الأقصاء السياسي بين إدعاء تطبيق القوانين ومخاطره السايكولوجية والأجتماعية
بقلم : د. عامر صالح
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

لقد سبب قرار المفوضية العليا المستقلة للانتخابات باستبعاد أعداد كبيرة من المرشحين من قوائم الانتخابات البرلمانية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل جدلا واسعا في العراق، ففي الأيام الأخيرة، تصاعدت التساؤلات حول طبيعة هذه الإجراءات، ومدى وجود دوافع سياسية خلفها، وقد تجاوز عدد المبعدين اكثر من 600 مرشح بقوائم متتالية وعلى شكل دفعات.

ورغم أن المفوضية بررت قراراتها بأسباب تتعلق بمخالفة قواعد السلوك، وعدم استكمال الوثائق، وقضايا المساءلة والعدالة والفساد، فإن الجدل ما زال مستمرا حول شفافية هذه القرارات وأثرها على المشهد السياسي. وقد أكدت المفوضية أنها الجهة الوحيدة المخولة بإصدار القرارات المتعلقة باستبعاد المرشحين، وذلك استنادا إلى البيانات والتقارير الواردة من الجهات المختصة بالتحقق. وأضافت المفوضية أنها، فور استلامها قوائم المرشحين، تقوم بتدقيق البيانات الأولية قبل إرسالها إلى جهات التحقق المعنية.

وتشمل هذه الجهات وفقا للمفوضية وزارات التربية، والتعليم العالي، والداخلية، والدفاع، بالإضافة إلى مديرية الأدلة الجنائية، وهيئة الحشد الشعبي، وجهازي المخابرات ومكافحة الإرهاب، ومستشارية الأمن القومي، وجهاز الأمن الوطني، ومجلس القضاء الأعلى.

منذ عام 2003 شهد العراق الكثير من المؤشرات التي تضعف نظام العدالة ومكانته في المجتمع، فالكثير من الجرائم التي ارتكبت بحق متظاهرين سلميين والكثير من الاغتيالات السياسية لم يجري ألقاء القبض على مرتكبيها بل سجلت بذمة قاتل مجهول بل وحتى الحالات التي تم فيها ألقاء القبض على القتلة تمت المساواة عليها وإطلاق سراح القتلة إلى جانب الكثير من الجرائم المجتمعية لم يأخذ اجراء بحقها.  

إلى جانب هناك الكثير من القوانين لم يتم تفعيلها وفي مقدمتها قانون الأحزاب الذي يحرم على الأحزاب ذات الأجنحة المسلحة المشاركة في الأنتخابات وهي الآن حاضرة بمرشيحها الذين لم يستبعدوا من الترشيح للأنتخابات الى جانب المسائلة عن المال السياسي ومصادر تمويل الحملات الأنتخابية، وزدواجية المعايير تلك تلقي بظلالها على ضعف مصداقية ما يتخذ من اجراءات لأبعاد المئات من المرشحين، فأذا كنا إلى جانب تطبيق إجراءات المسائلة والعدالة فهناك قضايا اشكالية وغير متفق عليها والتي تتمثل في حالات أبعاد المرشحين لأسباب تتعلق بحسن السيرة والسلوك، وما هي المعايير لذلك وخاصة عندما تتخذ بحق نواب سابقين وحاليين في البرلمان.

بالإضافة الى ان الكثير من المبعدين كانوا في أجهزة الدولة الحساسة وتبوئوا مناصب عليا في الدولة بما فيها الأمن والمخابرات وجهاز مكافحة الأرهاب ومشهود لهم في وطنيتهم فلماذا لم تجري محاسبتهم أنذاك. اذا كان المراد من تلك الإجراءات هو حجب الفاسدين عن المشاركة في الترشيح للانتخابات فكان من الأولى ان يطبق ذلك قبل عقدين من الزمن أم أن هذه الإجراءات تستهدف تشكيل مراكز للقوى السياسية التي تهيمن على العملية واعادة إنتاجها مجددا لتتصدر المشهد السياسي في ظل مزاج عام فقد الثقة بالطبقة السياسية الحاكمة وخاصة ان من تلك الطبقة متهم بالفساد والتزوير ولكن لم يستبعد.

هناك انطباع مجتمعي ان ما يجري هو عمليات إقصاء سياسي ممنهج يستهدف أضعاف للقوى والأحزاب والشخصيات المعارضة للنهج السائد وخاصة وان بعض من الأجهزة المحسوبة على الدولة تشتغل بالكيدية والثأر وتصفية الحساب من خلال واجهة الأنتخابات.

ثقافة الإقصاء السياسي هي بيئة أو ظاهرة مجتمعية سياسية يتم فيها استبعاد أفراد أو مجموعات معينة من المشاركة في الحياة السياسية أو صنع القرار بسبب انتمائهم أو آرائهم المختلفة، مما يؤدي إلى إضعاف الديمقراطية وتركيز السلطة لدى فئة قليلة. هي ممارسات مجتمعية وسياسية تؤدي إلى استبعاد أشخاص أو جماعات من الدائرة السياسية.

ويشمل ذلك استبعادهم من التصويت، أو الترشح للمناصب، أو المشاركة في الأحزاب السياسية، أو التأثير في صنع القرار. غالباً ما يكون الإقصاء مبنياً على أساس عرقي، ديني، طبقي، جنسي، أو سياسي، مما يحد من تنوع الآراء في المجتمع. والإقصاء يضعف المشاركة السياسية ويكرس شعورا لدى الأفراد والمجموعات المبعدة بالإحباط والغضب، مما يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية لا تحمد عقباها إلى جانب حرمان المجتمع من مساهمات وخبرات أفراد تم استبعادهم، مما يضعف قدرته على التطور.

الإقصاء في الأساس عمل نفعي للجهة القائمة به، قاعدته مصلحة الأنا الفردي أو مجموعة النفع السياسي، والاستفادة، والتسيد، والامتياز كي لا يأتي من ينافسها، أو يشاركها الفائدة، أو يكشف زيفها، ودواخل ما تفعله. ودائماً يتم ذلك على حساب المصلحة العامة، وأين تكون، وكم من فئات قادرة، وكفؤة أقصيت، وهمشت ليبقى تسيد المستفيدين، وشللهم ومنافعهم، وما يريدون.

و يمارس الأقصاء دون أي وازع أخلاقي أو تربوي و لتصل لمرحلة التخوين و إسقاط الآخر ، و للأسف أن القوى السياسية العراقية الحاكمة هي حاضنة لهذا التفكير و إن كانت هناك مقاومة مجتمعية تحاول بلا جدوى للخلاص منه، بسبب تراجع الوعي و تدهور الاخلاق و الثقافة. لا سيما و أن ثقافة الإقصاء هي العمود الفقري للسلطوية و الاستبداد و بكل أشكاله .

العراق ممثلا بقواه السياسية الخيرة ومنظمات المجتمع المدني والحركات الأحتجاجية السلمية الضاغطة بحاجة للحوارات العقلانية المسؤولة والموجهة بالنقد والمسائلة الرسمية والشعبية والقضائية   صوب السلطات الحاكمة للتخلص او الحد من هذه الأمراض و الآفات التي هيمنت على العقل السياسي العراقي لعقود طويلة والوقوف ضد التطبيق الأنتقائي للقوانين والإجراءات واعتماد الشفافية والنزاهة كبديل لثقافة الأنتقام والتي تهدد النظام السياسي برمته والقضاء على ما تبقى من فسحة للأمل.

وببساطة الأقصاء والديمقراطية ندان لا يلتقيان فمن يمارس الأقصاء  يجب عليه ان يخرس في الحديث عن الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 01-09-2025     عدد القراء :  117       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced