لماذا علينا أن نقتفي خطى الآخرين؟
بقلم : لطفية الدليمي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

لا أتوقفُ عند الغالب من المنشورات الفيسبوكية التي لا تحمل قيمة فكرية بارزة أو تلك التي تفتقر إلى  الرصانة. أقرؤها وأغادرها سريعاً نحو أعمالي الكثيرة التي هي أهمّ وأبقى من منشورات فيسبوكية عابرة  سرعان ماستنزوي في زوايا ذاكرة رقمية مهملة ؛ لكنْ يحصلُ أحياناً أن تأتيني إشعاراتٌ من أصدقاء للتنبيه إلى منشور معين ، وبخاصة إذا كنتُ طرفاً فيه أو أنه يمسُّ فئة محددة كالكاتبات العراقيات على سبيل المثال، كأن يقول البعض (ليس بين كاتباتنا مَنْ تماثل مارغريت أتوود أو تناظرُ دوريس ليسنغ أو تقارب في مضامين رواياتها ما كتبته آني آرنو  التي وصفتها لجنة نوبل بأنها أبدت "شجاعة وبراعة" في أعمالها الأدبية التي استكشفت عبرها "الجذور والبُعد والقيود الجماعية للذاكرة الشخصية"، وهو توصيف مبهم وملتبس قد ينطبق على أعمال كاتبات كثيرات كنّ جديرات بالجائزة أكثر من آرنو. قد يصف أحدهم  كتابات كاتباتنا  بأنّها  تغترف من كتابات الكُتّاب الرجال،  ولا أدري كيف تكون رواية مثل  روايتي ( سيدات زحل )  -التي كتبتها من منظور نسوي للمجتمع والحرب والإحتلال ووقائع التاريخ  مثلاً-  اغترافاً من  كتابة الرجال، أو أن تكون رواية ( العيون السود) لميسلون هادي انعكاساً لكتابة ذكورية، أو أن  تتماثل رواية ( النبيذة ) لإنعام كجه جي مع  روايات كاتب عراقي آخر؟

  اذكر هنا أنّ أحد النقاد في جلسة احتفائية بروايتي (سيدات زحل) تورط وأبدى رأياً نقدياً يخصّه ووصف الرواية بأنها عمل  يشكل نقطة مفصلية في تاريخ الرواية العراقية بعد (الرجع البعيد ) فقامت قيامة البعض منهم وانهالت عليه التعليقات والتعقيبات التي تستنكر جرأته وتخطّيه لأسماء أضحت أيقونات مقدسة في الفن الروائي ؟؟

   تكشف هذه المواقف تلك النبرة المشككة والمغالية في غرور  بعض المنتمين للمشهد الثقافي العراقي ويقينهم بأنّ المواقع المتقدمة لا يمكن أن تحتلها سيدة؛ بل وتسجل هذه السلوكيات اعترافاً بأنّنا لم نؤسس لتقاليد راسخة محترمة في طريقة التعامل السائدة في الوسط الثقافي .

    الملاحظات التالية ماهي الا إضاءات في خطاب ثقافي وليست تعقيباً أو رداً على واقعة أو شخصية روائية أو ثقافية ما ، وسأعتمدُ لغة واضحة مباشرة – كعادتي – بعيداً عن المسالك الإلتفافية التي تبتغي كثرة التأويلات وتعدّدية مرجعياتها .

أولاً: أنا عاشقة لدوريس ليسنغ وفيرجينيا وولف ومارغريت آتوود؛ ولكن لا تروق لي أعمال آني آرنو بل أفضل عليها جين ريز وبنيلوبي لايفلي وزادي سمث والأمريكية توني موريسون. نشرتُ ترجمتي  الكاملة لمقالة وولف المطوّلة عن (الرواية الحديثة) في ثقافية المدى، وكتاباتي معروفة عن ألمعية ليسنغ وعلوّ شأنها في الرواية وعبّرتُ عن اعجابي بتوني موريسون بترجمتي لكتاب تناول  سيرتها الموجزة؛ لكن لماذا يفترض أحدهم أنّ عليّ الكتابة بالطريقة التي يكتب هو بها أو ينظر بها إلى العالم؟  لماذا يطلب مني أو من آخرين وأخريات أن نتعامل مع قضية محدّدة بالطريقة التي يراها هو؟ لماذا عليّ أن أكون نسخة من هؤلاء الكاتبات أو الكتّاب؟ ولماذا أترسّمُ خطواتهن في الكتابة؟ أنا لطفية الدليمي ولي تجاربي وخبراتي وما تعلمته من ترجماتي الغزيرة في الفن الروائي والمستقبليات والعلم والفلسفة، ولا أسعى لأكون نسخة من فلان أو فلانة الذي يقتصر نتاجه على الرواية والقصة. أقولها بوضوح : كلٌّ منّا نسيجُ وحدِهِ ونظيرُ ذاته التي لاتشبه سواها. لطفية الدليمي هي لطفية الدليمي، مثلما أنّ إنعام كجة جي هي إنعام كجة جي وميسلون هادي  هي ميسلون هادي ،،،، إلخ. هكذا صنعتنا الطبيعة وقوانين الوراثة وطرزنا العقلية وموجهاتنا السلوكية ومصادر ثقافتنا. هكذا صنعتنا المعلومات المشفرة في منظومتنا الجينية وأضفنا عليها خبراتنا وأخلاقياتنا لاحقاً .

ثانياً: مَنْ يطلب مني أن أكتب على غرار آني آرنو أو دوريس ليسينغ، هل يعني أنّ لدينا فائضاً من كتّابٍ شبيهين بلورنس أو جويس أو فوكنر أو ،،،،، إلخ. هل هذه هي الحقيقة : كلا بالطبع، ثمّ لاضرورة لأن يكون كاتبٌ عراقي رجلٌ شبيهاً بهؤلاء. لنتصوّرْ أنّ  كاتبة قالت (ليس بيننا كاتبٌ مثل لورنس أو جويس أو فوكنر)، هل تتصوّرون كيف ستكون ردّة الفعل عليها؟

ثالثا: هل يتجرّأ كاتب أجنبي أن يكتب في مطبوعة ثقافية أو في الفيسبوك  ما قيل حول أننا لانملك كاتبات يناظرن فيرجينيا وولف او دوريس ليسينغ أو توني موريسون؟ ولو فعل لاعتبرته الأوساط العامّة متنمّراً ثقافياً، ولأطيح به على الفور وقُضي على مستقبله المهني. لا أحد منّا موكلٌ إليه أمرُ إصدار الأحكام والسعي لتعميم رؤيته الخاصة على الآخرين وكأننا في محضر محاكمة أدبية قيامية. أليس من الأفضل أن يدع الأمر للقراء؟ أليس من الأجدى له الإنصرافُ لإجادة لغة اجنبية ويطوّر مهاراته في الترجمة ليتحفنا بترجمات تغني ساحتنا الثقافية. لا معنى لأن ينصّب أحدُنا نفسه كائناً علوياً يقرّرُ مصير من يدخلُ قائمة معتمده الأدبي استناداً إلى جزئية محددة، وعند ذاك لا يصحُّ التعميم.

رابعاً: ما دلالة العمل الجاد؟ هي الإنجاز الذي يحسبُ بمعايير كمية لا تقبلُ المخاتلة. يعرف القرّاء أنني نشرتُ ماينوف على  الستين كتاباً بين مؤلف ومترجم، وأنني - ومنذ 17 عاماً  بالتقريب - أكتبُ مقالة أسبوعية في صحيفة المدى، وأقدّمُ مادة مترجمة أو مؤلفة لاتقلُ عن 1500 كلمة في ثقافية الصحيفة ذاتها كلّ أسبوع، فضلاً عن مساهماتي المتعددة في الصحف اللندنية:  العرب والشرق الأوسط والضفة الثالثة والقدس العربي، وفي المجلات الثقافية: الفيصل والبحرين الثقافية وعالم الكتاب المصرية، وثمة طيف واسع في كتاباتي أؤكّدُ فيه على الثقافة العلمية المتوازنة مع ثقافة أدبية، وتراني أؤكد على نظرية السرد بمثل تأكيدي على الذكاء الإصطناعي وميكانيك الكم ونظرية الأنساق الدينامية المعقّدة. أقولها بصراحة: لم يعُد يعنيني المشتغلُ بالأدب وحده والقابعُ في زاوية موصدة على الأدب فقط، وهو جاهلٌ بالتطوّرات العلمية والتقنية الثورية التي شكّلت عالمنا ولم تزل تعيدُ تشكيله بصورة متواترة. مَنْ يشأ أن يظلّ قابعاً في جزيرته الأدبية سيخسر الكثير.

خامساً: قد لا نصلحُ أن نكون نظراء للغربيين في الحقل العلمي والتقني - مع استثناءات محدّدة في حقول الطب والرياضيات والفيزياء النظرية بسبب ميلها إلى الفردانية وغياب ضرورة العمل في جماعات نسقية-؛ بل الحقُّ أننا لسنا نظراءهم  في العلم والتقنية ؛ لكنّ الحال يختلف مع الرواية. قد لا يصدّقُ من يرى في آلهة الرواية الحديثة – الثلاثي وولف وجويس ولورنس – أنّ كثيراً من الروايات الغربية المعاصرة المنشورة ليست سوى تعليقات على وقائع صغيرة أو مشهديات عابرة أو نُتفٍ من تاريخ مضى وانقضى، وأنّ كثيراً من هذه الروايات هي صناعة إعلانية تحكمها إمبراطوريات مالية  من دور نشر ومؤسسات مهيمنة. من يقرأ الصحف الأجنبية المتاحة مجاناً سيجد العجب؛ أما من لا يجد وسيلة لقراءتها فسيظلُّ هائماً في متاهات ملكوته  وأوهامه الأدبية.

                                      *  *  *  *  *  

    كم أتمنى أن ينصرف بعضُ الكُتّاب  إلى الإنفتاح على متغيرات عصرنا وتعلّم مهارات ولغات جديدة وإن بلغ عمراً متقدماً، ولن ينفعه وينفعنا تعظيمُ الادوار السياسية لبعضنا أو تبجيل مواقف ماضية لم تنتج تغييراً مشهوداً في حياتنا بدل أن يصنّف زملاءه بناءً على ثيمة محددة ويصدر أحكامه عليهم بشأنها.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 26-08-2025     عدد القراء :  81       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced