في خضمّ التنافسات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، ماذا يحدث للعراق اليوم؟
بقلم : ترجمة: عدوية الهلالي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

إميل بوفييه

في عام 2024 وحده، استقبل العراق نحو 2000 جندي سوري فارّين من التقدّم السريع للتمرد الإسلامي بقيادة هيئة تحرير الشام، وتعرّض لغارات جوية قادتها واشنطن ضدّ ميليشيات شيعية هاجمت مرارًا قواعد أمريكية تدعم غزة، وأعلن حزب العمال الكردستاني (PKK) منظمةً غير قانونية، وأخيرًا أعلن الانسحاب التدريجي لقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد داعش: هذه القائمة غير الشاملة للأحداث تُبيّن المكانة المركزية التي يحتلها العراق، غالبًا رغمًا عنه، في الديناميكيات الجيوسياسية والتنافسات في الشرق الأوسط، لهذا تجد بغداد نفسها في طليعة أحداث الشرق الأوسط، حتى عندما لا تقع هذه الأحداث على حدودها المباشرة، مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

يتعافى العراق تدريجيًا من خمسة عشر عامًا من الصراع شبه المتواصل منذ الغزو الأمريكي عام 2003. ورغم أنه ليس بمنأى عن العوامل المؤثرة عليه، إلا أن اقتصاده يتمكن من التماسك بفضل عائدات النفط، بينما تنجح السلطات العراقية، بصعوبة، في إعادة فرض سلطتها على البلاد، التي ستشكل انتخاباتها التشريعية في تشرين الثاني 2025، من نواحٍ عديدة، اختبارًا مهمًا. وتُفسَّر عملية الاستقرار العام في العراق تحديدًا باستقرار الوضع الأمني، الذي يظل مع ذلك أحد الشواغل الرئيسية للبلاد نظرًا للتهديدات المتعددة والمتغيرة التي لا تزال تُثقل كاهلها.

وفي حين يتمتع العراق باستقرار أمني لا يُنكر مقارنةً بالعقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين، إلا أن الوضع لا يزال متقلبًا بسبب استمرار وجود كوكبة من الجهات الفاعلة السياسية والمسلحة: فبينما لا يزال تنظيم الدولة الإسلامية يُمثل تهديدًا مُشتتًا وشبه دائم الوجود، تُمثل الحرب الدائرة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني (PKK) في شمال العراق أيضًا شكلًا من أشكال زعزعة الاستقرار المحلي. ومع ذلك، تظل الميليشيات الشيعية أحد المصادر الرئيسية لهشاشة الأمن، مصدر قلق للسلطات العراقية وقوى مثل الولايات المتحدة. ومع ذلك، لا ينبغي لهذه الجهات الفاعلة الراسخة أن تُلقي بظلالها على ظهور جهات مسلحة شبه حكومية جديدة، وإن كان ذلك بشكل مُنفصل في الوقت الحالي، فضلًا عن الجريمة المسلحة وانتشار الأسلحة بلا ضوابط، وهي عوامل تُزعزع استقرار الوضع الأمني العراقي.

ولا يزال العراق يعاني اليوم من تهديدات أمنية متنوعة، قديمة وحديثة. ويُمثل تنظيم الدولة الإسلامية (أو داعش)، في هذا الصدد، تحديًا أمنيًا دائمًا: فرغم هزيمته الإقليمية في العراق في كانون الأول 2017 وفي سوريا في آذار 2019، يواصل داعش شنّ عمليات عسكرية وهجمات مسلحة منتظمة في العراق. وينشط بشكل خاص في المناطق الريفية بمحافظة ديالى، الملاذ التاريخي للتنظيمات الجهادية، وفي محافظة كركوك، حيث يستغل مقاتلوه الغطاء الذي توفره بساتين نخيل دجلة وتضاريس جبال حمرين، ليتمكنوا بسهولة من التهرب من مراقبة الطائرات المسيرة وشن غارات قبل تدخل الجيش العراقي. وفي نهاية عام 2024، اضطرت قوات الأمن العراقية إلى محاصرة قرية قرب كركوك مرتين خلال أسبوع واحد، حيث رُفع علم تنظيم الدولة الإسلامية.

تُشكل الميليشيات الشيعية، المنضوية في الغالب تحت لواء "الحشد الشعبي"، والتي تنتشر في العراق أكثر بكثير من حزب العمال الكردستاني، مصدرًا لعدم الاستقرار الأمني. وفي حين تضغط الولايات المتحدة بشكل متزايد من أجل اعتماد قانون لتنظيم قوات الحشد الشعبي بشكل أفضل وإبعادها عن النفوذ الإيراني، من المتوقع أن تشتد حدة المناقشات المحيطة بهذه القوانين في ضوء القراءات القادمة لمشروع القانون. ومن أجل تسريع تنفيذ الاندماج الحقيقي لقوات الحشد الشعبي في الجيش العراقي وزيادة سيطرة بغداد على هذه الميليشيات، هددت إدارة ترامب الجديدة، الأكثر عدوانية من الإدارة السابقة والمنخرطة حاليًا في مفاوضات متوترة مع إيران بشأن القضية النووية الإيرانية، في بداية نيسان بعض الميليشيات التي تشكل قوات الحشد الشعبي بشن غارات جوية إذا لم يلقوا أسلحتهم.

وبينما لا تزال الكمائن والغارات وزرع العبوات الناسفة البدائية أبرز مظاهر وجودها وأكثرها فتكًا في البلاد، يواصل داعش أيضًا القيام بأنشطة الدعاية والتجنيد، مستغلًا على وجه الخصوص الغضب الذي أثاره القصف الإسرائيلي والغزو البري لغزة في العالم الإسلامي.ولاحتواء هذه الأنشطة، تنفذ القوات العراقية، بدعم منتظم من الجيش الأمريكي، عمليات متكررة ضد داعش. ففي 13 آذار 2025، على سبيل المثال، قُتل الرجل الثاني في داعش، عبد الله مكي مصلح الرفاعي، الملقب بأبي خديجة، في غارة جوية بمحافظة الأنبار العراقية. إن المغادرة الوشيكة للولايات المتحدة، حيث من المتوقع أن يغادر الجزء الأكبر من قواتها المتمركزة في العراق بحلول أيلول 2025 وجميع قواتها بحلول نهاية عام 2026، دفعت بعض المحللين إلى التشكيك في قدرة الجيش العراقي على مواصلة القتال ضد الخلايا الجهادية التي لا تزال تعمل في البلاد وحدها.

في خضم هذه القوى السياسية المسلحة الراسخة، برزت جماعات جديدة: فقد شُكِّلت في الأشهر الأخيرة عدة ميليشيات شيعية تعمل خارج الهيكل الرسمي للحشد الشعبي، مثل "لواء درع العباس الاستشهادي"، الذي يدعو إلى استهداف المصالح الأمريكية في المنطقة، وتنفيذ "المشروع الجهادي المبارك"، بل وحتى "تحرير دمشق" من الإدارة السورية الجديدة. وينطبق الأمر نفسه على "لواء صرخات القدس"، الذي شُكِّل خلال حرب غزة، والذي دعا إلى الانتقام من الحوثيين بسبب حملة الغارات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة منذ 14آذار 2025. ولم تُنفِّذ هذه الجماعات أي عمليات عسكرية أو مسلحة تُذكر حتى الآن.

كما تُشكِّل الجريمة المسلحة عاملًا رئيسيًا آخر لانعدام الأمن. إن هذه الجريمة، التي يغذيها التداول غير المنضبط للأسلحة من جميع العيارات (يُعتقد أن حوالي خمسة عشر مليون سلاح غير مُعلن عنها موجودة في العراق) والموروثة من عقود من الحرب في العراق وعدم الاستقرار الجيوسياسي المحلي والإقليمي، انتهازية بقدر ما هي منظمة، فردية بقدر ما هي قبلية. إنها تحافظ أحيانًا على علاقات تعاونية براغماتية مع بعض الجماعات المسلحة وتشارك في العديد من عمليات الاتجار غير المشروع في المنطقة، سواء في المخدرات أو الأسلحة أو النفط أو حتى البشر (وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة، أثرت العبودية الحديثة على ما يقرب من 221000 عراقي في عام 2024). وبعيدًا عن الأنشطة الإجرامية، فإن هذا التداول الكبير للأسلحة يدفع بعض الميليشيات القبلية إلى أخذ العدالة بأيديها، مما يؤدي بانتظام إلى تصفية الحسابات التي تؤثر على كل من الأطراف الرئيسية المعنية والضحايا الجانبيين. ففي عام 2023، شهد العراق معدل جرائم قتل بلغ 11.5 حالة وفاة لكل 100 ألف نسمة (وهو رقم أعلى بنحو عشرة أضعاف من نظيره في فرنسا في نفس العام، على سبيل المثال)..

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 02-09-2025     عدد القراء :  51       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced