متسولين ومشردين نبذتهم عوائلهم ، فاستقبلتهم الشوارع
نشر بواسطة: mod1
الثلاثاء 16-09-2014
 
   
بغداد / إيناس طارق- المدى

في كل مكان نراهم ، في الساحات والتقاطعات ، في المطاعم والمتنزهات ، أمام الجوامع والمساجد والكليات ، انهم ( أولاد الشوارع ) إن صح التعبير ... ذكور وإناث بعمر الورود قذفهم واقعهم الاجتماعي الى الشارع مستجدين المارة ليشيعوا حياة التشرد المؤلمة . فما حكاية هؤلاء المشردين ؟ ومن يقف وراءهم ؟ وكيف يمكن إنقاذهم؟ تعالوا نتعرف على الإجابة من خلال تحقيقنا هذا .

في قصص تدمي القلب ألما ، فتيات ساقهن القدر إلى دار المشردات الذي يضم المتسولات والمتشردات ومنحرفات السلوك، فتيات اختلفت قصة الواحدة عن الاخرى بين من فقدت عائلتها بسبب العمليات الإرهابية وأخرى بسبب التفكك الأسري والعنف ،ومنهن من رغبت بالتسول والبقاء في الشارع وأخريات تم بيعهن من قبل عوائلهن بسعر بخس لبيوت البغاء ، قصص جعلت من دار المشردات بيتا يؤويهن ويكبت بداخلهن الرغبة الجامحة للبقاء في الشارع ليتجولن في الليل بين الأزقة والبيوت المشبوهة وفي النهار يتسولن بين الأسواق التجارية وإشارات المرور .

بداية الجولة (ساحة اللقاء)

ساحة اللقاء التي تربط منطقتي الإسكان والوشاش بشارع عبد الكريم قاسم (14رمضان سابقا) ، مجموعة من الأطفال تجاوزت أعدادهم 6 واختلفت أعمارهم ،كانت رغبتهم كبيرة في الحديث الينا عندما نزلنا الى الشارع للقاء بهم ،ولأننا نعلم الإجراءات الأمنية المطلوبة ذهبنا الى السيطرة الأمنية التي كانت هناك وتكلمنا مع الضابط المسؤول والذي كان متعاونا معنا وطلب فقط دقائق لإجراء اتصال هاتفي مع القيادة الأمنية او مايسمى اللواء الذي يكون مسؤولا عنهم ،الضابط أعطى معلومات عن فريقنا والمؤسسة التي نعمل لها ورقم كتاب عمليات بغداد الذي يسمح لنا بالتصوير وفق السياق القانوني ،لكن الإجابة كانت الرفض ولأسباب غير معروفة ، لذا اعتذر الملازم منا وغادرنا المكان ،لكن الأطفال الذين كانوا هناك قاموا (بالركض وراء السيارة )من اجل التكلم معنا وفعلا توقفنا في شارع فرعي قريب من مكان تواجدهم .

كيف نعيش بدون عمل

الطفلة "استبرق" البالغة من العمر 7 سنوات كانت تحمل كيس (جكليت ) ، ملابسها رثة جدا قالت :والدي معوق ولانملك المال للعيش، وعندما نتجول بين السيارات يصاحبني اخي البالغ من العمر 10 سنوات وابن عمتي ايضا ، نأتي كل يوم من منطقة الحرية صباحا ونعود وقت الظهيرة ليأتي دور والدتي وأختي للبقاء في الشارع وقرب إشارة المرور ، ويعودون للبيت بعد غروب الشمس، نريد ان نعيش ونأكل ولايوجد غير التسول بين السيارات للعمل ، بينما علّق أخوها سجّاد قائلا: أقوم بمسح زجاج السيارات كل يوم والنظر من بعيد الى أختي استبرق خوفا من ان يقوم احد بخطفها ، فقبل أسابيع عدة قام صاحب سيارة كيا بدهسها بالسيارة ونقلتها سيارة الشرطة الى المستشفى وعولجت هناك لان قدمها جرح بـ (18 غرزة ) وعادت الى العمل . استبرق كانت في طريقة كلامها تعطي انطباعا للمتحدث معها انها تقبلت كل ما يحدث في الشارع من انحرافات وسلوكيات وكلام غير لائق .

وهنا جاء دور رجال الأمن فطلبوا منا المغادرة وإلا ستكون العواقب وخيمة حتى وان كنا في الشوارع الفرعية . غادرنا المكان ، وأثناء تجوالنا شاهدنا فتيات كثيرات يجبن الشوارع وهن بعمر الزهور يرمين بأجسادهن على السيارات واحيانا اخرى يقمن بمسك يد السائق من اجل الحصول على مبلغ 250 دينار.

مع مديرعام سجون الأحداث

المخاوف والقلق من بقاء الفتيات في الشوارع جعلتنا نتصل بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية للقاء المدير العام "فارس سامي عزيز" مدير عام سجون الأحداث حيث تحدث الينا قائلاً: ان ظاهرة أطفال الشوارع ليست جديدة وهي على قسمين : التسول والتشرد وكلاهما معناه خروج الانسان الحدث من أسرته صغيرا وبعمر 9 الى 22 عاما من أسرته اوحتى الهروب من محافظته الى محافظة اخرى بسبب ظروف معينة او طبيعة حياته المتعبة ، أي سوء وانخفاض المستوى الاقتصادي ،واستدرك فارس في حديثه قائلاً: العراق تعرض الى حروب كثيرة وحصار اقتصادي إبّان النظام السابق جعلت العوائل الفقيرة فيه ذات مستوى متدن واجبرتهم على فقدان العيش بمستوى جيد . هذه الأمور جميعها جعلت من التشرد والنزول الى الشارع وسيلة للكسب السهل، واحيانا زجّهم في أعمال إرهابية وحتى التكيف مع الجريمة بشكل سهل ومخيف ، مضيفا: ان تسرب الأولاد من المدارس ذكورا وإناثا ونزولهم الى الشارع هو ايضا سبب لزيادة أعدادهم في الشارع . أعداد المشردين تزداد مع تزايد الحروب والصراعات الدولية والداخلية كل ذلك جعل منظمة الأمم المتحدة تشير في تقاريرها واحصائياتها ان نسب أطفال الشوارع زادت كثيرا والأمر الأكثر سوءا هو الأحداث الأخيرة وما حدث للعوائل في محافظات عدة من نزوح وترك منازلهم ما جعلهم ينزلون الى الشارع للتسول وهناك مؤشرات وحالات أكدت خروج الإناث الى الشارع للتسول وممارسة البغاء .

إذن الأمر اصبح خطيرا جدا لان الصراعات الداخلية كانت سببا في زيادة هذه الأعداد المخيفة والتي لايمكن معالجتها إلا بعد التعاون وبشكل كامل مع المؤسسات والوزارات الاخرى وهذا كفيل بذلك مثل وزارات العدل والصحة والداخلية والتخطيط وحقوق الانسان ،امور كثيرة بحاجة الى تخطيط وتنظيم لهؤلاء المشردين او مايمكن ان يطلق عليهم أطفال الشوارع والذين يقسمون الى موقوفين ومحكومين وللإناث ايضا محكومات وموقوفات .

المعالجات الجدية للدولة

واكد فارس في حديثه قائلاً: ان عملية إصلاح الأحداث هي عملية تقويم سلوك لمن هو جانح، إذ تؤوي دورالأحداث ثلاث فئات من الجانحين هم الموقوفون والمحكومون والمشردون، وحسب كلامه (إن قانون رعاية الأحداث رقم (6) لسنة (1983) وتعديلاته وأنظمة مدارس الموقوفين كلها تركز على تقويم الأحداث الجانحين، ويتم ذلك بالتنسيق مع اسر المودعين لدينا، وكذلك من خلال برامج تأهيلية وتدريبية نقدمها للمودعين).لابد من إيجاد معالجات جديّة والدولة كفيلة بإيجاد حلول لهذه الظاهرة وهذا ما نصت عليه المادة 32 من القانون العراقي ولابد من فتح دور اضافية في المحافظات ولا يقتصر ذلك على بغداد لان أعداد أطفال الشوارع من الإناث والذكور في تزايد وعندما نجدها في الشارع لايمكن القاء القبض عليهم مباشرة لان الأمر يحتاج الى امر قضائي صادر من قاضي تحقيق ومذكرة القاء قبض من مركز الشرطة ، كل ذلك يأتي الى دار الإيواء التابع لوزارة العمل - دائرة سجون الأحداث ليتم إيواء الحدث ذكرا كان أم انثى .وأعمارهم تكون بين 9 الى 22 عاما وأثناء بقائهم في الدار يتمتعون بالرعاية الجيدة والتأهيل النفسي والبدني وحتى إدخالهم في دورات وورش عمل مختلفة وتعليم مستمر في مدارس داخل الدور وتحت إشراف معلمين ومدرسين أكفاء من وزارة التربية حيث يكون للمشردين نصيب بإجراء امتحانات البكلوريا وهناك منهم من حصل على درجة 100 في مواد عدة مثل التاريخ واللغة العربية .والأمر لم يتوقف عند هذا الحد حيث ان هناك رعاية لاحقة للمستفيد اي يمكن ان يبقى في دار الإيواء خصوصا للإناث في حالة عدم وجود من يرعاه او يحتضنه بعد خروجه من الدار .

تغيير العقيدة (غسل الدماغ)

وأشار سامي في حديثه قائلاً: زيادة أعداد المشردين في الشوارع كان كفيلا باستغلالهم من قبل الإرهابيين ويبدأ غسل دماغهم بما يسمى بـ(تبديل العقيدة) فمن يقبل يتفجير نفسه بسيارة أوبحزام ناسف بشكل مخيف ومرعب وهذا شيء لا يكون بالسهل انما يكون بمراحل تدريبية ،فالمشرد او حتى المشردة يكون فاقد الإحساس والتوعية والايمان فيمكن السيطرة عليه واحتضانه لينفذ العمليات الإرهابية وهناك مثال على ذلك ان احدى السجينات وكانت حدثا ومتزوجة من إرهابي سعودي الجنسية قالت ان مهرها كان عملية تفجيرية ولكن العريس الإرهابي الذي احتضنه شقيقها وقدمها للزواج له قال لا ويملك المال فأعطاهم مليون دينار فقط .

وأضاف فارس عزيز قائلاً: نعم ، المشردون والمتسولون يمكن ان يستغلوا في التفجيرات وتنفيذ العمليات الإرهابية والهجوم الاخير الذي حدث على دار المشردين في منطقة حي السلام (الطوبجي ) كان من بينهم ارهابيون حاول المسلحون اخراجهم لانهم نفذوا عمليات ارهابية ذهب ضحيتها المئات وهناك ارهابيون احداث من جنسيات مختلفة يحتجزون داخل هذا الدار . واكد فارس في حديثه ان الارهاب يستغل اطفال الشوارع بشكل كبير والأمر يحتاج الى تكاتف وعمل مشترك من اجل القضاء على هذه الظاهرة او حتى الحد منها وامكانية تقليلها والسيطرة عليها .بعد ذلك طلبنا من مدير عام سجون الأحداث السماح لنا بالقيام بزيارة مفاجئة الى احد دور إيواء المشردين .

الدخول لدار المشردات

استطعنا البقاء في دار المشردات من الساعة التاسعة صباحا وحتى الثانية والنصف ظهرا ، ساعات قضيناها بألم وحسرة قلب ،على ما سمعنا من قصص ، وبين فرحة واطمئنان وشعور براحة بال على هؤلاء الفتيات بعد ان تكلمن مع مديرة الدار "رقيه نجم عبد الله" التي كانت متعاونة وبكل صراحة معنا في إجراء اللقاء مع فتيات الدار اللواتي بينت أنهن يختلفن في حالاتهن ،حيث يؤوي الدار إناثا مشردات فاقدات رعاية الأسرة وأعمارهن تكون بين 9 الى 22 عاما ووفق قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983، ودور الدولة للإناث لاتترك المستفيدات بعد بلوغهن السن القانونية حيث يمكن ان يقمن بتعيينهن في الدار او حتى توفير فرصة زواج مناسبة فهناك مستفيدات تزوجن بأشخاص أسوياء وهذه الأمور تحدث كلها وفق سياق قانوني وأوامر قضائية حتى عندما تريد العائلة ضم ابنتهم بعد ان يجدوها في الدار يجب تقديم طلب الى القاضي وتجري الأمور حسب القانون لإطلاق سراحها .

أوامر قضائية للمشردات

وبينت رقية في حديثها قائلة :في دار إيواء المشردات يتوفر كل شيء للمستفيدة من تغذية وتعليم وإرشاد وهن بحاجة الى الاهتمام وإعادة التاهيل من جديد لانهن قضين فترة طويلة في الشارع .وكل مستفيدة تختلف عن الاخرى ولهن حكايات مختلفة مؤلمة جدا وتحتاج الى دراسة وبحث ودراسة حالة المستفيدة من جميع النواحي وتركها فترة من الوقت حتى تتكيف مع المكان والوضع الجديد وحقيقة المستفيدة تصبح أمام امر واقع وتتكيف معه بمرور الوقت .

تريد العودة الى الشارع

"هند" تبلغ من العمر الرابعة عشرة كانت تذرف الدموع وأرادت التكلم معنا قبل الاخريات لانها تتمنى العودة الى أحضان والدتها . هند قالت في حديثها انها تشتاق الى البيت واختها وامها وتريد العودة اليهم لمساعدتهم في الحصول على المال وتم القاء القبض عليها في منطقة ساحة الشهداء حيث كانت تقوم ببيع علب الكلينكس واثناء حملة وزارة الداخلية قبل عامين تم القاء القبض عليها ،هند ترغب بالعودة الى الشارع والعمل رغم الرعاية التي تتلقاها في الدار وتفضل البقاء والتسول على العيش بعيدا عن هذه الأجواء وتجد حياتها فيها ،احدى الباحثات كانت موجودة اثناء حديث هند علقت قائلة: ان والدتها جاءت الى الدار وقبل ان تقدم طلبا لاخراجها سألت عن ما كان لديها من مال أثناء القاء القبض عليها ،وان والدتها تفضل خروجها حتى تساعدها في التسول مرة اخرى .

الهروب والزواج والرغبة بالعودة

بينما نجد قصة "نرجس" البالغة من العمر 16 عاما تختلف عن هند لان والديها منفصلان وتريد البقاء مع والدها لكن جدها لايرغب بها في البيت ووالدتها متزوجة من رجل اخر ،نرجس وحسب حديثها قالت انها فضلت البحث عن دار أيتام تعيش فيه والهرب من محافظة البصرة على ان تبقى وحيدة لا تعرف اين تذهب حيث قامت باللجوء الى الكراج الواقع في منطقة الزبير في محافظة البصرة وطلبت من احدى النسوة مساعدتها في الذهاب الى بغداد وفعلا حصل ذلك لكن بقاءها وحيدة في الكراج وهي صغيرة السن ادى الى القاء القبض عليها وايداعها بقرار قاضي في دار المشردات . نرجس ترغب الان بالعودة الى عائلتها والعيش معهم من جديد لكن بعد ان استدركت بالحديث علمنا انها تزوجت من شاب قام بالضحك عليها باسم الحب وزواجها كان خارج المحكمة وتركها في الشارع وخوفها من عائلتها جعلها تهرب .

اخوها يبيعها لبيت دعارة

أما "عبير" التي كانت ضحية أخيها الذي قام ببيعها بمبلغ 1000دولار فقط الى بيت دعارة في احدى مناطق بغداد وهي لم تتجاوز 17 عاما وأُجبرت حسب قولها على ذلك لان أخاها الصغير اصبح رهينه لدى أصحاب البيت حتى تمارس البغاء معهم. وفعلا وحسب قولها قامت بما يريدون وتشاركها في العمل 10 فتيات صغيرات قامت عوائلهن ببيعهن او خطفهن ويعشن في دار واحدة لكنها وجدت فرصة للهرب الى الشارع لكن هروبها كان سببا للوقوع بيد الأمن السياحي اثناء ممارسة البغاء في الشارع حسب تعبيرها رغما عنها لأنها تعيش في الشارع .

هل نتحدث بعد عن معاناة وآلام أولاد الشارع ؟ ام نكتفي بهذه القصص المؤلمة لنعرف حجم الأحزان التي يعيشها هؤلاء الأولاد من بنات وذكور بسبب التفكك الاجتماعي وبسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشونه ، فمن ينقذ هؤلاء من معاناتهم ؟ الجواب عند المؤسسات المعنية التي تهتم بالأسرة ومن أولى تلك المؤسسات وزارة العمل التي تقع عليها مسؤولية حماية هؤلاء المشردين من ذكور وإناث قبل ان ينحرفوا اكثر فاكثر .

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced