كلما كُثر الكلام حوالينا و صخب ضاجا بهرائه الفادح و خوائه الأجوف ، كلما أصبحنا تواقين للارتداد إلى أعماق دواخلنا ، كما نجوم البحر إلى قوقعتها الصلدة لتُصغي إلى هدير البحر و صفير الرياح ..
لنقفل كل منفذ إلى الخارج بطوق الصمت ..
لم يُعد الكلام بعد شفيعا ، ولا واسيا ، ولا منقذا أو سندا ..
كما كان … ومثلما كان قبلا ..
فالكلام لم يُعد اكثر من كلام يهذي في قعره الفاغر ..
حاله في ذلك حال صدى خافت من تساقط رصاصات فارغة خادشة للأذان .
ربما الكلمات نفسها اصبحت منتهكة لحد اللعنة ..
بينما المعاني باتت مُفرغة من مضامينها ، بل مقلوبة على بطانتها المهترئة عكسا ومعكوسا ..
فلم يحدث في تاريخ البشرية أن فُقدت الثقة بسمو الكلام ونبله و صدقه مثلما الآن :
إذ غالبا ما يتحدث القاتل المُستَتِر عن الإنسانية و العدالة !
و اللص السياسي الصلف عن النزاهة والأمانة
و الدّجال المنافق عن الاستقامة و طريق الخير
و المضلل الكذّاب عن الصدق
و التابع و العميل والخائن عن الوطنية
و الناهب السارق لقمة اليتيم والأرملة بلا معيل عن الشفقة و الصدقة والرحمة
………………….
لذا تجدنا نحن حراس الكلام الأوفياء نرتد إلى جوانية دواخلنا و نقفلها بطوق الصمت و جدران السكينة المحكمة..
لتنجو كلماتنا من هذا الوباء السادر الطافح ، لتبقى نقية بجوهرها الناصع كما كانت .. ..
أي أهلا للثقة ..
سندا لليائس ..
المنهارة عكازة لمَن فقد آخر قواه ..
و كتفا لمَن يوشك على الانهيار ..