توطئة: أعرفْ حقوقك الانتخابية بعد 2025!؟ وأعرف لمن تصوت!؟ إلى أبناء هذا الوطن الجريح الذين قدموا العديد والكثير من التضحيات على مدى قرنٍ من الزمن الغابر والغادر سعياً لأملٍ واعد بالنهوض بالوطن وبما يكفل حقوق مواطنيه، وإلى المخلصين المناضلين بصمت البعيدين عن الأضواء أو المبعدين عنها الذين يقدمون تضحياتهم لوجه الوطن والمواطنين.
تعتبر الانتخابات جزءاً أساسياً من الأنظمة الديمقراطية بل هي الرافعة الأساسية في عوالم دساتير الحرية والمساواة ـ تكون مقاطعتها خطاً أحمراً مرفوضا ومستهجناً اجتماعيا حتى دينياً حيث أكد جمهور علماء المسلمين عموماً: بوجوب المشاركة الفعلية في عملية الانتخابات لأنها نوع من أنواع الشهادة لمن هو أصلح في قيادة البلاد في هذه المرحلة الحرجة والذي يتخلف عن أداء هذه الشهادة يساعد على سقوط الكفوء الأمين.
أن المشاركة في الانتخابات العامة مسألة حرجة في عمر الأمة وفرصة لا يجوز تضيعها لأنها تنتج تداعيات خطيرة في عالم المظالم الاجتماعي والفساد الإداري والاقتصادي والسياسي بإعادة تدوير النظم الشمولية المستبدة، تقوم (المشاركة) بدور تحصين سير العملية الديمقراطية بالصد لعمليات فوبيا التزوير الانتخابي.
وقد عرف العراقيون الانتخابات منذ السنين الأخيرة إبان السيطرة العثمانية على العراق عام 1876، وقد روجتْ الثورة اْلفرنسية للعالم عام 1789 والذي تم تضمينهُ في الدستور الفرنسي عام 1793 وتبين إن الساسة والمشرعين الفرنسيين أخذوا فكرة الانتخابات من كتاب الفيلسوف (جان جاك روسو) وتقاربت بأفكار فولتير ومونتسيكيو لتصبح القاعدة الفكرية الأساسية للثورة الفرنسية خاصة ما يتعلق (بالعقد الاجتماعي) الذي يجب أن يسود لمصدرها الوحيد (الإرادة الشعبية) منتج صندوق الاقتراع.
الموضوع: وتبقى الانتخابات هي التعبير الأسمى عن السيادة الشعبية في مجتمع ديمقراطي مدني لتفعيل مبادئ الحرية والمساواة بين المواطنين كما هي واضحة في الدساتير والقوانين الديمقراطية، ولا بديل إلا وأن يكون مصدرها الاقتراع وهذا ما سمي بالشرعية الشعبية.
لابد أن يكون لكل المواطنين الحق في التصويت والترشيح حسب توفر الأهلية المدنية وسلامة الذمة الجنائية.
والآن من الضرورة كشف ملفات آخر انتخابات العراق والتي جرت في 12-5-2018 لكي نضع انتخاباتنا المقبلة في 11-11 -2025 في ميزان النظرية والتطبيق؟!
لقد شهدت الانتخابات الأخيرة في العراق يوم السبت 12-5-2018 مقاطعة قياسية هي الأولى من نوعها على مدى التجارب الانتخابية السابقة منذ عام 2003 ، حيث أعلنت المفوضية المستقلة للانتخابات العراقية نسبة المقاطعة بلغت 55% أو 60% وقد تكون أعلى من هذا بكثير 63% في وقتٍ يحقُ ل(24) مليون عراقي الأدلاء بأصواتهم من أصل 37 مليون أجمالي عدد السكان في العراق ، أن المقاطعة مظهر ديمقراطي حضاري بيد أنهُ أبغض الحلال ؟!، وتعد رسالة إلى صنّاع القرار السياسي في العراق إلى أيجاد قانون انتخابي عصري يلبي طموحات هذا الشعب المغلوب ، ودعوة إلى أحياء الدور الرقابي للبرلمان ، مع أني لستُ مع هذا التوجه ، فقد شاركتُ في الانتخابات لاعتقادي الراسخ وكسياسي مخضرم أن وطني في مركز الإعصار الأهوج ومحاط بأشرس الأعداء من سياسيي السلطة ودول الجوار ومكائد المحتل الأمريكي ، والذي دفعني أن أكتب في موضوع ظاهرة العزوف وجدتها ظاهرة مرعبة في تداعياتها على المستويات والآفاق المستقبلية وسقوط رهانات الباحثين في المشروع الديمقراطي الجديد في العراق ، فلابد البحث عن الأسباب والدوافع لهذه الظاهرة المخيفة ، والتي تنامتْ في انتخابات 2018مما يدفع للتساؤل الجدي حول الأسباب التي جعلت من الناخب العراقي عدم الاكتراث بهذه الانتخابات بالرغم من حملات التحسيس الواسعة والرهانات الكبيرة التي تبنى عليها هذه الاستحقاقات ، وأن ظاهرة العزوف في العراق أخذت منحىً أخر وهو وضع الورقة البيضاء ومن مصادر خبرية علمتُ أن نسبة عدد الأوراق البيضاء 4-2 مليون ورقة في تشريعات 2012 وألى 1-2 مليون ورقة في الانتخابات الأخيرة ، وأن الورقة البيضاء لها دلالاتها السياسية العميقة يمكن فهمها على أن صاحبها يهدف إلى أرسال رسالة معينة مناسبة إلى هذا الموعد الوطني ، وأخيراً أقول : أن الجميع اليوم يتحمل مسؤولية ما وصل أليه العراق سياسياً هو { خلطة البزنس والعشائرية والحزبية الفئوية وانفلات السلاح ، وأن العزوف مرتبط باعتبارات معينة كالفقر والجهل وغياب الوعي السياسي وثقافة المواطنة وسيطرة الغيبيات الدينية المخيّمة على بعض مناطق العراق .
الأسباب!؟
-فقدان ثقة الجمهور بالحكومة ووصوله إلى اللاعودة، لسبب فشل الحكومة في أدارة دولة مؤسسات وانتشار الفساد المالي والإداري في مفاصل الدولة ولأكثر من عشرين عاماً!؟
- عدم نزاهة المفوضية المشرفة على الانتخابات ولم تحافظ على حياديتها واستجابت لضغوطات الكتل السياسية المتنفذة بشكلٍ أو بآخر وربما التأثر بأجندات إقليمية كالصراع الإيراني – السعودي وأرادات دولية والمعروفة بالتدخل الأمريكي المحتل.
- والمقاطعون يمثلون الشريحة المثقفة والذين هم قادة الحراك الشعبي الجماهيري في تحريك ( الشارع العراقي )هم من المدنيين الناشطين والإعلاميين والمثقفين ومن شريحة الشباب وطلاب الجامعات تمكنوا من دفع الجمهور نحو المقاطعة ، وباعتقادي ربما كانوا هم على حق ونحن المشاركون على خطأ بدلالة النتائج المخيبة للآمال وصعود نفس الوجوه الفاسدة التي أحكمت قبضتها على مصير العراق والعراقيين ، أضافة إلى فوز أعداء العراق من الذين شملهم العفو وقادة المنصات ورواد خنادق( فنادق) أربيل وعمّان واختراقهم قبة البرلمان القادم .
- سكوت المرجعية الدينية عن إصدار فتوى مؤثرة كفتوى الجهاد الكفائي وتقول: {المشاركة في الانتخابات واجب عين كالصلاة}.
- فشل الأحزاب في تقديم برامج مقنعة للناخب، ومهزلة الدعايات الانتخابية التي أرتقت إلى أشكال جيوشٍ إلكترونية وصلتْ إلى كسر العظم مما خلق عند الناخب فوبيا المجهول ففضّل الانزواء.
- عزوف الجاليات العراقية في الخارج وبنسبٍ كبيرة ربما وصلت إلى المقاطعة إلى 85 % مما شجع على نمو العزوف بشكلٍ مطرد، وأيقن الناخب العراقي العازف عن الانتخابات بأن تلك العملية ليست ديمقراطية بل مسرحية هزلية أو معركة وهمية بسيوفٍ خشبية.
- أن الإحساس بالتهميش بات واضحاً لدى الجماهير الشبابية والمثقفة والأكاديمية المعطلة والتي تأكدت هذه النخبة المؤثرة في المجتمع العراقي: عدم وجود رغبة في المرشحين أنفسهم في تلبية الحاجات الملحة والمطلوبة فورا كمكافحة البطالة وإيجاد فرص عمل للخريجين منذُ عشرة سنوات.
- أصبح في العراق الجديد المتجلبب بعباءة الديمقراطية بمقاسات أمريكية مشوّهةٍ ب (مُسلمات) عبثية جائرة بعد 2003 التي هي: العشائرية والحزبية والكتلوية والفئوية والمناطقية والجاه في الحكومة ما يسمى بالواسطة، فمن لهُ رصيد فيما ذكرتُ سيفوز ومن لا يمتلك تلك المؤهلات فهو في حكم الضياع ينالهُ التشويه والتشويش من قبل المتسلقين والانتهازيين والمنافقين ووعاظ السلاطين.
- مواقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك كان لهُ الأثر الكبير في هزيمة الأعلام الكلاسيكي في معركة المقاطعة، وفشل حكومة العبادي في التعبئة الانتخابية وضعفها في مواجهة التزوير وقوة الأحزاب المؤثرة.
- الانتخابات أشعلت أسعار سوق الشقاوات والبلطجية والمسلحين من حمايات الأحزاب والكتل المتنفذة مما أدى إلى عزوف الناخب والنأي بنفسه عن تلك المعركة الخاسرة مسبقاً، وهذا الفلتان الانتخابي شملت المرأة العراقية بأن تنزوي هي الأخرى، وكانت مشاركتها ضعيفة جداً بل معدومة في مناطق تتسيّدْ فيها الذكورية العشائرية وهالات القدسية الدينية.
- ومن أبرز ما تداولهُ الناشطون العازفون عن التصويت في الانتخابات: هو عدم ضمان نزاهة الانتخابات، استقواء الأحزاب الكبيرة والمتنفذة الحاكمة على خصومها السياسيين والمتأملة أن تصل لقبة البرلمان بالتزوير مما أدى إلى مزيدٍ من الإحباط لدى الناخب الذي وصل إلى قناعة تامة: من أن البرلمان العراقي (مُسيّسْ) بدليل خضوعهِ إلى المحاصصة لفئة معيّنةٍ حصراً.
- قانون الانتخابات الجائر والغير ديمقراطي والغير عادل والمتحيّزْ لرؤوس الكتل الكبيرة المتسيّدة على القرار السياسي منذُ عام الاحتلال 2003، وقد يكون للأعلام السالب دوراً مبكراً بنشر أضاليل باطلة: بأن ستكون الانتخابات مزوّرة كسابقاتها مما أدى إلى إصابة الناخب بالإحباط والنكوص وثمّ إلى العزوف.
- قانون سنت ليغو: أنهُ قانون رصين ومجرب في دولٍ ديمقراطية عديدة، ولكن استعملت الأحزاب المتنفذة في انتخابات 2012 وانتخابات 2018 بانتقائية الرقم الحسابي الذي هو 7-1 فمن تداعيات هذا القاسم الانتخابي العالي سوف يدعم مرشحي الكتل الكبيرة والمتوسطة بالحصول على مقاعد رغم قلة عدد الأصوات التي يحصلون عليها، وقد أصاب الناخب اليأس والقنوط وفضل الانزواء.
- التشكيك بنزاهة الانتخابات يزيد من ظاهرة العزوف عن الانتخابات.
كاتب ومحلل سياسي عراقي مقيم في السويد
تموز2025