حين أستعيد صورة كامل شياع لا أراه فقط كمفكر أو مستشار في وزارة الثقافة بل كإنسان قريب .. صادق .. أصغى لي ولغيري بصدق نادر. كان يستمع بانتباه شديد وكأنه يبحث بين كلماتنا عن فكرة جديدة يمكن أن تغني مشروعه الثقافي الكبير. لم يكن يتعامل معنا بتعالٍ بل بروح الند و الشريك والصديق.
قبل استشهاده بفترة قصيرة كلفت من المكتب الإعلامي بأن أجري معه لقاء عبر مجموعة من الأسئلة حول مشاريعه القادمة. يومها شعرت بحماسه وهو يحدثني عن ضرورة صياغة استراتيجية وطنية للثقافة العراقية كان يريد أن يضعها بين يدي مجلس الوزراء. كان يحلم بمشروع ثقافي كبير يليق بتاريخ العراق ويعيد للثقافة مكانتها في بناء الدولة المدنية الديمقراطية. كنت ألمس في عينيه يقينا بأن الثقافة يمكن أن تكون باب الخلاص.
كامل لم يكن مجرد مثقف يساري أو مفكر يكتب في الفلسفة والأدب بل كان إنسانا مهذبا متواضعا و حكيما. وجوده كان يبعث الطمأنينة وكأنك أمام شخص نادر في صفائه الإنساني. يصعب علي حتى اليوم أن أصدق أن هناك من تجرأ على إسكات صوته.
تعرفت أكثر على عوالمه الخاصة حين قدمت عرضا لكتابا من إعداد شقيقه فيصل عبد الله بعنوان "دفتر المنفى بين النزل والبيت – كامل شياع". ذلك الكتاب كان أشبه برسائل قلب مفتوح .. نصوص كتبها كامل من المنافي الأوروبية تحمل بين سطورها مزيجا من الذكريات والتأملات بين الوطن الأول والمنفى الاضطراري بين الحنين العميق ومرارة الغربة. قراءتها كانت كمن يمشي معه في طرقات بعيدة يسمع صوته وهو يبوح بأفكاره ووجعه وآماله.
لن أنسى أبدا يوم اغتياله. كان الخبر صدمة لا يحتمل وقعها. شعرت وكأن الأرض اهتزت تحت أقدامنا جميعا. كيف يغتال صوت بهذه الرهافة ؟ كيف يسكت حلم كان يخطو خطواته الأولى نحو النور؟ بقيت لحظات طويلة عاجزة عن الكلام كأن الكلمات خانتني .. لم يكن رحيله مجرد خسارة شخصية أو صدمة عابرة بل كان طعنة في قلب الثقافة العراقية كلها. أحسست حينها أن العراق فقد بوصلة فكرية كان في أمس الحاجة إليها وأن الحلم الذي كان يرسمه كامل بجهد وصبر أصبح يتيما من بعده.
بالنسبة لي لم يكن كامل شياع مجرد شخصية عامة أو شهيدا من شهداء العراق بل كان جزءا من ذاكرتي الشخصية. كلما تذكرته، شعرت أن العراق خسر معه عقلا تنويريا وروحا نقية كان يمكن أن تغيّر الكثير لو أُتيح لها أن تواصل الحلم حتى النهاية.
المصدر: طريق الشعب