الرواية النسوية العربية في العراق 1950-2017
نشر بواسطة: mod1
السبت 20-01-2018
 
   
د. نجم عبدالله كاظم - المدى

من الحضور إلى الظاهرة

( 1 )

بداية يجب أن نشير إلى أن هذه الدراسة معدّلة عن دراسة سبق لنا نشرها في مجلة (الأديب العراقي) عام 2015، في ظل اكتشافنا لنصوص ومعلومات جديدة ومؤثرة في صورة واقع الرواية النسوية في العراق. إضافةً إلى ذلك، ما زلت، ومع كل ما تحققه الرواية العراقية، وضمن ذلك الرواية النسوية، محلّياً وعربياً، من إنجازات وتميز، نسمع من يشكك بها، بل يقدم عنها ما لا يتوافق مع ما تحققه كماً ونوعاً. إن مثل هكذا ناقد أو صحفي ينطلق، برأيي من عدائية غريبة لهذه الرواية، ومن جهل بها، ألم يقولوا (الإنسان عدو ما يجهل)؟ فبعد كل الفوضى والتعجل وكلام البعض في ما لا يعرف، وكلام آخر في ما لا معلومات دقيقة عنه، وبعد صدور كتابنا (فهرست الرواية العراقية 1919-2014) ونشري وغيري لمجموعة غير قليلة من الدراسات والمقالات التي تقدم معلومات، وليست آراء، على شيء من الدقة عن هذه الرواية، وضمنها النسوية، يظهر أحد النقاد مؤخراً على شاشة التلفزيون ليقول بثقة توحي للمتلقي بأن ما يقوله دقيق، إن ما صدر قبل 2003 (100) رواية وما بعدها (600)، بينما الرقمان الصحيحان هما ما يقارب الـ(700) رواية قبل 2003، وأكثر من (1000) رواية بعدها، ويقول ناقد آخر وبقطعٍ وثقة يُحسد عليها "ليس هناك رواية نسوية في العراق". وهكذا، إذن تأتي هذه المقالة الطويلة، مبرَّرةً بواقع ما نراه من فوضى واستسهال القول وأحياناً الجهل بما يتكلم به بعض المتكلمين.

لعل واحدة من ظواهر الكتابة العراقية بشكل عام، والروائية منها بشكل خاص، وتحديداً في العقود الثلاثة الأخيرة، ظاهرة الكتابة النسوية، نعني كتابة المرأة للرواية. فإذا ما بدأت بوادر هذه الظاهرة منتصف الثمانينيات وصارت واضحة نوعاً ما منتصف التسعينيات، فإنها تخطّت حدود أن تكون عادية نهاية التسعينيات وفي الألفية الثالثة. وهنا يجب أن نوضح حقيقتين تفرضان نفسيهما علينا ونحن نكتب ما يشبه استقراءً لفهرست الرواية النسوية العراقية الذي ألحقناه بكتابنا "فهرست الرواية العراقية 1919-2014"(1) وأتممناه لدينا إلى الوقت الحاضر. قد تبدو هاتان الحقيقتان متناقضتين، ولكن ما هما، في الحقيقة، كذلك. أُولاهما هي أننا حين نقول ظاهرة فإنما نعني أن حضور المرأة العراقية كاتبةً في الكتابة الروائية هو اقتحام قوي يفرض نفسه على الناقد والمؤرخ الأدبي، وربما حتى الدارس الاجتماعي والثقافي ودارس الجندر، وقبل ذلك على واقع الكتابة الروائية عموماً في العراق. الحقيقة الثانية هي أن القول بهذه الظاهرة لا يعني أن المرأة لم تكن حاضرة من قبل في هذا المجال، بل هي حاضرة ومن عقود عديدة، ولكنه حضور مرّ، من حيث عدد المنشور والنوعية والنضج والقوة والفاعلية، بما يشبه المراحل، كما سنتعرض له هنا مدعوماً بالفهرست المعني.

( 2 )

قد تكون المحاولة النسوية الأولى لكتابة رواية أو، بشكل أدق، قصة طويلة، هي (ليلة الحياة) لحورية هاشم نوري، التي نشرتها عام 1950 باسم مستعار هو (فتاة بغداد ح. ه. ح)، وضمن مجموعة ضمت، إضافة إليها، قصتين قصيرتين( 2). وإذ لا يحقق هذا العمل على المستوى الفني الكثير، فإنه يبقى يمتلك فضل المحاولة، مع أننا لا يمكن النظر إليه تجنيسياً إلا بوصفه قصة طويلة، إذ هو يقع في أثنى عشر ألف كلمة تقريباً. ومن منطلق نقدي يجمع ما بين الصرامة من جهة والمرونة من جهة أخرى، نزعم أن هذه القصة الطويلة إنْ كان هناك ما يجمعها مع الرواية، فإنه طولها والقليل من مقومات الرواية مقارنةً بغالبية القصص الطويلة العراقية الأخرى. المحاولة النسوية التالية لكتابة رواية، أو بشكل أدق قصة طويلة، هي (بريد القدر)- 1951- للكاتبة نفسها، وهي بطولها المحدود- في عشرة آلاف كلمة تقريباً- لا تنتمي هي الأخرى إلى الفن الروائي بل تقترب منه عبر هامش ضيق. ونحن حين نذكرها هنا فللأمانة العلمية أولاً، وللثبيت التاريخي ثانياً، ولتعزيزها للمكانة التأريخية لكاتبتها بعد عملها الأول.

إلى جانب هذين العملين، ظهرت، خلال تلك السنوات والسنوات التالية، محاولات قصصية طويلة أخرى لعل غالبيتها تندرج، إلى حدّ كبير، تحت توصيفاتنا السابقة لعملَيْ حورية هاشم نوري، إذ هي تفتقد جل المقومات الفنية المختلفة للفن الروائي. وحتى الطول، الذي هو غالباً ما يجذبنا إليها، فإنه لا يكاد يتحقق إلا جزئياً. هذه الأعمال، التي صدرت بين محاولة حورية هاشم نوري "ليلة الحياة" عام 1950 ورواية قصيرة لسميرة المانع هي "السابقون واللاحقون" نشرتها عام 1972 وسنأتي عليها في فقرة قادمة، هي سبع أو ثماني محاولات. والأهم هنا أننا لا نجد ما تستحق الإشارة إليها منها إلا "بريد القدر"- 1951- كونها لحورية هاشم نوري نفسها، و"من الجاني"- 1954- لحربية محمد التي هي في قصرها واضطرابها تبتعد عن أن تدخل في الريادة، و"نادية"- 1957- لليلى عبد القادر، التي هي أكثرها اقتراباً من تحقيق شيء فني في مسار الكتابة الروائية العراقية بشكل عام، والكتابة الروائية النسوية منها بشكل خاص، وهي على أية حال في ما يُفترض أنه جزء أول لم يصدر له جزءٌ ثانٍ. فهذا العمل يقترب بالتأكيد من الرواية مقارنةً مع جميع المحاولات الروائية والقصصية الطويلة التي صدرت قبله والعديد مما صدر بعده بسنوات. هذا الأمر شجع بعض الدارسين للتعبير عن بعض الحماسة لها، وعلى رأس هؤلاء الدكتور عبد الإله أحمد الذي قال فيها: "هي تبدو للقارئ، منذ الوهلة الأولى التي يأخذ بقراءتها، عملاً روائياً حقاً بُني على هذا النهج (التقليدي) الذي بُنيت عليه روايات القرن التاسع عشر في أوربا"(3 )، مع أننا لا نتفق إلا جزئياً مع أستاذنا الراحل الكبير في رأيه هذا.

( 3 )

انتقالاً إلى "السابقون واللاحقون"(4) لسميرة المانع التي سبق ذكرها، نعتقد أنها تجاوزت فنياً جميع المحاولات الروائية النسوية العراقية السابقة، كما أن ما اكتسبته أو حققته روائياً، ومع كل ما افتقدته في هذا، يبرّر التعامل معها على أنها رواية، قصيرة إن شئنا، ويتيح لنا أن نعدّها أول عمل روائي فني تكتبه امرأة عراقية. ولكن ليس صحيحاً، برأينا، ما ذهب إليه سيار الجميل، الذي يبدو واضحاً أنه غريب نقدياً عن الرواية العراقية، وأكثر من ذلك العربية، من أن "سميرة من أبرز الروائيات العربيات وهي أول من كتب الرواية الفنية العراقية منذ اكثر من ثلاثين سنة".(5) فإن الخروج من دائرة الرواية النسوية إلى الكتابة الروائية عموماً في العراق، كما فعل الجميل وهو يحكم على الرواية، يحيلنا بالتأكيد إلى ما نستغرب جهل الكاتب بها من أعمال روائية سبقت المانع بسنوات وأهمها، إذا تجاوزنا بعض أعمال محمود أحمد السيد وذي وعبد الحق فاضل وذي النون أيوب: "الاخطبوط"- 1959- لأنيس زكي حسن، و"الوجه الآخر"- 1960- لفؤاد التكرلي، و"السجين"- 1961- لأنيس زكي حسن، و"الأيام المضيئة"- 1961- لشاكر جابر، و"الزقاق المسدود"- 1965- و"كما يموت الآخرون"- 1965- وكلاهما لياسين حسين، والأهم من هذه كلها تلك التي صارت معرفتها من بديهيات معلومات ناقد الرواية العراقية ودارسها وهي: روايتا فرمان "النخلة والجيران"- 1966- التي تُعد باتفاق النقاد والدارسين أول رواية عراقية متكاملة فنياً، و"خمسة أصوات"- 1967، ورواية عبد الرزاق المطلبي "الظامئون"- 1967. وقد تلت هذه الأعمال الثلاثة، ونحن نتكلم عن الرواية العراقية عموماً لا الرواية النسوية، أعمال أخرى فنية صدرت قبل رواية المانع، أهمها: "كانت السماء زرقاء"- 1970- لإسماعيل فهد إسماعيل، و"اللعبة"- 1970- ليوسف الصائغ، و"ليس ثمة أمل لكلكامش"- 1971- لخضير عبد الأمير، و"الأشجار والريح"- 1971- لعبد الرزاق المطلبي، و"شقة في شارع أبي النواس"- 1972- لبرهان الخطيب، و"الوشم"- 1972- لعبد الرحمن مجيد الربيعي، و"القلعة الخامسة"- 1972- لفاضل العزاوي. وعلى أية حال، وفي العودة إلى الرواية النسوية، كان يمكن أن يصحّ كلام الدكتور سيار الجميل على رواية سميرة المانع، لو أنه حصر كلامه بالرواية النسوية فقط، وهو ما نفعله هنا، كما سنوضح في مقال قادم.

___

1. د. نجم عبدالله كاظم: فهرست الرواية العراقية 1919-2014، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2015.

2. فتاة بغداد ح. ه. ن (حورية هاشم نوري): ليلة الحياة، مجموعة "دماء ودموع"، مطبعة الهلال، بغداد، 1950.

3. د. عبد الإله أحمد: الأدب القصصي في العراق منذ الحرب العالمية الثانية، منشورات وزارة الإعلام، بغداد، 1977، ج1، ص179.

4. سميرة المانع: السابقون واللاحقون، دار العودة، بيروت، 1972.

5. د. سيار الجميل: موقع الدكتور سيار الجميل.

http://www.sayyaraljamil.com/Arabic/

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced