في خطوة تثير الاستغراب والقلق في آنٍ، أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عن تحديد رسوم مالية تُفرض على كل مرشح يرغب بخوض الانتخابات البرلمانية، وتحديدًا 250 ألف دينار لفحص هيئة المساءلة والعدالة، و170 ألف دينار لفحص الأدلة الجنائية. أي أن مجموع الأجور يبلغ 420 ألف دينار عراقي لكل مرشح، وهي خطوة تفتح أبواب الجدل والتساؤلات عن جدية الدولة في تشجيع الحياة الديمقراطية، وتكافؤ الفرص في المنافسة السياسية، خصوصًا في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد.
فإذا أخذنا بغداد كمثال، والتي تخصص لها 69 مقعدًا برلمانيًا، فإن أي قائمة تسعى إلى الترشح بشكل كامل عليها أن تقدّم 138 مرشحًا (بمعدل مرشحين لكل مقعد حسب نظام الدوائر المتعددة)، أي أن الكلفة الإجمالية المترتبة فقط على "رسوم الترشح" تتجاوز الـ60 مليون دينار عراقي. وهذا المبلغ الكبير يُعد عائقًا حقيقيًا أمام الأحزاب المدنية، والقوى الوطنية النزيهة، والمستقلين، والفئات المهمشة التي لا تمتلك تمويلًا فاسدًا ولا رعاة من أصحاب المصالح.
فهل بهذا الشكل تُبنى ديمقراطية حقيقية؟ وهل العدالة الاجتماعية تقاس بالمبلغ الموجود في الجيب؟ هل الترشح البرلماني حق دستوري، أم امتياز يُمنح فقط لمن يملك المال؟
فتح الباب لأحزاب الفساد
هذه الرسوم لا تمثل عائقًا أمام أحزاب السلطة والمال السياسي الفاسد، التي تغذت طوال السنوات الماضية على موارد الدولة والصفقات المشبوهة. فبالنسبة لهذه الأحزاب، 60 أو حتى 600 مليون دينار مجرد مبلغ يُدفع من "خزينة الفساد"، بينما تُغلق الأبواب أمام شباب مستقلين، أو ناشطين مدنيين، أو قوى سياسية نزيهة تبحث عن التغيير الحقيقي.
أين العدالة مقارنة مع الديمقراطيات الرصينة؟
لنتوقف قليلًا وننظر إلى بعض أمثلة الدول الديمقراطية الرصينة التي تؤمن فعليًا بحق المشاركة السياسية، لا بالاسم فقط: هولندا، النرويج، السويد، ألمانيا، الدنمارك، إيطاليا: لا تفرض أي رسوم على الترشح، وتكتفي بجمع عدد معين من التواقيع كشرط لدخول السباق الانتخابي.
جنوب أفريقيا، الفلبين، بوتسوانا، بولندا: تطبق رسومًا رمزية أو لا تطبق أي رسوم، وغالبًا تُعاد إذا حصل المرشح على نسبة معينة من الأصوات.
الرسالة الخطيرة
إن ما تفعله المفوضية الآن هو فرض ضريبة على الحق الديمقراطي، وتشجيع منظومة "الدفع مقابل الترشح"، في بلد ما زال يعاني من اختطاف القرار السياسي، ومن عزوف شعبي متزايد عن المشاركة في الانتخابات. هذه الرسوم تبعث برسالة خطيرة: إذا لم تكن من أبناء الطبقة الميسورة أو من محيط المال السياسي، فمكانك ليس في قاعة البرلمان، بل في صفوف المتفرجين.
دعوة للمراجعة والعدالة
إننا نطالب المفوضية بإعادة النظر فورًا في هذه الآلية، والتمييز بين "إجراءات تنظيمية" وبين "فرض رسوم باهظة تُعيق الترشح". إذا كانت المفوضية جادة في دعم العملية الديمقراطية، فعليها تسهيل المشاركة لا تعقيدها، وتشجيع القوى الوطنية المستقلة، لا تحجيمها لصالح كارتلات السلطة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
المنسق العام للتيار الديمقراطي العراقي