فتحت أبواب البلد على مصارعها، لاستيراد كل مخلفات الحرائق وطمر المتعفن السياسي، من جملتها ما أطلق عليه "الثلث المُعطل" في بلدان الجوار وغيرها بعد ان مهد لها الارضية النظام الدكتاتوري المباد، بالتوازي مع تخلف الخلف الذي نصب جزافاً وجاء جائعاً لينكب على فريسة شهية مطعونة بألف طعنة. وكل من كان قد سال لعابه على طعمها الحنظلي المذاق، التحق مصطفاً على طاولة الوليمة، واخذ حصته وكانت سهولة النهم وعجالة التخمة قد ولدت حالة التحفز الاعمى لمزيد من لفط المتاح، الذي لا ترقبه حراسات او تواجهه قوانين ولا تصده اعراف، مما أطلقت دوافعه وفُعلت طاقة تعطيله للاخر، انطلاقاً من تجربة الوقوف الشرس بوجه "تحالف الاغلبية الثلاثي" وتعطيله بغفلة قاهرة من أطرافه الذين بعضهم سرعان ما انسحب والبعض الآخر هرولة ملتحقاً ليركب العربة الاخيرة التابعة لقطار " الثلث المعطل " ذاته راسماً مفارقة غريبة.
تجليات الفشل المطبق اصبحت عنوان نكبة كارثية، تتلبد سحبها السوداء في كل فج عميق ضمن دوالب نظام المحاصصة، واخذت تسود بهم عوامل العجز الكسيح معطلة القدرة على اللحاق بعجلة ادارة السلطة. وبفعل ذلك صارت المجاهرة بالاخطاء وحتى بالخطايا، تحتل جملة سلوكهم ومعظم مسالكهم، دون الخشية من لوم او نقد او حكم قانون. وسحقت الاعراف وتعدى الامر الى استخدام بل اعتماد لغة طائفية مقيتة بذات المستوى البذيء، الذي لا يمت باية صلة لطبائع المجتمع العراقي النبيل، تلك اللغة التي كانت تتردد على السنة القوى المتشددة. وهي فوق الشتيمة وأدنى من الإساءة، لأنهم غير قادرين على التحدث بمستوى رجال دولة. كما أن هذه الحالة التي هم عليها تشي بشعورهم بقرب زمن نهوض مد الحراك المدني الجارف.. وان ما يبدو منهم ما هو الا محاولات الساعات الاخيرة متجلية بمظاهر التشبث واظهار القوة حتى مع الشريك المختلف معهم بل. وحتى رفاق دربهم الذين ينافسونهم على حصص المال السحت والنفوذ في مواقع السلطة.
دعونا نستقرئ حادثة البرلمان البارحة التي عرّت المستور، وصاحبي الجالس بجانبي يقول " ليش بقى شيء غير مكشوف؟ " لأن عجزهم اوصلهم حتى على عدم القدرة لستر عوراتهم الاخلاقية. لا نتوهم إذا ما قلنا، قد اصابهم نخب التسلط بسكرة افقدتهم التوازن، وبعث فيهم الشعور بأنهم غير خطائين، وهم يلعبون في بيتهم العراق كله، ولا غرض للناس العراقيين بشأنهم! كما تحيطهم القدسية التي يطلقونها جزافاً. ومن يعترض ماهو الا زنديق كافر لاحول له ولاشفاعة .. إن حصاد فشلهم الذي غدا بيادر مضت يوزع الفقر والامية والمرض والتخلف وفساد مفاصل الحياة على جميع المواطنين بعدالة. ولكن من البديهي بالمقابل سيكبر الغضب ويزيد ويدفع للاحتجاج الصاخب وحينئذ ستشيّعهم ذنوبهم التي لن تغتفر. وهذا نتاج " ثلثهم المعطل " الذي عطل نفسه.. والعهدة على أربابه، وان غداً لناظره قريب.