شهد العقدان الأخيران جملة أنشطة وفعاليات وإعلانات عن العديد من الاستراتيجيات والخطط الوطنية لحماية وتحسين الواقع البيئي المتدهور. نشير هنا الى أبرزها:
* في اَذار 2009 انضم العراق رسمياً الى اتفاقية الامم المتحدة الاطارية لتغيير المناخ(UNFCCC) وبرتوكول (كيوتو) الملحق بها، مشاركاً المجتمع الدولي في تثبيت غازات (الدفيئة) في الغلاف الجوي عند مستوى يحول دون تدخل خطير من جانب الانسان في النظام المناخي(1).
* وفي تموز 2009 أعلنت وزارة البيئة بأنها " تؤسس لمشروع بيئي ضخم من المؤمل ان يتم تنفيذه خلال الاشهر المقبلة"، يتناول سبل حماية الانسان من التغيرات المناخية وتأثيراتها الصحية عليه، تشارك فيه جهات عدة، وتم تحديد مدة تنفيذه بسنتين (2009 ـ2010). وكان من المقرر ان تقوم احدى الدول المانحة بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية بتمويله والاشراف عليه (2)..
* وفي عام 2013 أطلقت وزارة البيئة" الاستراتيجية الوطنية لحماية البيئة وخطة العمل التنفيذية للأعوام 2013 – 2017.
* وفي عام 2015 تم الإعلان عن " الاستراتيجية الوطنية للتنوع البيولوجي والخطة التنفيذية للفترة 2020-2015 "..
* وفي 8/12/2016 انضم العراق الى اتفاق باريس المناخي لعام 2015 وأصبح منظماً بشكل رسمي إلى الاتفاق وملتزماً بكافة بنوده
* وفي عام 2023 تشكلت "اللجنة الوطنية للتغيرات المناخية" وعقدت أول اجتماع لها في تموز 2023..
* وفي اَيار 2023أصدر وزير البيئة اوامره باستحداث شعب خاصة بالتغيرات المناخية في دوائر ومديريات وزارة البيئة في المحافظات كافة، بهدف تعزيز المستوى الاداري للتغيرات المناخية في دوائرها ومديرياتها كافة (3).
* وفي حزيران/2023 أُعلن العراق "الاستراتيجية الوطنية للحد من التلوث البيئي" للأعوام 2023- 2030
* وفي نفس العام أعلن الوكيل الفني للوزارة د. جاسم عبد العزيز حمادي: إنَّ وزارته تعمل بالتنسيق مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي UNDP لإعداد "مشروع خطة التكيف الوطنية " لمواجهة تداعيات الآثار السلبية للتغيرات المناخية، وأنَّ الوزارة بدأت بوضع خطة شاملة تمكن الجميع من معرفة أدوارهم، ولدعم جهود الحكومة بتنفيذ ما جاء في وثيقة "المساهمات المحددة وطنياً للعراق بشأن التغيرات المناخية ( (NDC(4).
* وفي تموز 2023، أعلن تنفيذ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق 6 مشاريع مهمة للتخفيف من آثار التغيرات المناخية، وللحد من انبعاثات الغازات المؤدية للاحتباس الحراري، ولمساعدة المجتمعات على التكيف مع آثار التغير المناخي، وإدارة الموارد الطبيعية، لاسيما المياه، والتنوع البيولوجي. وتطوير السياسات والوثائق التي تعزز الاستدامة البيئية وتحاكي مسألة التغير المناخي، ومنها NDC، والورقة الخضراء، والحفاز على الأهوار، ولاستراتيجية البيئية لإقليم كردستان بالإضافة إلى دعم حضور العراق في جميع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة (5)..
* وفي اَب 2023، أعلنت وزارة البيئة أنها تركز في عملها على ثلاثة عوامل: زيادة التخصيصات المالية للحكومة، وتشجيع الاستثمار الأخضر، والقطاع الخاص. ونوهت الى "احتياج العراق لتحديث بعض التشريعات والقوانين"(6).
* وفي 18/9/2024 أطلق العراق "استراتيجية الوطنية لحماية وتحسين البيئة العراقية 2024-2030"
* ولا تفوتنا الإشارة الى مشاركة العراق المنتظمة في مؤتمرات الأمم المتحدة للمناخ-"COP "، اعتبارا من المؤتمر 21 وحتى المؤتمر 29، وبوفود كبيرة.
وبعد كل هذا، ما هي الاستنتاجات؟
مقدماً، ثمة تساؤلات كثيرة بشأن عمل الحكومات المتعاقبة وجهاتها المعنية، ومنها:
أين صارت الخطط والمشاريع المُعلنة؟ وما الذي نفذته منها؟ وما هي النتائج المتحققة؟
فمن سيجيب؟
عموماً، نستنتج حصول تشخيصات للمشاكل البيئية القائمة، كان أغلبها صائباً، لكن الإعلان عن الخطط والمشاريع الحكومية، اتسم بأوصاف ليست دقيقة، والوصف كان متسرعاً ومبالغ فيه. ولمس المتابع الجيد، الموضوعي والحيادي، ان عمل الجهات المعنية في هذا المضمار طغى عليه الإرباك والتخبط والعشوائية، كجزء من سوء الإدارة، والفشل، ومن مؤشراته اعتماد الضبابية، وعدم الإفصاح عن التفاصيل والحقائق، وخاصة والنتائج المتحققة.
ونكرر ما طرحناه سابقاً، في هذه الصفحة، وغيرها، بشأن كثرة التصريحات والمبالغات وتضخيم الأمور من قبل إعلام وزارة البيئة، لدرجة أنه وصف مشاريع لم تنفذ بعد بـ " إنجاز كبير" و "رؤية متقدمة" و" خطة لا مثيل لها"، وما الى ذلك، حتى أن تصريحاً رسمياً بشأن إحدى الاستراتيجيات البيئية الوطنية قال:” الحكومة العراقية هي اول حكومة تنجز استراتيجية وطنية للبيئة"(كذا !!!).، مدللا على الجهل وعدم الإلمام.
ولم يعد سراً فشل الغالبية العظمى من الاستراتيجيات والخطط الوطنية التي أعلنت، والتي انتهت الفترة المحددة لكل واحدة منها دون توضيح ما أُنجز منها، ناهيكم عن مكاشفة الرأي العام العراقي بأسباب تلكؤ أو فشل تنفيذها.
وبشأن مشاركة العراق في المؤتمرات الأممية للمناخ، فهي تحسب بنتائج النجاح، وكل الدلائل تشير ان العراق لم يحقق فيها نجاحاً ملموساً. ولم تقم كل الوفود العراقية المشاركة بتنوير المجتمع العراقي بما أنجزته وما الذي حققه العراق من مشاركته، كما تفعل الدول الأخرى..
نشير الى ذلك لا لأننا ضد المشاركة، لا إطلاقاً، بل بالعكس كتبنا ونشرنا العديد من المقالات الداعمة للمشاركة، مشترطين ان يكون الوفد مكوناً من شخصيات علمية ومهنية كفوءة، تمثل أطياف العراق، وتحقق طموحاتها، لا ان تُشكل على وفق المحاصصة، واستغلال المؤتمرات للسياحة والاستجمام. وبالتالي، ان لا يحقق الوفد شيئا لانتشال الواقع البيئي وتحسينه.
ولعل الاستنتاج الأهم ان غالبية الأنشطة والفعاليات والاستراتيجيات والخطط البيئة المُعلنة قد فشلت، ولا أدل على ذلك من مواصلة العراق تذيله في "مؤشر الأداء البيئي العالمي ”، واَخرها حصوله في عام 2024 على درجة واطئة، وحل في المرتبة 178 من بين 180 دولة، وحل على المستوى العربي في المرتبة الأخيرة، في مؤشر أداء الحفاظ على الطبيعة.
وتأكيداً لهذا، نشير الى تقرير "المناخ والتنمية الخاص بالعراق" لعام 2022 الصادر عن (البنك الدولي) الذي أشر "التفاعلَ غير المُبَشِر بين تغير المناخ والتنمية"، وتسليِّطه الضوء على عواقب التقاعس عن العمل، وتشّديده على ضرورة تعزيز قدرات القطاع العام، وبنيته التحتية، والاقتصاد، على التكيف(7)
وأكدت تقارير إعلامية تفاقم تأثيرات التغير المناخي في العراق، وسط دعوات دولية إلى تطويق الوضع، فيما كشف وزير النفط العراقي، حيان عبد الغني، أن العراق يسعى لمنع حرق الغاز الطبيعي المصاحب بشكل نهائي، خلال 4 سنوات. وما زال العراق يحرق الغاز المستخرج إلى جانب النفط الخام، بسبب عدم توفر المنشآت اللازمة لمعالجته وتحويله إلى وقود للاستهلاك المحلي (8)
وأقر وزير البيئة وكالة د. جاسم الفلاحي في عام 2022: " إن العراق أصبح ضمن منطقة التطرف المناخي.، أي نشوء ظواهر يمكن أن تحصل في غير أوانها". وأضاف أن «مجلس الوزراء أصدر قرارات بمنع الاعتداء على المساحات الخضراء والبساتين وتحويل جنس الاراضي».وأشار، إلا أن «الجهات المسؤولة عن تنفيذ هذه القرارات هي البلديات والقوات الأمنية الماسكة للأرض" (9)
وفي عام 2023 أُعلِنت نتائج دراسة لمنظمة الهجرة الدولية IOM بينت ان التغير المناخي والتدهور البيئي ساهما في نزوح ما لا يقل عن 55,290 ألف شخص في وسط وشمالي العراق لفترة ما بين 2016 وتشرين الأول 2022، وقد شملت الدراسة 9 محافظات و29 منطقة و262 موقعا فيها. وحذرت من اتساع تبعات التغير المناخي في العراق (10)
وأعلن رئيس مجلس الوزراء المهندس الزراعي محمد شياع السوداني عن الإعداد لرؤية للعمل المناخي لغاية العام 2030، ودعا في كلمة له خلال افتتاح "مؤتمر العراق للمناخ"، الذي عقد في البصرة في اَذار 2023، الدول الصديقة ومنظمات الامم المتحدة لدعم العراق في مواجهة آثار التغيرات المناخية. وأضاف: "سندعو لمؤتمر إقليمي يعقد في بغداد قريباً، لتعزيز التعاون والتنسيق المشترك، وتبادل الخبرات والبرامج بين دول الإقليم في مواجهة التأثيرات المناخية"(11).. ولليوم لم يحصل ذلك.
من جهته، أكد رئيس الجمهورية د. عبد اللطيف رشيد، أثناء حضوره "المؤتمر الدولي الأول للمتغيرات المناخية وأثرها على الأمن الصحي في العراق"، الذي افتتح في بغداد، في 22/9/2024: أن التغيرات المناخية باتت تشكّل تحدّياً للأمن الصحي في العراق، مشيراً إلى التزام الحكومة الاتحادية في بغداد مع حكومة إقليم كوردستان في أربيل، بالتعاون مع الشركاء بالمجتمع الدولي، للبحث عن حلول "مستدامة وفعّالة " لمواجهة تحديات التغيرات المناخية.
لاحظ عزيزي القارئ: العراق ما يزال يبحث عن الحلول، ويواصل استجدائه للمساعدات ا وهو البلد الغني بثرواته، لكنه منهوب ومستباح، بينما التغيرات المناخية تهدد صحة وحياة أجياله الحالية والمستقبلية..
الهوامش:
1-"الصباح"،10/5/2009
2- الصباح،13/7/2009
3-إعلام وزارة البيئة،16/5/2023
4- "الصباح" 6/6/2023
5--"الصباح"،12/7/2023
6- الصباح"،20/8/2023
7- تقرير المناخ والتنمية الخاص بالعراق، "البنك الدولي"-الشرق الأوسط وشمال أفريقيا،3/11/2022
8--"سكاي نيوز عربية"، 25/12/2022
9- "المدى"، 2/6/2022
10- ترجمة:"المدى"، 8/5/2023
11- وكالات-"سكاي نيوز عربية، 12/3/2023