة مقالة أسبوعية في صفحة "آراء وأفكار"، لم يحدث أنْ تلقيت كلمة منه بإتجاه كيف وماذا ولماذا. فقد كان الاحترام والثقة الركنان اللذان أسسا للسنّة التي اتبعها وحافظ عليها والتي سادت في بيت المدى وميزت أخلاقيات أعضاء عائلة المدى، بأجمعهم. وفي المرات التي حصل بالصدفة أنْ زرت فيها مقر الجريدة في شارع السعدون للقائه لأمر ما وجدت مجموعة من الرجال من مختلف الأعمار والمسؤوليات يتحركون بهدوء وحيوية وانضباط ليتموا انجاز عدد جديد من صحيفتهم المدى يسجلون فيه ليوم عراقي آخر. يعملون بمعيته زملاء وأشخاص أكفاء ومسؤولين. يحترمون الضيف ويستقبلونه وينهضون لتوديعه حتى يصل بوابة الخروج.

وعندما تبنت المؤسسة طبع ترجمتي لأطروحة الدكتور علي الوردي "في علم اجتماع المعرفة" كان عدنان حسين سعيداً بمتابعتها. تلك أجواء أعترف أنّها غريبة عليّ في بيروقراطيات الدولة ومؤسسات العمل الغارقة في أداء روتيني رتيب لا يكاد ينجز شيئاً. عرف عدنان حسين بعمود اختار أنْ يطلق عليه "شناشيل"، والذي سرعان ما صار من الأعمدة اليومية المهمة في الجريدة ممن يفتقده القراء ويبحثون عنه. تناول عدنان حسين في هذا العمود قضايا تتعلق بالشأن العراقي العام يطرحها بمسحة نقدية لماحة وفائقة في الحذق. وبرغم التشابه بين "شناشيل" والأعمدة المهمة الأخرى في المدى ومن أبرزها "العمود الثامن" الذي يكتبه الأستاذ الكاتب علي حسين، مدير التحرير آنذاك ورئيس التحرير حالياً فقد نجح عدنان حسين في تقديمه بطريقة مختلفة لا تقل قدرة على التأثير وجذب الإنتباه.

لم يكن طريق الصحافة الوطنية الحرة في العراق سهلاً وبخاصة بعد فترات طويلة من الهيمنة الحكومية التي تبسط هيمنتها على كل مرافقها. حصل ذلك ابتداءً من العهد الملكي الذي كان يمارس سطوته من خلال ما سمي حينها بـ "مديرية الدعاية"، حيث يقوم كتّاب منتدبون لتحرير الأفتتاحيات والمقالات الرئيسية لتقوم مقام الدليل والمرشد الإعلامي سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة لما ترغب به السلطات ومروراً بالأنظمة المتعاقبة على حكم العراق. وهذا ما حصل في ظل النظام السابق الذي عمل وفق نظرة أيديولوجية محددة وأحادية أريد لها أنْ تتمثل بمواقف وآراء الحزب الحاكم، لا غير. سجل الإنتقال إلى الصحافة الحرة التحدي الأكبر بعد سقوط النظام والذي تمثل في القدرة على نفض غبار الماضي والتأسيس لممارسة المهنة وفق منطق البحث عن الحقيقة. برزت من هنا أهمية المدى كصحيفة اختارت تعزيز التوجهات التقدمية الوطنية للمساهمة ببناء المجتمع الديموقراطي الجديد. بالتأكيد لم يكن ممكناً الخوض في هذه المهمة الكبيرة بمجرد توفير الإمكانات المادية اللازمة وإنّما من خلال فريق عمل من الرجال والنساء الذين اختاروا العمل فيها. وجد عدنان حسين نفسه فيها وتوسم رئاسة تحريرها وهو الذي تخرج في قسم الصحافة، كلية الآداب، جامعة بغداد ليستأنف نشاطه مستكملاً بذلك مسيرة عمل طويلة عمل فيها بمختلف الصحف العربية وغير العربية. وسرعان ما توسع ميدان المدى كمؤسسة ثقافية تمارس عملها على أكثر من صعيد وبأكثر من طريقة. استطاعت المدى بجهود المشتغلين فيها أنْ تدخل ميدان الإذاعة والتلفزيون وتؤسس للقاءات الجمعة التي أحتفت فيها بالقامات العراقية الأدبية والعلمية والفنية والتاريخية ومن خلال ملف المدى الأسبوعي والندوات والمناقشات التي ضجت بمختلف الآراء والتصورات.

ورغم انشغالاته واستغراقه في عمله ومحبته لزملائه القدامى والجدد على السواء لم ينس عدنان حسين الأحب إلى قلبه زوجته (هيفاء) وابنته الأثيرة (فرح) والتي كان يخصها بتذكر حميم يمتزج بمسحة تفاخر وكبرياء كونها تعمل على أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراه في كلية الآداب الملكية، قسم الاتصالات في لندن. تزوج عدنان حسين عام 1974 بعد قصة حب استمرت ثماني أعوام وأثمر الزواج السعيد (فرح) بعد ذلك التاريخ بعام واحد، جاء بعدها عمر واضعاً إياهما على طريق العمل المخلص الدؤوب. في الذكرى السنوية لإنطلاقة المدى كمؤسسة ثقافية وطنية واعدة نستذكر عدنان حسين باعتباره استذكاراً للإتجاه التقدمي والدور التنويري الذي تمارسه كما عبر عن ذلك الدكتور عبد الإله كمال الدين. رحم الله فقيد المدى وأحد جنودها المثابرين لإعلاء كلمة الحق والوقوف إلى جانب الشعب في قضاياه العادلة والعزيزة.

  كتب بتأريخ :  الأحد 09-08-2020     عدد القراء :  1083       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced