ما معنى أن تقرر الدولة العراقية، مكافأة نواب وأبناء نواب واقاربهم، ومجموعة من الذين ساهموا في وضع هذه البلاد على خارطة الدول الأكثر فشلاً، بطرح اسمائهم للعمل سفراء؟ أنا من وجهة نظري أقول إن هؤلاء أفضل من يمثل العراق في الوقت الحاضر، فالفشل الداخلي يجب أن تصاحبه وجوه فاشلة تمثله في بلدان العالم.
قبل اسابيع تناقلت وسائل الاعلام قائمة باسماء المرشحين للجلوس على كرسي "السفير"، ووجد المواطن المغلوب على امره، ان الدولة العراقية قررت مشكورة ان تكافئ ساسة العراق فوضعت ضمن القائمة الذهبية، ابناء واقارب واصدقاء واعمام معطم المسؤولين العراقيين بكل طوائفهم وقومياتهم.
ربما لايعرف المواطن العراقي المهموم بغياب الكهرباء، وارتفاع نسبة البطالة، والركود الاقتصادي، بأن هذه "الكفاءات" لو اتيحت لها الفرصة ستحول سفاراتنا إلى ملتقيات سياسية وفكرية تشرح للعالم كيف استطعنا أن ندحر الإمبريالية في عقر دارها، وأن نتفوق في الصناعة والعلوم والتعليم والصحة على بلاد المرحوم لي كوان الذي حول سنغافورة الى اقوى اقتصاد عالمي، وكانت وصفته للتنمية تتلخص في الاخلاص للوطن، حتى انه اصدر اوامر أن يقرأ طلبة المدارس صباح كل يوم هذا النشيد: "نحن مواطنو سنغافورة نتعهد بأن نكون شعباً متحداً، بغض النظر عن الجنس أو اللغة أو الديانة، وأن نبني مجتمعاً ديمقراطياً يقوم على العدالة والمساواة، لنحقق السعادة والرخاء لأمّتنا". اما في بلاد الرافدين فقد قررنا ان يكون لكل طائفة وقومية النشيد الخاص بها، والمهوال الذي يمجد شيوخها وساستها.
منذ أن ترك ساستنا "المعارضة" وجلسوا على كراسي السلطة، كان واضحاً للمواطن أنهم لن يتخلوا عن مقاعدهم، وأنهم يعدون أبناءهم وأقاربهم وأصحابهم لمناصب جديدة، لذلك تراهم يتقافزون في الفضائيات، يتبادلون الشتائم واللعنات، لكنهم يجلسون تحت قبة البرلمان لكي يفصلوا ثوباً جديداً لمؤسسات الدولة على مقاسهم.
من الدفاتر العتيقة لهذه البلاد أن توفيق السويدي نائب رئيس الوزراء أراد تعيين شقيقه عارف السويدي رئيساً لمحكمة التمييز، فلم يوافق مجلس الوزراء على طلبه بسبب خشية المجلس من الغاية التي قد يجتمع الشقيقان من أجلها. ومن الدفاتر التي يشتمها البعض أن شقيق عبد الكريم قاسم واسمه عبد اللطيف كان نائب ضابط قبل الثورة وأصبح شقيقه رئيساً ولم يحصل على ترفيع واحد، وإذا كنا تقدمنا سنوات أخرى سنجد أن عبد السميع عارف الشقيق الأكبر لعبد الرحمن عارف عاش ومات وهو يعمل مكوي في محل صغير.
أيها السادة ليس هناك في أي مكان في العالم بلد على هذا المستوى من الضحك على المواطن المسكين الذي عليه ان يصدق ان يزن مشعان يمثل الجيل السياسي الجديد والمتنور.