اليأس كصناعة.. تَبْرَعُ بها الطغمة
بقلم : جاسم الحلفي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

تُدير طغمة الحكم الشعور الجمعي بوعي مقصود، مستعملة أدوات نفسية وإعلامية وسياسية تهدف إلى تكريس هيمنتها واستدامة سيطرتها. وواحدة من أخطر هذه الأدوات هي صناعة اليأس، وتحويله إلى حالة جماعية تُشلّ بها إرادة الناس وتُخمد مطالباتهم بالتغيير. هذا اليأس هو ثمرة مباشرة لمنظومة متكاملة، تُنتج العجز وتُجهض الأمل وتدفع الناس إلى القبول بالأمر الواقع، وكأنه قدر لا يُرد.

ان سلطة المتنفذين في العراق غير مبنية على خدمة الناس أو تحسين معيشتهم، بل على تعطيل مقصود لمؤسسات الدولة، وإبقائها في حالة شكلية خاوية من أي فعالية. وتُهمَل عن عمد البنية التحتية وتنويع الاقتصاد والخدمات بشكل عام، وبالأخص الكهرباء، وتُترك لتنهار لا بسبب العجز، بل وفق خطة لإضعاف ثقة الناس بكل ما هو عام، ودفعهم نحو خلاص فردي في مواجهة حياة تُدار على إيقاع الفوضى.

في موازاة هذا التدمير الممنهج، تتسع الفجوة الطبقية بشكل فاضح. تُمنح النخب المرتبطة بالسلطة امتيازات ضخمة، تجعلها تعيش في عالم مختلف كلياً عن غالبية الشعب. وبينما يُترك الفقراء لمواجهة الجوع والحرمان، تنعم هذه القلة بموارد الدولة وتتحصن بالمحاصصة والفساد. ومع تفكك الطبقة الوسطى، يُغلق الطريق أمام أي توازن اجتماعي أو ضغط شعبي فعّال.

أما إعلام المتنفذين، فقد تم تسخيره بالكامل لخدمة هذه المنظومة. وهو لا يعكس الواقع، بل يُعيد إنتاجه وفق ما يناسب الطغمة. وتُختزل القضايا الكبرى في شعارات جوفاء، وتُحوّل المطالبات الإصلاحية إلى تهم أو نكات، ويُسوّق الاستقرار الزائف على أنه بديل عن التغيير الحقيقي. والإعلام هنا لا يُعبّر عن الشعب، بل يشارك في إعادة برمجته على القبول باللاحل، وعلى الخوف من البديل. وحتى الفضاء الرقمي، الذي كان ملاذاً، لم يسلم من الرقابة والتضييق. فهو يخترق ويُراقب ويُقيد، حتى تحوّلت حرية التعبير إلى خطر محتمل.

أما الفساد، فلم يعد انحرافاً عن النظام، بل صار هو النظام نفسه. لا رقابة حقيقية، ولا مساءلة، ولا عدالة. الفاسد يُكافأ إن كان موالياً، وتُغلق الأبواب في وجه الكفاءة والنزاهة. وتغلغلت المحسوبية في كل مفصل، وتحوّلت شبكات المصالح إلى بنية بديلة للدولة. وكل من يرفض هذه القواعد، يُقصى أو يُقمع أو يُشوَّه.

وهنا نستحضر تحذير الفيلسوفة السياسية "حنة أرندت"، التي رأت أن التوتاليتارية لا تقوم على العنف وحده، بل كذلك على العزلة. فالفرد المعزول لا يفقد القدرة على الفعل فقط، بل يُمنع من التفكير والحكم أيضاً. وهذا بالضبط ما تفعله الطغمة الحاكمة: تُغلق الفضاءات العامة، وتُفرغ المفردات من معناها، وتُحاصر الوعي العام بالعجز والتفاهة.

لكن رغم كل هذا، تثبت التجربة التاريخية أن الشعوب، مهما طال صبرها، لا تُعاد برمجتها إلى الأبد. فالألم لا يقتل دائماً، بل يُوقظ أحياناً. واليأس الذي يُنتَج بشكل منهجي، قد ينقلب في لحظة إلى غضب لا يمكن احتواؤه. والنظام الذي يبني بقاءه على سحق الإرادة، سيفشل حين تنهض تلك الإرادة من حيث لا يُتوقع.

المصدر.. طريق الشعب

  كتب بتأريخ :  الخميس 12-06-2025     عدد القراء :  48       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced