بينما يعيش أهالي ضحايا حريق " هايبر ماركت الكورنيش " في مدينة الكوت العراقية ومعهم أهالي المدينة وكل العراق أجواء الفاجعة ويغمرهم الحزن العميق على فقدان ما يقارب الـ 80 شخصاً من فلذات اكبادهم وأحبائهم ومعارفهم في هذه الحادثة الأليمة، شرعت أطراف سياسية متنفذة، الرقص على أجداث الضحايا.
بحكم التجربة، تكون رأي عام في المدينة أن الحريق الذي التهم أجساد أحبائهم لم يكن قضاءا وقدراً، كما تحاول الأوساط القريبة من السلطات المحلية الترويج له، وإنما هي جريمة كاملة المعالم… بدأت بإعطاء انطباع خادع لدى سكان المدينة بأن نافذة ترويحية قد تحققت لهم، توفرت بها كل شروط الأمان والجمال والراحة، ولكن الواقع المؤلم أثبت عكس ذلك. وقد تبين بعد الكارثة أن الجهات والدوائر الرسمية في محافظة الكوت قاطبة مقصرة " من قرنها إلى تقرنات أقدامها "، ضالعة في صفقة فساد لصالح المستثمر، واستلمت المعلوم، مقابل الموافقات المطلوبة للبدء ببناء مشروع الهايبر ماركت.
الجهات الرسمية في المحافظة تتنصل من مسؤولياتها. تدعي عدم علمها بالأمر، " وان كنت لا تدري فالمصيبة أعظمُ ". وأن البناء غير شرعي لعدم حصوله على الموافقات الرسمية المطلوبة، رغم أن بناء " الهايبر ماركت الكورنيش " استغرق سنتين وهو أكبر استثمار تجاري في المدينة، وليس من المعقول عدم ملاحظة الجهات الرسمية في المحافظة لما يدور، بينما يعبر المستثمر عن استعداده للوقوف أمام المحاكم، والكشف عن مكالمات التهنئة بافتتاح الهايبر ماركت تبعه، من مسؤولي المحافظة، وتسليم تسجيلات الكاميرات الخاصة بالمول عن قيام بعض المسؤولين بالمحافظة بالتسوق مع عوائلهم.
أحد المواطنين أكد أنه لا يمكن فتح أي استثمار حتى لو كان صغيراً مثل كشك دون تقديم رشوات لموظفي البلدية واتاوات لمنتسبي الميليشيات، فكيف لا يعلمون بهذا الصرح الهائل؟
الاستغلال السياسي الدنيء لهذه الفاجعة الانسانية، بدأ عندما هاجمت مجاميع الولائيين للأحزاب الإسلامية الحاكمة والميليشيات على وسائل التواصل الاجتماعي النائب التشريني في مجلس النواب سجاد سالم واتهامه بالفساد، باعتباره مالكاً للمول وتحميله المسؤولية على الفاجعة، استناداً إلى صورة قديمة له وهو في مطعم كان في نفس المكان قبل تحوله إلى مول، لخلط الزين بالشين ومحو الفوارق، لكنه نفى في تصريح متلفز، بشكل قاطع، علاقته بالهايبر ماركت إياه وتحدى أن تقدم أي جهة رسمية اثباتات على ذلك.
المعروف عن النائب سجاد سالم تصديه الجريْ لفساد هذه الأحزاب وميليشياتها وتسلطها واستهتارها بكرامات المواطنين، لهذا استغلت المواقع التابعة لها الفرصة للثأر منه وتشويه سمعته.
وسبق أن حاصرت ميليشيات لمكتبه في المدينة بعد تصريحات جريئة أوجعتهم!
وقد أكدت " التقنية من أجل السلام " وهي جهة مستقلة للتحقق من الأخبار أنه " بعد تحققها في عدد من الوثائق من بينها وثيقة التسجيل العقاري الصادرة في عام 2024، والتي تبين أن مالك الأرض هو وليد سليم علي، وتبلغ مساحتها 500 متر مربع، وتقدر قيمتها بـ 175 مليون دينار عراقي، دون وجود أي ذكر أو ارتباط بالنائب سجاد سالم في سجلات الملكية.
وبذلك أكدت صدق أقوال السيد النائب سجاد سالم، وبراءته من كل الادعاءات المغرضة ضده.
التسقيط السياسي الذي مارسته هذه الأطراف ضد السيد النائب، يكمن فيه الكثير من الغباء، لأن لو كانت ملكية البناء عائدة للسيد النائب حقاً، فإن أولى الشكوك بالحرق ستوجه بالضرورة، لمن له المصلحة في فعل ذلك، كما هو معمول به في التحقيقات الجنائية للكشف عن الجريمة، أي أن الأنظار تتجه لأعدائه مباشرة أي إليهم. وبذلك يكونوا قد ورطوا أنفسهم من حيث لا يعلمون.
وامعاناً في الرقص على أجداث الضحايا، واستثمارها هذه المرة طائفياً في تأجيج المشاعر وحرف الأنظار، تداول البعض، على وسائل التواصل الاجتماعي، تلميحات طائفية عن مسؤولية العاملين السوريين في الهايبر ماركت، منطلقين من هواجس مرضية سوداوية وإعطائها بًعداً ارهابياً.، ارتباطاً بالأحداث في سوريا.
فاجعة الحريق هي فعلاً عملية ارهابية، ولكن من ارتكبها هم الفاسدون في مؤسسات الدولة التي توزع إجازات البناء لمن يدفع أكثر بدون تمحيص، وتغاضت عن شروط السلامة العامة، وليس السوريين الباحثين عن قوت يومهم.
وقد برأت الوقائع العاملين السوريين من كل شكوك سقيمة، بعد اكتشاف وجود جثة محترقة لأحدهم في الطب العدلي. وقد أسقط اسمه " زين العابدين " كل تخاريفهم الطائفية التي عولوا عليها لإشعال فتنة طائفية بغيضة وستر عورات فاسديهم.
ربما الجريمة الكبرى، كانت بدفع جموع المواطنين إلى اللجوء للهايبر ماركت، هرباً من الحر القاتل الذين يعانون منه في منازلهم، للتمتع بأجواء توفر الكهرباء والتكييف، بسبب الفشل الحكومي المزمن في حل مشكلة الانقطاعات الكهربائية المستمرة التي لم تستطع أو لم ترد الطغمة الحاكمة حلها طوال أكثر من عشرين عاماً، رغم المليارات التي أنفقت عليها.
وبعد الفاجعة، وبعد إعلان الحداد ثلاثة أيام على الضحايا، وتشكيل لجنة تحقيق، يشكك المواطنون بوصولها لنتائج تؤشر على المسؤولين عن الجريمة ومن ثمة تقديمهم للمحاكم، أسوة بلجان تحقيق في فواجع سابقة، لم تعلن نتائجها، وسجلت الجرائم ضد مجهول… لهذا فقد قام المواطنون محاصرة مبنى محافظة الكوت لإجبار المحافظ ومن في دائرته لتقديم الاستقالة بسبب هذا التقصير القاتل.
وزارة الداخلية أعلنت عن إغلاق 610 مشروع ومنشأة مخالفة لشروط السلامة في عموم المحافظات. بالتأكيد أن ذلك سيحظى بالتعضيد من المواطنين على أن لا تكون هذه الإجراءات مجرد فزعة مؤقتة بعد فاجعة الكوت بل يجب أن تكون التزام وظيفي صارم لا يخضع للأهواء والظروف.
ما زالت تقييمات أحمد شوقي للأوضاع في زمانه تتطابق مع حقائق زماننا، عندما قال:
" صاغوا نعوتَ فضائلٍ لعيوبِهُم…. فتعذّر التمييز والاصلاحُ
فالفتكُ فنٌّ والخِداعُ سياسةٌ …. وغِنى اللصوصِ براعةٌ ونجاحُ ".