ج- 1
الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو اختصاراً) هي جزء أساسي من منظومة حقوق الانسان الدولية القائمة منذ أكثر من 40 سنة. وهي واحدة من الاتفاقيات التعاهدية التي انضمت اليها 189 دولة من أصل 193 دولة عضو في هيئة الأمم المتحدة.
انتشر اسم "سيداو" مؤخراً في العراق بصورة لافتة فيها خليط من الخبث والجهل فأصبحت "سُبّة" أو شتيمة من خلال التلاعب والتحريف المتعمد، وإخفاء المعنى الحقيقي للمختصر وتحويله الى مصطلح مسيء. فقد جرت شيطنة غير مبررة ومغرضة للاسم المختصر بالأحرف الأولى لمفردات العنوان الإنجليزي للاتفاقية:
(Convention on the Elimination of all forms of Discrimination Against Women)
وجرى تسويق اللفظ الانكليزي (CEDAW) عربياً، كوصف معيب يستخدم في التسقيط السياسي ضد المختلفين (أو المختلفات) بالرأي، ليس بالضرورة فيما يتعلق بمضامين اتفاقية سيداو، بل بمواضيع سياسية واجتهادات أخرى!
هناك فئة من الناس الطيبين غير مدركين للأمر وليس لديهم إلمام بالاتفاقية، ولا بالاتفاقيات الشقيقة لها في منظومة حقوق الانسان الدولية، ولكنهم يتبعون ما يشاع في الاعلام المقرب من اهتماماتهم دون تمحيص.
في خضم الفوضى والصراعات والاتهامات والتخوين والشتائم المتداولة في صفحات ومنافذ السوشيال ميديا والتلفزة، تكتسب بعض المصطلحات زخماً يتسق مع "انفتاح" الأذن العراقية على مفردات تسقيطية جديدة، خاصة تلك التي يكون تداولها سهلاً كلفظة "سيداو". وبالطبع هي لا تختلف عن "يونامي" أي بعثة الأمم المتحدة في العراق، ولا "يونيب" أي برنامج الأمم المتحدة البيئي، ولا "يو أن دي بي" أي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ولا "فاو" أي منظمة الأغذية والزراعة الدولية...وهلم جرّا.
وبالتالي "سيداو" ليست فكرة ولا أيديولوجيا أو حزب أو مجموعة نقابية أو انتماء فردي أو تجمع مهني، وليست مؤسسة أو وكالة دولية، بل هي "اتفاقية تعاهدية" دولية. والاتفاقيات التعاهدية هي المعاهدات الدولية التي تُبرم بين الدول، أو المنظمات الدولية وتكون ملزمة قانونًا لأعضائها بموجب القانون الدولي. هذا الإلزام القانوني ليس الزاماً مفروضاً بقوة خارجية، بل هو إجراء تقوم به كل دولة مستقلة على انفراد، تثبت فيه لمجتمعها، وللمجتمع الدولي، مدى التزامها بالقيم والأحكام الواردة في نص الاتفاقية.
ونظراً لكونها اتفاقية تعاهدية، فيجب على الدولة التي ترغب بالانضمام المصادقة الرسمية عليها، حسب التشريعات الوطنية النافذة، كي تصبح المعاهدة سارية المفعول، وهذه تختلف من بلد الى آخر. ففي العراق مثلاً يتطلب الأمر موافقة مجلس النواب الى جانب قرار مجلس الوزراء، لكي تقوم وزارة الخارجية بإيداع صك المصادقة لدى سكرتارية المعاهدة.
كذلك من متطلبات الاتفاقيات التعاهدية إنشاء آليات رقابة لمتابعة تنفيذ الدول الأعضاء لالتزاماتها. وهناك آليات معتمدة في مجلس حقوق الانسان في جنيف، ومنها ضمن بند "الاستعراض الدوري الشامل-UPR" وهو البند-6 من بنود اجتماعات المجلس الذي تقدم فيه التقارير الوطنية للدول الأعضاء، لتجري مناقشتها ومن ثم اعتماد التوصيات بشأنها للمتابعة المستقبلية.
تضم منظومة حقوق الانسان تسع اتفاقيات تعاهدية وهي:
1.العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي انضم لها العراق في عام 1971.
2.العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وانضم لها العراق عام 1971.
3.الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري، وانضم لها العراق عام 1970.
4.الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة -سيداو، وانضم لها العراق عام 1986.
5.اتفاقية حقوق الطفل التي انضم لها العراق عام 1994، ثم انضم الى البروتوكولين الملحقين بها وهما:
- البروتوكول الاختياري الاول بشأن بيع الاطفال واستغلالهم في البغاء 2008
- البروتوكول الاختياري الثاني الملحق باتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الاطفال في النزاعات المسلحة 2008.
6.الاتفاقية الدولية لحماية جميع الاشخاص من الاختفاء القسري، وانضم لها العراق عام 2010.
7.اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وانضم لها العراق عام 2011.
8.الاتفاقية الدولية لحماية الاشخاص ذوي الإعاقة، وانضم لها العراق عام 2013.
9.الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وافراد أسرهم.
ومن المؤسف فإن العراق لم ينضم بعد للاتفاقية التعاهدية التاسعة، وهي "الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وافراد اسرهم"، واعتقد ان هذا الأمر يجب أن يحظى بالاهتمام المطلوب من السلطات المعنية.
بما أن الدول الأعضاء، ومنها العراق، اختارت الانضمام الى الاتفاقيات التعاهدية الدولية طوعاً، فهي ملزمة بتطبيق معايير وأحكام تلك الاتفاقيات والاستجابة إلى متطلباتها، وتقديم التقارير الدورية عن مديات تنفيذ الالتزامات الواردة بها.
الى جانب الاتفاقيات التعاهدية، هناك اتفاقيات دولية غير تعاهدية، وهي اتفاقيات غير ملزمة قانوناً، ولا تتطلب تصديقاً رسمياً من الدول، وتشمل وثائق أو قرارات أو إعلانات مبادئ وقواعد توجيهية تصدرها وكالات دولية أو الجمعية العامة للأمم المتحدة وغيرها. وهذه يخضع الإلتزام بها الى مستوى الالتزام السياسي والأخلاقي للدول الأعضاء، ومدى احترامها لدورها وسمعتها في الأوساط الدولية وأدوارها الدبلوماسية. ومن الأمثلة على ذلك الإعلان العالمي لحقوق الانسان 1948.
من الجدير تأكيده هو أن الاتفاقيات التعاهدية الدولية لحقوق الانسان ليست قوة مسلطة على الدول الاعضاء، ولا تهدف الى معاقبتها او إدانتها بقدر السعي الى تشجيعها للارتقاء بمستوى ادائها، وتطوير قدراتها في مجال حقوق الانسان ليناسب معايير الاتفاقية. يجري ذلك باستخدام آليات وأطر زمنية تقدم الدول الاعضاء خلالها تقاريرها الدورية عن مختلف القضايا ذات العلاقة بالاتفاقيات. وبالنتيجة فأن الأمر يمثل التزاماً طوعياً تقوم به الدولة بكشف ملفاتها وتقاريرها امام مجلس حقوق الانسان، وتبدي استعدادها للدفاع عن اجراءاتها المتخذة بشأن التزاماتها ضمن الاتفاقيات التعاهدية.
- يتبع -