منظومة المحاصصة.. لا تغير نفسها بنفسها!
بقلم : صبحي الجميلي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

في الممارسة العملية تحول نهج "التوازن والتوافق"، الذي اعتمد في بداية العملية السياسية بعد نيسان٢٠٠٣، كحل مؤقت لتمثيل الجميع فيها، الى منظومة محاصصة تتقاسم السلطة والمناصب والمواقع في الدولة العراقية تحت عنوان تمثيل "المكونات"، التي اختُزلت لاحقا الى أحزاب وكتل سياسية معينة، فوضت نفسها بنفسها، ثم أصبحت ملكا (طابو) لأشخاص وافراد محددين.

نهج المحاصصة هذا، الذي اعتُمد وما زال في إدارة الدولة وبناء مؤسساتها، حال دون قيام دولة متماسكة قوية، وكرس الهويات الفرعية، الطائفية والاثنية والمناطقية والعشائرية، وبدد فرص بناء دولة المواطنة والقانون والمؤسسات، وعزز الانقسام المجتمعي، وافرزت تداعياته احتقانا شعبيا، خاصة بين الشباب الذين يعانون من البطالة وعدم تكافؤ الفرص، في حين يغدق المتنفذون الوظائف في الدولة على المريدين والزبائن، بعد ان حولوها ومواردها الى غنيمة، وغابت معايير الكفاءة والقدرة والنزاهة.    

ورغم حالة الفرز المتواصل، واتساع الهوة بين الأقلية المتنفذة وغالبية الشعب، المكتوية بنار الازمة البنيوية العامة وتداعياتها المتنوعة، وارتفاع منسوب السخط والتذمر، واندلاع حركات احتجاجية واسعة وصلت ذروتها في هبة تشرين ٢٠١٩، فان المنظومة الحاكمة والمتنفذة سادرة في نهجها، الذي أعاق على مدى ٢٢ عاما تحقيق إرادة العراقيين وآمالهم بعد الخلاص من الطغمة الدكتاتورية.

وأظهرت الممارسة العملية ان هذه المنظومة تضع مصالحها فوق كل اعتبار، ولا أقدس عندها من السلطة ومغانمها. وهي من اجل إدامة ذلك متأهبة للجوء الى العنف بكل اشكاله، والى فبركة الاتهامات والدوس على الديمقراطية ومعاييرها وتشويهها، وخنق حريات التعبير والتظاهر، ومصادرة الحقوق الدستورية. فاذا سمحت بشيء فمن باب التنفيس، والانحناء حتى تمر العواصف.

هكذا تعاملت المنظومة وتتعامل في الجوهر مع الحركات الاحتجاجية وانتفاضة تشرين، وإن اختلف نسبيا بعض المواقف الفردية.

كما ان المنظومة حمت الفساد والفاسدين، واظهرت عدم جدية في مكافحتهما، ما أدى الى انتشار واسع لآفة الفساد في جسد الدولة والمجتمع. واهدرت المنظومة وفرسانها المتنفذون أموال الشعب بطرق وأساليب مختلفة، غدت مكشوفة ومعروفة للقاصي والداني. وأمامنا واقع تدمير قدرات البلد وقطاعاته المنتجة، الصناعية والزراعية، وتدهور الخدمات العامة، وليس آخرها ازمة الكهرباء العصية على الحل في بلادنا دون غيرها.

وهناك الكثير من الظواهر المتفاقمة في الحياة الاجتماعية، وما يتعلق بقدرة الدولة على حماية سيادتها وقرارها الوطني المستقل، وعلى انفاذ القانون بحق الجميع، وحصر السلاح وقرار استخدامه بالمؤسسات الدستورية.

امام هذه الظواهر وغيرها العديد يبرز التساؤل الكبير: ما آفاق المستقبل في ظل هذه المنظومة، وهل يمكن التعويل على قيامها بمجرد إصلاحات ولا نقول بتغيير جدي؟

واضح ان القناعة تزداد، داخليا وخارجيا، بان لا امل في اجراء اصلاح ولو محدود على يد هذه المنظومة، فهي ليست لها مصلحة في ذلك، وهي متشبثة بالسلطة وامتيازاتها، والتبرير هو مصالح الطائفة والمكون! وواهم من يظن انها، ومعها الفساد والسلاح المنفلت اللذين تتماهى معهما، يمكن ان تغير نفسها بنفسها.

لذلك تبرز الحاجة الى مشروع وطني ديمقراطي بديل، ينتقل بالبلاد من دولة المكونات الى دولة المواطنة الجامعة. وهذا المشروع لا يمكن ان تتبناه وتطلقه المنظومة ذاتها. فهي مصممة ومكيفة لخدمة مصالح معينة وليس مصالح عموم الشعب، ولا للتوجه الجدي نحو بناء دولة مدنية معاصرة متماسكة، وقادرة على إداء مهامها.

فهذا ما لن يتحقق الا بالتغيير الحقيقي، الذي تصنعه الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية والديمقراطية، ومعها جماهير الشعب التي تتواصل معاناتها. الأمر الذي يتطلب وعيا جماهيريا وحراكا سياسيا ومطلبيا وجماهيريا منظما، ومشاركة شعبية واسعة في الانتخابات، وإرادة كفاحية حيّة، وقدرة على المواصلة، واستعدادا كافيا للتضحية والعطاء وتحمل المسؤولية. مثلما يستلزم مراكمة النجاحات مهما كانت جزئية، انما من دون تعويل وانغماس فيها. فالبوصلة يجب ان تشير دوما الى ان المرتجى والمؤمل، وهو الخلاص من المنظومة، ومن أسّ البلايا والنكبات المتمثل في منهج المحاصصة.

طريق الشعب

  كتب بتأريخ :  الإثنين 19-05-2025     عدد القراء :  66       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced